قراءة في رواية ثلاث برك آسنة

قراءة في رواية ثلاث برك آسنة


class="inline-block portfolio-desc">Portfolio

text

“بديعة النعيمي”
“عمون”

صدرت مجموعة الروايات القصيرة الموسومة بـ (ثلاث برك آسنة) للكاتب الدكتور إبراهيم غبيش عن دار الآن ناشرون وموزعون عام 2022.
ضمت هذه المجموعة إحدى عشرة رواية قصيرة ،وقد جاءت تسمية هذه المجموعة ثلاث برك آسنة على اسم الرواية الأولى التي استهل بها الكاتب مجموعته.
وقد تصدرت الرواية الأولى العبارات الآتية..بركة ماء نهايات أيلول وبدايات تشرين ،يتقاطر المطر خفيفا وناعما ..بركة ماء تزداد عمقا ،عرضا وطولا في الشتاء ص7. كأن الكاتب من خلال هذه الكلمات لخص الحياة بزمن قصير هما شهر أيلول وتشرين ومكان ضيق هو بركة الماء بطولها وعرضها وعمقها.
ثلاث برك آسنة هي ثلاث حيوات إنها العمر الآسن..
عهد وعاهد وحياة المخيم التي تشبه البركة بماءها الآسن. شظف العيش ،الغياب والموت ربما هذه هي البرك الثلاث. فالمخيم على هامش الحياة لن يشعر أحد بجوعك وعطشك ولن يلحظ غيابك أو حتى موتك.
في رواية آدم وهي الرواية الثانية في المجموعة. آدم الجد وآدم الحفيد وعبد النور السوداني وطابقين الثاني والسادس لآدمين أخذتهما الغيبوبة ،المسافة بينهما كالمسافة بين عمرين وعبد النور ما بين الطابقين والأمل أمامه كقنديل مضيء لم يغادره في رحلته التفقدية بين الطابقين..جمع ثلاثتهم الإنسانية
ومن الآدمين وإنسانية عبد النور إلى الإنسان المصنوع من الملح في رواية سندباد من ملح. إنه الفلسطيني المطارد الذي يرتحل من مخيم إلى آخر لذلك جعله الكاتب من ملح لا من لحم ودم ربما لينقل رسالة للعالم عن قسوة الحياة التي يحياها الفلسطيني بعد أن دفع به الاحتلال إلى الشتات.
ينتقل بنا الكاتب نحو الفلسفة والرمز في رواية طائر اللقلق البري ثم يعرج على الأشواك الغير اعتيادية والتي خالفت طبيعتها فانغرزت للداخل بدلا من كونها تنغرز للخارج ..إنها أشواك القنفذ زكريا التي تسببت له بالنزيف. متناقضات ،ثنائيات متجانسة أو متناقضة لكنها مؤتلفة هكذا أرادها الكاتب ..ربما زكريا قتل نادر الأب الروحي له إشفاقا عليه وتخليصا له من ألم السرطان وعلاج الكيماوي. ( كانت الأخت كلير تدق الأجراس بعنف مرة ،ومرة يفعلها زكريا لكي لا يسمعا آلامه الحادة) ص74
كلير، زكريا، نادر ثلاثة جمعتهم المأساة وفرقتهم الدنيا،الموت والسجن.
وإلى رواية (مرمور صعود، هبوط) حيث ياسمينة الحب الصامت المعرش على جدران قلب أيوب مرمور ابن المخيم سابقا وابن إحدى المدن الجبلية لاحقا، بائع الحمص والترمس المسلوق ابن العاشرة المفتقد لدلال أمه الفقير لكنه دلال..
تتوالى الروايات برمزيتها وفلسفتها إلى أن نصل إلى الأطول بينها في المجموعة وأخذت اسم (شارع الظل) وقد احتلت من الكتاب الصفحات من ص121 حتى ص179 تناوبت فيها أوراق فاطمة ومصطفى تخللها ورقة للدكتور سعد الدين .
وهنا احتل المخيم وحياة اللجوء معظم أحداث الرواية ولا أعلم إن كان الكاتب قد استخدم مصطلح الظل عن قصد ليلمح إلى وجه التشابه بين الظل والحياة داخل المخيم متمثلة بلقمة العيش التي تحكمت بها منظمات تحت مسمى الإنسانية كما يتحكم الضوء بظل الأشياء ،بطولها، قصرها واختفاءها حسب زوايا السقوط.
وهنا نطرح تساؤلات كثيرة منها..لم اختار اسم فاطمة تحديدا ؟ هل رمز إلى الأرض المغتصبة؟
لم تخلص البطل من الساعة؟ هل زمن المخيم يختلف عن الزمن في غيره من الأماكن؟
وقلم الحبر الجاف ،هل اختاره جافا ليكتب حكاية المخيم وينهيها ليمنع استمرارها من أجل العودة إلى الأرض؟
واللوحة لم أرادها بلا إطار؟ الإطار عادة يثبت الصورة ويحفظها من الاهتراء ،هل الصورة هي المخيم هل أراده هشا من غير إطار لينتهي يوما؟
طوال صفحات رواية شارع الظل والأحداث والأشياء تتداخل كحلقات ،حرب جوع موت جماعي أثناء النزوح موت يلاحقهم من مخيم إلى آخر ..المخيم الهش (المخيم ليس حصنا أبدا أبدا ليس حصنا) ص167
لم يغب المخيم ولا فلسطين ولا شخصيات تحمل لقب طبيب عن معظم روايات هذه المجموعة التي انتزعها الكاتب من الواقع المر كما لم يغب وصف الألعاب المبتورة ،البرد قيظ الصيف وغيره من الملامح القاسية لحياة المخيمات.
بالنسبة للغة التي استخدمها الكاتب فقد امتازت بالجمل القصيرة والمركزة ومعظمها رامزة إلى أشياء أرادها الكاتب وبعضها ربما حمل أيديولوجية معينة.
تعتبر هذه الرواية من أدب النخبة وليست من أدب الجمهور أي أنها موجهة إلى فئة معينة. بالإضافة إلى أن معظم رواياتها سوى شارع الظل هي قصيرة ويحدد النقاد إن كانت تندرج تحت مسمى رواية أم لا…