قراءة انطباعية في رواية نبت غريب

قراءة انطباعية في رواية نبت غريب


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    الدكتور كايد الركيبات (كاتب أردني)

    رواية نبت غريب للمؤلف والمنتج الأردني ياسر قبيلات صدرت عن الآن ناشرون وموزعون عام 2020، جاءت الرواية في 532 صفحة من القطع المتوسط، قسم الكاتب المحاور الموضوعية للرواية إلى ثلاثة مضامين هي: مواسم الحيرة، السوالف القديمة، تذاكر الأيام الأخيرة.
    الرواية في سرديتها خيالية تذهب بعيدا في الرمزية تحكي قصة زعيم قبلي “كبير القوم” ورث حكم القبيلة بعد وفاة والده وشقيقه الأكبر وخلال ممارسة دوره القيادي جنح للسلم مع أكثر القبائل عداءً لقبيلته وبقي كل حياته يتخوف من مهاجمتهم لقبيلته رغم ما بينهم من صلح، تسببت ميوله السلمية في ضعف قوة قبيلته، التي باتت تعتمد خلال حكمه لها على وساطات أصدقائه في تقريب وجهات النظر بينه وبين خصومة من جهة واعتماده في سياسة شؤون القبيلة على نصائح وتكهنات الختيارة وهي الشخصية الرئيسية الثانية في الرواية، والختيارة ليست من نسب أبناء القبيلة فهي دخيلة من أصول أفريقية عثر عليها أثناء غزوة من غزوات القبيلة، ولشدة فتنتها وجمالها في صباها وامتناعها عن الزواج كانت صاحبة حضوه عند وجهاء القبيلة ورجالاتها، وفي كبرها أصبحت تعتمد في تعزيز مكانتها ودورها الفاعل والمؤثر في القبيلة بقدراتها الخارقة على التكهن بالغيبيات وأنها قادرة على التأثير في مستقبل القبيلة، وأنها محل ثقة كبير القوم “كانت قدرتها على إثارة القلق في النفوس نقطة قوتها، وما زالت!” (ص: 51).
    أبعدت السياسة التي انتهجها كبير القوم أكثر رجال القبيلة حكمة وشجاعة عن مجلسه حتى وصلت الأمور في نهايتها أن كبير القوم لا يجد عند أفراد القبيلة الحظوة والاهتمام الذي يجب أن يكون لمنصب زعامة القبيلة، وخلال سرد الراوي لسيرة كبير القوم تحدث عن ظهور نبت غريب بدأ ينمو في كل مكان من أراضي القبيلة، وهذا النبت يؤثر على ماشية القبيلة فعندما تأكل منه تموت، الأمر الذي تطلب من كبير القوم مواجهة هذه الظاهرة الغريبة، فلجأ لمشورة الختيارة التي لم يكن لديها تفسير لهذه الظاهرة، الأمر الذي جعل كبير القوم في مواجهة مباشرة مع أفراد القبيلة ليتشاوروا في الأمر المصيري الذي داهمهم، ليكشف لنا الكاتب عن حالة التردد والضعف الكبيرة التي يعيشها كبير القوم، انتهت بقرار الرحيل من مضارب القبيلة إلى مساكنهم القروية وتجنيب ماشيتهم تناول النبت الغريب والاعتماد في تغذيتها على ما كان متوفرا لديهم من مخزون.
    لتتجدد الأحداث في القرية من جديد بظهور جماعات غريبة من البشر يدخلون القرية دون استئذان ويمارسون نشاطهم التجاري في كل حرية، ورغم اتفاق كبير القوم مع أفراد قبيلته بعدم الاختلاط بهؤلاء الغرباء إلا أن الأمور لم تأخذ هذا الاتجاه بل إن ابن عمة “معتوق” الذي يعد من وجهاء القبيلة خالطهم وتزوج من إحدى فتياتهم، وأصبح أفراد القبيلة يتاجرون مع الغرباء ويجنون ما يستطيعون من النبت الغريب ويبيعونه للغرباء الذين يشترونه للأكل وهذا النبت الغريب نافع لهم ويزيد من قوتهم ومكانتهم في القرية التي أصبحت تتسع بسرعة حتى تكونت منها مدينة كبيرة، في حين أن من يأكله من أفراد القبيلة يجعله في ضعف ويؤثر عليهم ويقلل من تناسلهم حتى أصبحوا أقلية في هذه المدينة.
    لم تقف الأمور عند هذه الحدود حتى صار الغرباء يطالبون بحكم ادعائهم صلة القرابة والنسب بكبير القوم بحصتهم في مجلس كبير القوم بعد وفاته، ولم يجدوا من يواجههم من أفراد القبيلة إلا الطفل الأبيض وهو ابن كبير القوم ووالدته الختيارة، الذي ولد بعد وفاة والده كبير القوم ونشأ في رعاية والدته وتكفل “معتوق” ابن عم والده في تنشئته تنشئة الفرسان والزعماء ليحافظ على إرث أبيه وقبيلته في مواجهة الغرباء، لكن هذا لم يمنع ابن عمهم “فهيد” الذي سبق أن ترك القبيلة والتحق بالجندية من التواطؤ وقتل معتوق خدمة للغرباء، وأخذاً للثأر قتل الطفل الأبيض فهيد في نفس الليلة وفر هاربا من الجنود، وبهذه التصفية لزعامات القبيلة لم يبق من يدبر أمورها.
    تضمنت الرواية إلى جانب هذه السردية الخيالية موضوعا رديفاً ينقل فيه الكاتب إضاءة على سيرة طفل يولد ثم في عمر الخامسة يغفو من شدة التعب الذي لاقاه من اللعب ليجد نفسه في سن الشيخوخة، مارا بفترة طويلة من السجن الذي دخله لمواقفه السياسية، وتوصيفه لبيت أحلامه الذي صممه في مخيلته ليجد بعد ذلك أن هذا البيت مشيد على الأرض التي حلم أن يشيد بيته فيها، ولكن المفاجأة أن سجانه هو من يخدم صاحب هذا البيت، لا يمكن تصور الاطارها العام لهذه الرواية الخيالية دون الالتفات إلى إهداء الكاتب في أول صفحات الرواية، قال: “إلى ذكرى أبو موسى الأستاذ ضافي الجمعاني، وإلى رفاقه من أبناء جيله، تحية وتقديراً واحتراما” (ص: 5)، ومعرفة سيرة حياة الأستاذ ضافي الجمعاني ورفاقه تفكك رمزيات هذه الرواية.
    الرواية في المجمل جاءت على لسان راوِ واحد هو الطفل الذي نشأ في كنف كبير القوم، لكن هذا لم يمنع من وجود شخصيات متحدثه في سردية الرواية كان صوتها بارز والحوار مسترسل وفاعل، تضمن مواضيع متعددة سواء عن سير شخصيات الرواية أو أدوارهم الفاعلة في عرض المواضيع التي طرحت في سردية الرواية، تعبر الرواية عن حجم الكارثة التي يمكن أن تلحق بالقبيلة بصورتها المعبرة عن الوطن إذا تولى شؤونها زعيمًا ضعيفًا مسالمًا لا يُقدّر حاجته للقوة وقت السلم، ويعتمد في إدارة شؤون قبيلته على غير ذوي الرأي وأهل الحكمة.
    رمزية النبت الغريب رغم إمكانية انفتاح تفسيره على أكثر من شأن من شؤون الحياة إلا أن قراءتي للرواية تجعلني أوافق الصورة الخيالية للكاتب وأوجهها تجاه التأثير الثقافي الأجنبي في المجتمع الذي يتلقى ويقلد دون أن ينتقي ويختار الملائم لطبيعته وتكوينه وموروثه الثقافي، في حين أجد أن رمزية الأجانب في القرية وانتشارهم وتكاثرهم السريع يرمز للنظم والقوانين الغربية التي سادت على النظم الأصيلة، وتستشف هذه المقاربة من كون اعتماد جماعة كبير القوم في معيشتهم على الرعي والتكافل الاجتماعي الذي يمثل في رمزيته مبادئ الاشتراكية، في حين أن ظهور الغرباء في القرية وتأثيرهم في سوقها التجاري وتحفيز أبناء القبيلة على المساهمة في النشاط التجاري والاقتصادي الفردي دون اعتبار للبنية الاجتماعية الجمعية إشارة لنظم الاقتصاد الرأسمالي، في هذا التفكيك الرمزي نعود لصراع النظم السياسية الرأسمالية والاشتراكية ونعود من جديد لاستحضار الصراع بين المعسكر الشرقي والغربي، وانحياز كثير من الدول القطرية الحديثة لأحد المعسكرين، وبالطبع فإن بعض الأفراد والأحزاب في هذه الدول سيكون منهم من يؤيد معسكرًا ضد الآخر، وبذلك سيكون الفرد أو الحزب في مواجهة السلطة النظامية في القطر الذي يعيش فيه إن كان يتبنى في عقيدته السياسية نظم وسياسة المعسكر الآخر.