قراءة في مجموعة “الموت يدخّن أيضاً” لماري جليل

قراءة في مجموعة “الموت يدخّن أيضاً” لماري جليل


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    علي شمس الدين

    تُدخِلنا الشاعرة ماري جليل في إصدارها “الموت يدخّن أيضا” عام 2024 عن ” الآن ناشرون وموزّعون” في عمليّة تعقّب للموت وهو يتناسل في القصائد كخلاصة شقّت طريقها لتصير مكوّنا أصيلا في نسيج المجاز. فالموت بالنسبة لجليل هو حضورٌ ضمرت سطوتة الميتافيزيقيّة ولذا فالنصّ يتألّف عبر سياقات دراميّة تتأجّج في تشكيلات رمزيّة لآثار الموت وسيلانه في الزمن.

    فالّلغة هنا تُحرّكها بساطة لا توغل كثيرا في حبكِ وهج الموت وسؤاله الكبير المربك ولا تنبري لرفعه إلى مستوى التجريد الخالص ولا للرقص حول ناره والتعبّد في حضرته. اللغة في القصائد تتخثّر كموجات بوحٍ مغناطيسية متتالية تصنع كلاما شخصيّا، اشبه بمونولوغ داخلي،لا ينفك يستذكر تحسّس الجسم وتطلّبه كملاذ أخير مواز لزيارات الموت وعوالمه.

    فجليل تصوغ القصائد في خضمّ مصارحة كبرى تبطّن النصّ وتحرّره من لاجدوى التراجيديا وعقم التفجّع. وفي هذا تتشكل ملاحظة باهظة في مكاشفات تتصاعد تباعا في النصّ تؤشّر إلى مأزق لا يصرفه طقس ولا حداد، ولا حتى ارتفاع إلى التسامي ولا نزول إلى عتمة الغياب، بل تتمدد في طيّاته رغبة تتأجج في صدمات خفيفة ترسل ارتداداتها في القصائد فهذا “موت أكثر من عاديّ”. فقصائد جليل تعمل في المساحة بين عاديّة الموت وبين حدوثه.

    وجسارة هذا الشعر تعتمل في بساطة اللّغة ووضوح منطلق الكلام الذي تحاول فيه الشاعرة على مدار النصّ تلافي الجنون ومحاصرته وعدم مدّه بمحفّزات مخافة أن ينفلت من عقاله في حمأة الحياة المكملة بازدراء. ولهذا يبدو صوت الشاعرة في النصّ كأنّه في خضمّ عملّية تشييد لانطولوجيا الموت في عنق الزجاجة حيث تحتدم الاستحالة. وفي هذا مسار يرتسم في بناء مغاير للتساؤل تُخرِجه القصائد من أماكن شتّى في البوح كالأمومة، الشهوة، الطفولة، الغربة حيت في كلّ هذا تتشابك التساؤلات لتصنع عيناً “غابت عن نظراتها الدهشة”.

    اللغة هنا تقيم مع الموت ولكنها سرعان ما تستهدي اليه وتأمن لبديهيّة تواجده في المشهد كعنصر مؤسّس لأثاث اللحظة فلا جهد يستحق البذل لفهمه العميق ولا مسوّغ لاهتمام زائد لفلسفته وتدبيج أبعاده. وبهذا يتحوّل الشعر عن الموت مع ماري جليل إلى مايشبه الحيوان البريّ الهارب من طبيعته المتوحّشة، تُدجّنه الشاعرة وتتدجّن معه في فناء الراهن الذي يعتمل في دراما الوجود وتنكّب العيش في ” الزمن الصامت”.