موسى إبراهيم أبو رياش
في كتاب الأديب محمود الريماوي «نجوم الشمال» الذي صدر عام 2022 عن الآن ناشرون وموزعون، في 122 صفحة، تضمن شهادات بحق ثلاثة عشر أديبا عربيا، هم: «إبراهيم أصلان، أحمد الفقيه، إلياس فركوح، أمجد ناصر، أمين شنار، تيسير سبول، خيري منصور، رسمي أبو علي، سعدي يوسف، سعيد الكفراوي، صلاح حزيّن، غسان كنفاني، محمد العبدالله» أوردهم حسب الترتيب الهجائي؛ تجنبا لمظنة تفضيل أحدهم على الآخر، فالكتاب ليس لذلك، وإنما شهادات لها مناسباتها وظروفها وزمانها.
وعن سبب عنونة الكتاب «نجوم الشمال» فنسبة إلى «نجم الشمال» النجم دائم اللمعان ليلا في السماء، الذي يُستدل به على الجهات المختلفة، وكل من الأدباء الوارد ذكرهم، نجم لامع، ترك بصمته، وله تأثيره، ونتاجه الإبداعي دال عليه، ومؤكد لما يذهب إليه الريماوي. يقول: «يطمح هذا الكتاب إلى التعريف بهم وسبر أغوارهم، والمزاوجة في التناول بين سير حياتهم وإبداعاتهم الثرية، باعتبارهم أشخاصا مبدعين.. ذواتا مبدعة وخلاقة… وإن كان هناك من جانب ذاتي في هذا الكتاب فهو الاعتراف بأفضالهم على المؤلف وقد تتلمذ على عدد منهم، وربطته بهم عُرى المحبة الخالصة والاحترام التام رغم فوارق في السن وفي التجربة». وتتناول هذه المقالة إضاءات على ثلاثة من نجوم هذا الكتاب.
أحمد الفقيه
أحمد إبراهيم الفقيه، أديب ليبي كبير، أثرى المكتبة العربية بما يزيد عن ستين مؤلفا معظمها في القصة والرواية، ومنها سيرة ذاتية من ستة أجزاء، وهو صاحب أطول رواية عربية «خرائط الروح» المكونة من 12 جزءا. وقد توفي عام 2019 إثر معاناة طويلة مع المرض في أحد مستشفيات القاهرة عن 76 عاما، ولم ينجح في محاولاته السفر للعلاج في بريطانيا أو أمريكا، بحجة أنه كان يعمل دبلوماسيا للنظام السابق، كما أنه لم يتحصل على حقوقه المالية والتقاعدية من الحكومة الليبية، فاضطر للكتابة هنا وهناك ليعيل نفسه. «وقد رافقه هاجس الموت في السنوات العشر الأخيرة، مع رؤى عرفانية تخاطب الغيب، وقد عكس ذلك في كتابه «قصص من عالم العرفان» التي بنى فيها قصصا إشراقية عن كبار الأعلام الراحلين». وكان آخر إصداراته رواية «خالتي غزالة تسافر في فندق عائم إلى أمريكا» في عام 2018.
أمين شنار
أمين شنار أديب وكاتب أردني/فلسطيني، لعب دورا رائدا ومؤثرا في الحركة الأدبية الفلسطينية الأردنية من خلال إصداره مجلة «الأفق الجديد» في القدس عام 1961، التي نشرت لعشرات من الأدباء الشباب الذين برزوا بعد ذلك، وسطعت أسماؤهم في عالم الأدب ومنهم: «عزالدين مناصرة، وليد سيف، فخري قعوار، ماجد أبو شرار» واستقطبت أقلاما عربية مثل: «غادة السمان، صلاح عبد الصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي» وعمل فيها أدباء منهم: «محمود شقير، خليل السواحري، يحيى يخلف».
وعلى الرغم من أن أمين شنار كان إسلامي التوجه، صوفي النزعة، إلا أنه كان يؤمن بالحداثة، وشرّع صفحات مجلته للتيارات كافة بما فيها اليسارية والوجودية، فقد كان متحرر الفكر، ويرحب بالألوان كافة التي تحقق متطلبات الإبداع. بعد هزيمة 1967 كتب في صحيفة «الدستور» الأردنية بأسماء مختلفة، وأصدر رواية «الكابوس» التي فازت بجائزة «دار النهار» عام 1968 مناصفة مع الشاعر الأردني تيسير السبول. وكان أمين شنار زاهدا، ولم يهتم بجمع مقالاته وقصائده، واعتزل الناس ومخالطتهم أواخر عمره، مع «قسوة شديدة على النفس، واستغراق في الزهد». وتوفي بصمت سنة 2005، وتجاهلت الصفحات الثقافية خبر وفاته ليومين متتاليين.
يقول الريماوي: «أما افتتاحيات وقصائد أمين شنار فقد أسهمت إسهاما بالغا وعميقا في تشكيل ذائقتي اللغوية، وذلك بالحرص التام على تفادي الركاكة والرخاوة التعبيرية، وتجويد وبلورة صناعة الكتابة، والتماس إيقاع لفظي وتركيبي لها، كي تضيء الكتابة في النهاية ذاتها: كنص ينطوي على خصوصية بلاغية، وينبض بلغة خضراء، وحتى تدل الكتابة على صاحبها؛ على روحه وسيمائه وتفرده».
صلاح حزيّن
صلاح حزيّن، مترجم وكاتب أردني/فلسطيني، ترجم روايتي «قلب الظلام» لجوزف كونراد، و«إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك؟» لهوراس ماكوي، وكتب مئات المقالات في الصحف الأردنية والعربية، وعمل كاتبا للاستطلاعات في مجلة «العربي» الكويتية. وصدر له بعد وفاته كتاب «غسان قلبي» الذي نشر بعض مقاطعه في أخبار الأدب المصرية، ويتميز بأنه نص شفاف زاخر بالعاطفة والتأمل، يسرد فيه تجربته الأليمة مع إصابة ابنه غسان في حادث سيارة عام 2006، ودخوله في غيبوبة طويلة لم يخرج منها حتى تاريخ إعداد هذا الكتاب سنة 2021. أصيب صلاح حزيّن بالسرطان وتوفي فيه سنة 2009، وكان متصالحا مع مرضه، ينظر إليه بسخرية، ولم يحفل بالموت كثيرا يقول الريماوي: «في نوبة سخرية مرة وما أكثرها هذه النوبات! أبدى إعجابه بالعزاءات أكثر من الأفراح. فقد لاحظ أن الناس في بلادنا، خاصة في العقدين الأخيرين، يدون منشرحين في العزاءات، بينما يصعب عليهم التخلص من تجهمهم في أعراس الصخب، التي تميز زماننا. كما أن العزاء يتيح للمعزي القدوم والمغادرة ساعة يشاء، خلافا للأعراس؛ إذ يتقيد المهنئون بموعد محدد للقدوم والمغادرة».
لا يمكن الإحاطة بكل نجوم الكتاب في هذه العجالة، ونكتفي بالنماذج آنفة الذكر. ويسجل لمحمود الريماوي وفاؤه لمن عاصره وزامله من الأدباء الذين ارتبط وإياهم بعلاقات صداقة أو تواصل، وكتب عنهم بلغة حميمة دافئة؛ دلالة على تواضعه وسلامة صدره وحبه للآخرين، والاعتراف بفضلهم عليه، وأورد فيه معلومات ربما لا يعرفها غيره أو لم تنشر من قبل. وعمله هذا يعد نادرا في زماننا الذي غلب عليه الحسد والتنافس والقطيعة والتقليل من شأن الآخرين أيا كان مستواهم، وأرى أنه لو أن كل كاتب حذا حذو الريماوي، وكتب عن مجايليه ممن صاحبهم أو زاملهم، لساهم ذلك في ترابط الساحة الثقافية، ودفء العلاقات بين أفرادها، وبالتالي الارتقاء بها لمصلحة الأدب والأدباء، بدلا من الأجواء المشحونة المترصدة المتصيدة المتشككة على الدوام، والمقللة من أي إنجاز، والمتقوقعة في شلل تقعد بالعمل الثقافي ولا تساهم برفعته شروى نقير.