مجلة هارموني الحروف
في هذا الحوار، ترافقنا هدى الشماشي عبر بوح صادق وتأمل عميق، يكشفان عن كاتبة تُصغي للعالم من الداخل، وتعيد تشكيله بلغة ناعمة ودقيقة.
الكاتبة المبدعة هدى الشماشي،
تحية محبة وتقدير،
1. حين تُستدعين إلى الكتابة، ما الصوت الداخلي الذي يقودكِ؟ هل هو سؤال، وجع، صورة، أم شيء آخر؟
لا أجلس إلى الكتابة إلا عندما يكون لدي مشروع معين في رأسي، وأحاول قدر الإمكان عندها أن أنتظم في الكتابة وأن أعمل ب”احترافية” قدر ما أستطيع، لكن الأمر يختلف كثيرا فيما يخص التقاط الصور والأفكار. أعتقد أنها لحظة روحانية من نوع ما، أحيانا يستوقفني وجه أو موقف أشهده بالصدفة أو جملة عابرة أو حتى طرقات عكاز متتابعة على أرضية شارع مرصوفة كما حدث معي مؤخرا في واحد من شوارع تطوان، وقلت لنفسي أن هذا الصوت سيظهر بشكل ما فيما بعد في مكان ما من كتاباتي. وفي سن أصغر مثلا كانت تُحركني حروقي الروحية وصرخات تظلماتي الخاصة لكنني أعتقد أن هذا يمضي مع الوقت، ويصير بإمكانك أن “تُخْرج” أناك الضيقة شيئا فشيئا من ما تكتبه.
2. مجموعتك الجديدة “لعبة القفز من النافذة” تأخذ القارئ إلى تخوم التجربة الإنسانية بأشكالها المختلفة. ما الذي أردتِ اختباره أو قوله من خلالها؟ وهل العنوان يحيل إلى لعبة سردية في المجموعة أم يحمل دلالة رمزية لما تطرحه النصوص من صراعات داخلية؟
3. في تجربتكِ، هل تبدو الكتابة فعل مصالحة مع الذات أم اشتباك مستمر معها؟
4. فزتِ بجائزة “سرد الذهب”. ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟ وهل ترين الجوائز الأدبية اعترافا، أم مسؤولية إضافية؟
أعتقد أن الجوائز هي دفعة عظيمة إلى الأمام أكثر مما تشكل مسؤولية أو عبئا. طبعا، بعد الجائزة مباشرة قد تأتيك أوهام من قبيل: علي أن أعمل بسرعة وجدية الآن القراء ينتظرون مني كذا… وفي الواقع فلا أحد سينتظر منك شيئا بهذه الجدية فقط لأنك ربحت جائزة، لأننا نعلم أن الأمور لا تتم على هذا النحو، فالكتابة هي مسار حقيقي طويل متعرج وعليك أن تكون واثقا من أنك ستقبله كما هو، وأنك ستدفع نفسك حين لا يصفق لك أحد، وأعتقد أن تلك هي أغلب الأوقات من حياة الكاتب.
5. تتجلى في نصوصك رؤى أنثوية مشحونة بالأسئلة، لا بالشعارات. ما الدور الذي تلعبه المرأة الكاتبة في زمن مرتبك كهذا؟
أنا امرأة وكاتبة أمازيغية من منطقة الريف شمال المغرب، وهذا يعني أن صوتي الخاص سوف يكون مطبوعا بكل هذه التفاصيل. ومع ذلك أتضايق قليلا من تسميات من قبيل “الكتابة النسائية” وأجدها قيودا وتصنيفات يتجاوزها الإبداع الحقيقي. يلعب كتاب الأدب رجالا ونساء في رأيي الدور الذي كان لهم دائما: أن يجعلونا نشعر بالشفقة على الكائن البشري “المسكين” في وضعه الملتبس الممزق الذي يعذبه ألف شيء، وأن ينبهونا مع ذلك إلى بطولاته الصغيرة العبثية التي تدفئ قلوبنا وتجعلنا نبتسم.
6. كيف تتعاملين مع لحظات الصمت أو الجفاف الإبداعي؟ وهل تؤمنين بوجود “مزاج للكتابة”؟
7. إذا سألنا هدى الشماشي عن النص الذي كتبته ولم تستطع تجاوزه حتى الآن، ما هو ولماذا؟
كتبتُ نصا روائيا منذ سنوات ولكنني لست راضية عنه وقد عملت عليه مرات متعددة، ولكنه ليس مرضيا حتى اللحظة. أنا مبالغة في الاهتمام بالتفاصيل. يدور العمل حول تاريخ عائلي لعائلة من الريف مع كل ما اجتاح تلك المنطقة من حروب ومظالم وأشياء عبثية ولا معقولة. وتكمن المشكلة في أنني أعتقد أنني لن أتمكن أبدا من كتابة عمل روائي آخر ما دمت لم أتعامل مع هذه القصة المجنونة. إنها عالقة في حلقي إلى حد ما.
8. في زمن الرقمنة المتسارعة، كيف ترين موقع الأدب اليوم؟ وهل تغيرت علاقتك بالقارئ؟
قبل سنتين بدأتُ الكتابة بانتظام في مجموعة من المنصات وقد كان لهذا وقع رائع علي. أولا لأنها تضمن لك وصولا سريعا إلى قراء ربما لن تقابلهم أبدا، وثانيا لأن تفاعلهم مع النصوص يفوق عادة ما كنت تتخيله ويفتحون بذلك الكثير من النوافذ في وعيك وروحك. ذات مرة مثلا فتحت منصة نقاشا حول مقال كتبته وكان ما قاله القراء أشياء تكاد تبكيك من فرط عذوبتها، وليس لأنها تتضمن مديحا لي طبعا، بل لأنهم انشغلوا بالنص وأبعدوه عني تماما وتعاملوا معه بأدواتهم الخاصة التي كانت أفضل من أدواتي ربما. هذا أفضل ما يمكن أن يحدث لكاتب على ما أعتقد، أن يرى نصوصه وقد صارت شيئا قائما بذاته ولم يعد يحتاج إليه أبدا.
9, أنتِ كاتبة وقارئة. ما النصوص أو الكتّاب الذين تشعرين بأنهم شكّلوا وعيك الجمالي؟
10. كيف تختارين عناوين أعمالك؟ وهل العنوان لديك فكرة أولى أم خلاصة أخيرة؟
يكون العنوان غالبا هو آخر ما أكتبه من القصة مثلا، ولكنه أول ما يخطر لي عند كتابة المقالات. في فترة أبكر كنت أميل لعناوين الكلمة الواحدة ثم انتبهت وقلتُ لماذا أفرض هذا التضييق على نفسي؟ وصارت عندها عملية اختيار العناوين أمرا ممتعا، أعني أنني أتعامل مع عناويني بتدليل كبير لحد ما.
11. كيف ترين واقع النشر العربي؟ وما الذي تتمنين تغييره في منظومته الثقافية؟
كل الكتاب يشتكون من واقع النشر وهذا ليس شيئا جديدا، ولكنه مؤسف دائما، ولكي لا نكون كمن يحاربون طواحين هوائية فيجب أن نتعلم كيف نلتف على هذا الوضع. أعتقد أن الكتابة بالأساس تعلم الصبر، وأن العمل الجيد سوف يصل بالنهاية إلى القراء الذين يستحقونه، وبانتظار ذلك على الكاتب أن يعمل بجد وأن لا تثبطه مثل هذه الأشياء قدر المستطاع.
12. هل تشعرين أن المنصات الأدبية الحرة، مثل مجلة هارموني الحروف، تسهم فعلا في صناعة مشهد أدبي بديل؟
إذن، هكذا بين قفزات السرد وهمسات الروح، تمضي هدى الشماشي في مسارها الأدبي بإيمان نادر بأن الكتابة ليست صدى ولكنها صوت، وبحث، وعزف منفرد في قاعة مليئة بالصمت.نشكرها على هذا البوح الذي كان كمقاطع موسيقية منسوجة من تجربة حقيقية، وكأن كل جملة منها تقول: “هناك ما يستحق أن يُكتب، إذا ما كنا نملك الجرأة على الإصغاء”.(مجلة هارموني الحروف، حوار مع الكاتبة هدى الشماشي، 3/7/2025)