“عُمان.. بناء دولة عصرية”: شهادة على عبور عُمان نحو العصور الحديثة

“عُمان.. بناء دولة عصرية”: شهادة على عبور عُمان نحو العصور الحديثة


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    يقدم الباحث الأميركي “جون تاونسند” في كتابه “عُمان.. بناء دولة عصرية”، مجموعة كبيرة من التفاصيل غير المعلنة التي رافقت أيام حكم السلطان سعيد بن تيمور وبدايات حكم السلطان قابوس بن سعيد، وهي فترة شهدت سلطنة عُمان خلالها انتقالاً جذريًاً ظهرت آثاره في بناها الإدارية والاقتصادية كافة.

    يشكل الكتاب الذي ترجمه إلى العربية الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي، سجلاً مهماً يوثق خفايا بدايات مسيرة عملية بناء الدولة العُمانية الحديثة، والتحديات التي واجهتها خاصة في ما يتعلق بالأولويات وإيجاد التوازنات المناسبة بين الضرورات الأمنية والمتطلبات المدنية، ويمكن أن يستخرج منه جيل الشباب وصنّاع القرار الكثير من الدروس والعبر المستفادة لبناء مستقبل أفضل لعُمان.

    وأوضح “تاونسند” الذي عمل مستشاراً للحكومة العمانية خلال الأعوام 1971-1975، إلى أن كتابه هذا (صدر عام 1977) يضم مجموعة من الملاحظات التي دوّنها خلال عمله في السلطنة، في “فترة حرجة شهدت الدولة فيها تغيرات كبيرة خلال فترة قياسية”. وأضاف أنه أراد من خلال كتابه “إعداد تحليل عن تطوير حكومة عُمان من النظام الإقطاعي في بساطته وعلاقاته إلى ما أصبحت عليه في منتصف السبعينات من حكومة تبذل قصارى جهدها حتى تظهر بمظهر الدولة الحديثة أمام شعبها وأمام العالم”. وأكد أنه توخى في كتابه الدقة والموضوعية قدر استطاعته.

    يتألَّف الكتاب الذي صدر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، من ثلاثة أجزاء وعشرة فصول، فبدأ الجزء الأول باستعراض جغرافية عُمان الاقتصادية، مع تقديم قراءة مختصرة لخلفيتها التاريخية، واختُتم بفصل حول حكومة السلطان سعيد بن تيمور وشرح للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل سنة 1970، بينما تضمن الجزء الثاني فصولاً شملت ظهور سلطة السلطان قابوس، والحرب الأهلية في ظفار، والمعارضة السياسية التي عبّرت عنها آنذاك الجبهة الشعبية لتحرير عُمان، وتطور النظام الوزاري للحكومة وتطور مؤسسات الحكومة. واختُتم الكتاب بالجزء الثالث الذي قدم تحليلاً لمتانة حكومة السلطان قابوس، وقراءة لمستقبل عُمان والدول المجاورة.

    ويقول الملف: “على الرغم من أن الانقلاب (ويقصد الانقلاب على السلطان سعيد بن تيمور) قوبل بحماسة بالغة من الشعب، إلا أنه بالتأكيد لم يكن انتفاضة شعبية، ولم يشترك العُمانيون في التخطيط له وتنفيذه، ولم يرغب أولئك الذين خططوا له في اشتراك أيّ من العُمانيين به. وإذا كانت المظاهرات قد اجتاحت أرجاء عُمان عقب الانقلاب مطالبةً بالاشتراك في الحكومة الجديدة، فإن ذلك كان سيسبب حرجاً كبيراً للمخططين. وفي حقيقة الأمر فإن أولئك الذين خططوا للانقلاب ونفذوه لم يفكروا كثيراً في ما قد يحدث بعد ذلك أو ما ينبغي أن يحدث”.

    ويضيف: “تمثَّلَ موقف الحكومة البريطانية في أن سياسة السلطان القديم، التي اتسمت بالمحافظة والتعنت، سبّبت لها حرجاً كبيراً وعرّضت عملية الانسحاب المقترحة من منطقة الخليج في نهاية عام 1971م للخطر. ومن المرجح أن التفكير العُماني لم يذهب أبعد من الرغبة في التخلص من السلطان القديم والحصول على جزء من عائدات النفط التي يعتقد كل فرد أنها أكبر بكثير مما هي عليه. وبعد أن هدأت الجلبة التي أعقبت الانقلاب وخفَّت حدة الحماسة لمغادرة السلطان القديم، اتضح أن عُمان ليست بها حكومة أو أي خطط للمستقبل، أو أي أفراد في وسعهم تولي مناصب حكومية واتخاذ قرارات”.

    ويتابع “تاونسند” بقوله: “خلال فترة الفراغ السياسي التي أعقبت الانقلاب، كانت هناك لجنة من الأجانب على نمط المجلس الاستشاري المؤقت، تتولى إدارة مهام الحكومة. ورأس ذلك المجلسَ عقيدٌ بريطاني متقاعد هو وزير الدفاع الذي يُبلِغ السلطان بما يقوم به، فالمجلس استشاري من الناحية الاسمية فقط، إذ إن أعضاءه اتخذوا قرارات عديدة باسم السلطان نظراً لعدم ثقتهم به وافتقاره إلى القوة في ذلك الوقت”.

    وضمَّ الكتاب ثلاثة ملاحق، ورد في الأول منها النص الكامل للكلمة التي ألقاها السلطان سعيد بن تيمور سلطان مسقط وعُمان في حينه بشأن الوضع المالي في السلطنة وما يؤمل أن تكون عليه الحال في المستقبل بعد تصدير النفط، في حين أوردَ الملحقُ الثاني برنامج العمل الوطني الذي قدمته الجبهة الشعبية لتحرير عمان في عام 1974 ترجمة لنواياها السياسية، وقدم الملحق الثالث نص قانون عُمان الخاص بالتنمية الاقتصادية الصادر في المرسوم السلطاني رقم 9 لعام 1975.

    يذكر أن محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي ترجم مجموعة كبيرة من الأعمال التي تتناول التاريخ العُماني من منظور غربي، ومن أهمها: “ظل السلطان” (2023)، “العمانيون والتدافع الاستعماري على إفريقيا” (2024)، موسوعة “يوميات المقيمية في الخليج والوكالة السياسية في مسقط” (3 مجلدات)، موسوعة “النفط والحدود في الخليج” (3 مجلدات)، موسوعة “عُمان.. الوثائق السرية” (20 مجلداً)، موسوعة “الوثائق البريطانية السرية.. جذور الدولة العربية الحديثة” (4 أجزاء توزعت على 25 مجلداً). بالإضافة إلى كتاب “المضيرب وإبراء أنموذجين للمدينة العمانية”، و”السلطة وتعاقب الحكم في الممالك العربية” (جزآن، ومقالات اقتصادية بعنوان “مقال ومقابلة وكلمة” (جزآن).