قراءة في رواية العطّار للمبدع نصر سامي

قراءة في رواية العطّار للمبدع نصر سامي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    نجوى الرّوح الهمّامي

    تحمل العتبات عبء المتن ، وسواء أكانت العلاقة بينها وبين المتن إيحا ءأو تفسيرا أو تقابلا
    أو انزياحا ،فإنّ لها مهمّة الغواية بامتياز .
    فهي تغويك لتقتني الكتاب وتغويك لتقرأه وتغويك لتقرأها منفردة قبل الغوص في المتن .
    1- العتبات أو النّصّ الموازي
    يعرفه جيرار جينات بأنها “ما يجعل من النّصّ كتابا يقترح نفسه على قُرائه أو بصفة عامّة
    على الْجمهور ، فهو أكثر من جدار ذو حدود متماسكة ، نقصد به هنا تلك العتبة بتعبير (بورخيس) ،الذي يسمح لكلّ منّا دخوله أو الرّجوع منه ”
    1-النصّ الموازي “النّشري ” وإبداع الرّسّام
    1-أ -لوحة الغلاف
    لا يمكن أن يخرج كتاب ما إلى الوجود الفعلي إلا بعد التّشاور بين صاحب الْكتاب
    وناشره ، فتعامل الْكاتب بحرفية بالغة تجعله يسعى لاختيار أنسب ال”أغلفة ” لتقديم مؤلَّفه الّذي ليس سوى هدية ومفاجأة …يُريدها على قدر المُهدي ..هديّة تكتسب قيمتها من صاحبها .
    يفتتح نصر سامي روايته بلوحة من رسمه وهي مزيج للوحتين سابقتين في وجودهما للرّواية ،
    كان مزجهما استجابة للنّص ، وربّما ارتأى الكاتب أن يجمع لوحتيه أخيرا (صورة الأنثى ) ونظيرها في لوحة واحدة :إنّها لوحة (آدم وحوّاء )كما سمّاها .
    ولعلّنا لن نحتاج العنونة لأنّ اللّوحة تشي بنفسها : آدم وحواء ولقائهما والشّجرة الّتي جمعتهما وفرّقتهما .. واللّذة التي لم تكن سوى شيء من شقائهما على الأرض خاصّة، ولكنّها كذلك جسر
    نحو المعرفة ، آدم وحوّاء نتلمّس منهما النّهاية .. لا ملامح ..عدا الرّيح التي تحمل شعر حواء ..وربّما هي رمز الأهواء الّتي ستتقاذفهمها فيما بعد ربّما …
    هما في الجنّة إذن ولكنّها جنّة مؤذِنة برحيل ..مُولِّيان ظهريْهما لها ومستقبلين واقعا ما ….
    و الشّجرة شجرة الغواية ، غواية الجسد الموزّع في أجساد كثيرة وغواية المعرفة الّتي لا تُشبع …المعرفة اللاّمحدودة بالْمكان والزّمان .
    علاقة الرّسام بالكاتب حلقة أخرى فهما لا ينفصلان ..نفس الذّات التي تبحث عن ضفاف لها …كتابة تلقي أمواجها في ضفّة الرسم ورسم يلقي أمواجه في شعر وشعر تكمله موسيقى …
    تؤمن الذّات المبدعة بأنها متعدّدة …لذلك تتعدّد ضفافها بوعي شديد عند احتراف “الإبداع ” .
    اللّوحة محمّلة بمدلولات الغواية وفي الآن ذاته تحمل غواية بصرية ونفسية بقراءة الكتاب .
    2-النصّ الموازي للمؤلَّف :
    2-أ – اسم الكاتب :
    مثلما للّوحة من غواية فإنّ اسم المؤلف يحمل غوايته فيما يحيل عليه ، ونصر سامي
    اسم مُحيل على عالم تتضافر فيه فنون الكتابة من شعر وقصص ورواية مع الرّسم والموسيقى ومثلما للقصّ من سحر ، فإنّ مالكه هو مالك لهذا السّحر يجعلك تتطلّع في كلّ مرة لما سيكتبه باحثا عن الجدّة فيه
    2-ب – عنوان الكتاب : العــــــطّار
    يختار الكاتب عادة عنوانه بدقّة مُتناهية ..باحثا عمّا يمكن أن يكونه :إيضاح في شكل إلغاز مقتضبٍ أو ممتدٍّ،فالعنوان هو اليد التي تصافح القارئ مُعلنة بداية علاقة بينهما ومُعلنة كذلك خلود الأثر أو سقوطه من الذّاكرة . العنوان سيبقى محيلا على صاحبه وحاملا بصمته التي أرادها له .
    على العنوان أن لا يكون مشابها لغيره من العناوين ..عليه أن يكون متفرّدا .إنّه المقامرة الّتي تقرّر مصير مغامرة النّص .
    اختار الكاتب لروايته عنوان العطّار ، فاستدعى اسم الصوفي العطّار وتوقّعت أن يكون هذا اسم بطل الرّواية …الاسم بعيد في الزمان والمكان ، يرحل الكاتب بالْعنوان إلى الماضي
    فهل هو استحضار لشخصية ؟ ..أم إعجاب بها؟
    شخصية استحوذت على الكاتب فاستحضرها لرحلته الطّويلة .
    فهل ستكون بحثا عن معرفة أم عن ذات ؟هل هي رحلة حقيقية في المكان لمجرّد الارتحال والتزوّد بمتع الحياة و زوال التعلّق بالمكان فور الامتلاء بتلك المتع كرحلات السندباد (البري والبحري)؟أم أنّها رحلة ذهنية تستدعي ارتحال السّابقين ، وارتحال أبطال آخرين لتعبر إلى الخلاص ؟
    وهل ستبلغ هذه الشّخصية خلاصها ،أم أنّه خلاص مرتهن بما لايُدرك ؟
    يتوسّط العنوان الغلاف مُتّخذا له موقعا بين اسم المؤلّف ونهاية اللّوحة
    العنوان كتب بخطّ عريض له من الألوان الأزرق السّماوي ،هذا اللّون من الألوان المحبّبة في التّصاميم فإنّ له دلالات كثيرة ،إذ اقترن الأزرق بالمذكّر جنسا *، وبالهدوء والصّفاء
    كما اقترن بالسّماء والأفق والبحر والامتداد ،فإذا ما كان لرحلة لون فإنّه الأزرق . وعندما يتعاضد موقع العنوان الذي يتوسّط الصّفحة ويعلو اللّوحة مع ما يُحيل عليه الاسم وما يحمله من مدلولات فإنّنا نتوقّع إبحارا في الذّات وبحثا عنها بقدر إبحار الصّوفي في المكان و ما ينشده من ارتقاء مراتب الْمعرفة بحثا عن ذات يحلّ فيها …
    في الثّقافات الشّرقية يعتبر الأزرق رمز الخلود وفي الثّقافة الهندوسية يجسّد الحبّ والفرح الإلهي الأزرق لون المختلف البعيد الّذي لا يُدرك وبه كتب العنوان : وكأنّ من اختاره يقول هذا كسر مع المتشابه وتمرّد عليه مادام (التّشابه للرّمال وأنت للأزرق )*
    بين اسم الكاتب وعنوان المؤلَّف خطّ رفيع جدّا يمتد على الصفحة .
    الفيصل هو خطّ رفيع أم أنّ البحث لن يكون أمرا مجديا وسيكون محفوفا بالمخاطر ..ذلك أنّ الكاتب يحاول خلق شخصية قادرة على احتواء الكمّ الهائل من الصّراعات والانكسارات والانتصارات الحقيقية أحيانا والوهمية أحيانا أخرى …
    يتبع …
    *محمود درويش :إنّ التّشابه للرّمال وأنت للأزرق