“عتابُ الماء”.. مجموعة شعرية لجمانة الطراونة

“عتابُ الماء”.. مجموعة شعرية لجمانة الطراونة


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    محمد الهادي الجزيري

    ككلّ متابع للمشهد الشعري العربي، انتبهت لبروز اسمها وتداوله بين أحباب الشعر وتميّزه على غيره بالسلاسة وكثرة الإنتاج الإبداعي، هذا إضافة لاحتلالها لأهمّ المواقع مثل مشاركتها في معرض الكتاب بمسقط وحلولها ضيفة بالعراق والاحتفاء بها في مهرجان الشعر بالشارقة، كما تحصّلتُ على مجموعتها الصادرة حديثا “عتابُ الماء”، وها إنّي أغوص في لجج الشعر الصافية، وأقتطف لكم ما تيّسر من أبيات للشاعرة جمانة الطراونة المبحرة بسرعة وإتقان وانسيابية نحو لبّ القصيدة العربية الحديثة:

    “ما جئتُ شاعرة تدوّر بختها
    بتميمة الرّائي ولا بحجابهِ
    لكن أتيتُ لكي أعيد إلى الشذى
    ما أهرق العطّار من أطيابهِ
    وأردّ عنقود المجاز لأصلهِ
    حيث الكناية مشتهي أعنابهِ”

    بهذه القصيدة المعنونة بـ “عتابُ الماء” التي سحبت كلّ المجموعة تحت هذا العنوان، اخترت هذه الأبيات التي تبيّن للقراء كيف تفهم الشاعرة في سنّ مبكرة دورها في الحياة أوّلا ومهمتها ثانيا في باب الكتابة، إنّ جمانة الطراونة تتخذّ من المتن الشعري وسيلة لخلق عالم جديد لم لا؟ وخاصة أنّها موهوبة بشكل مذهل، أعتقد أنّ الشعر الحديث وفرسانه وفارساته سيوغلون بنا في أدغال المعنى المدهش، وأحدس أنّ مواهب كهذه الفذّة جمانة سيكون لها شأن، خاصة أنّها من حفيدات المتنبي الذي تقول فيه في قصيدة آخر الأفذاذ:

    “هو لم يدرْ قدحا وكلّ رفاقه
    شربوا وما بلغوا ثمالة كأسِهِ
    فجميع من لبسوا المجاز عباءة
    قد فصّلوا ما فاض من ملبوسِهِ
    هزّوا أباريق البيان جهالة
    والمارد العفريت في فانوسِهِ”

    ما دمنا في حضرة شاعرة تنتمي في الأصل للمملكة الأردنية الهاشمية وفي ما يريد القلب نجدها في سلطنة عُمان، وفي الشعر نجدها أميل إلى العراق العظيم، سنقتطف لها أبيات من حدائق العراق من قصيدة بعنوان “العراقية الأولى”، تبدع فيها جمانة الطراونة وتغوص في بحر الصافي وإن كانت قصائد أخرى عن العراق أكثر حبكة وأشدّ فتنة في هذه المجموعة القيّمة:

    “يفوح بالعطر إن قلتُ (العراق) فَمِي
    فهل ألامُ إذا أجريتُ فيه دمي؟
    وهل ألامُ وما في الأرض عاشقة
    أنّ (العراق) حبيبي، قِبلتي، حرمي؟
    بقيتُ من دون حبّ، غير آبهة
    حتّى أتاني نداء الحقّ أنْ أقِمِي
    صدّقتُ قلبي وقلتُ القرار له
    فقال: بالحبّ بعد الله فاعتصمي”

    في قصيدة “تفعيلة” على خلاف قصائد المجموعة العمودية كلّها، وهي بعنوان (أبيات ثكلى) ومهداة إلى روح الشاعر عبد العزيز مقالح، تبدو لنا الشاعرة ناضجة تمام النضج فقد تصدّت لموضوع الموت، وليس الغياب الذي يصيب الناس جميعا، بل ذلك المتطاول على شاعر كبير وهرم إبداعي وثقافي اسمه عبد العزيز مقالح، وأوّل جملة في القصيدة (مات المكافح؟) هو سؤال استنكاري يحمل في بقية النصّ جوابه وثمّة سطر آخر شدّني وفيه تقول:
    “كلّ شيء ما خلا الشعراء ذاهبْ”، فهي تعكس وعيا حادّا لمفهوم الحياة والخلود لمن يُتاح، فالمستظلون بالكتابة والشعر خاصة هم الباقون، تقول جمانة طراونة:

    “مات المكافح؟
    من يقول الشعر ماتْ
    وعلى جنازته بأيّ قصيدة
    يا ربّ نفتتح الصلاةْ
    مات المكافح؟
    هل يموت الـ
    علّم النّاس الحياةْ؟”

    في ختام هذه الإطالة الموجزة على مجموعة “عتاب الماء” لجمانة الطروانة، نشدّ على أنّ خصلة الإبداع الصرف، لا ينصرها سوى هذا الوفاء لمن رحلوا قديما ومن غابوا حديثا، فالوفاء أصدق ما يميّز ذاتا عن غيرها.

    أثير – مكتب أثير في تونس