قراءة في مجموعة سوار الصبيحي القصصية “الماتريوشكا”

قراءة في مجموعة سوار الصبيحي القصصية “الماتريوشكا”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    محمد الهادي الجزيري

    هذا ديدني منذ كنتُ، أبحث في الحياة عمّا يدهشني أو يربكني بالسؤال، وعندما اقترح عليّ الصديق الكاتب جعفر العقيلي قراءة “الماتريوشكا” للأديبة الشابّة سوار الصبيحي ونوّه بها، قبلتُ لثقتي البالغة فيه، وما إن اطلعت على القصة الأولى (خطوة عزيزة) حتّى تيقنت أنّني في حضرة قاصّة مبدعة لا تعرف عثرات البداية وتلعثّم الانطلاقة الأولى، ففي هذا المتن الأوّل دعوة للفرح والسرور ورفض قاطع لكلّ عُبوس أو مظهر من مظاهر البؤس والحزن والتفكير في الدنيا، فالقصة مرتبطة ببائعة متجوّلة ينشر حضورها البهجة في كلّ سكّان الحيّ، وفجأة تتخلّف عن موعدها وميعادها، دون تفسير أو تبرير، فيسقط الحيّ بأكمله في التبرّم والحيرة والحزن لغيابها، فالقصة مثلما قلت في البداية، وخاصة الفقرة الأخيرة منها تدعو الإنسان إلى درء الأفكار السوداء والابتهاج بما حبانا به الله من نِعم:
    “سبتا وراء سبت أصبح أمر عزيزة صفحة مطوية، والريشة أكثر وحشة من أي وقت مضى، وأُذني لم تعد تحكُني، لم أكن متأكّدا من السبب الحقيقي لغيابها، لكنّي تأكدت من أمور أخرى، أنّ لعزيزة الحقّ في الضحك كما تشاء، ولبس الثياب التي تشبه زينة الكرنفالات، وأنّ الأصباغ ذات الألوان الصاخبة التي كانت تملأ وجهها تظلّ أجمل بكثير من وجوهنا المتبرّمة”

    في القصة التالية “المنبّه” نرى أنّ إدمان الاستيقاظ من النوم على المنبّه الصارم، قد يؤدي بموظّف متفان أن يذهب إلى عمله في يوم عيد، وفي قصّة “المذنب” تضحك يا سيدي القارئ حتّى تنفجر وأنت تقرأ هذا المتن الهزلي، فطفلة في السادسة تريد إخافة معلّمتها فتزلق المعلمة وتصطدم بعاملة التنظيف ويجرّ هذا سقوط المديرة جرّاء انسكاب الماء والصابون في الدرج، خلاصة الأمر المضحك تتسلسل الأحداث وتصل خروج مظاهرات عمالية، وإلى استقالة الوزير، ولا أحد تساءل عن سبب كلّ هذا الخور، ألا وهو الصرصار الذي أخافت به الطفلة مدرسّتها، حقيقة إنّ لسوار الصبيحي خيالا خارقا للعادة، ولها مستقبل نيّر في فنّ القصة.
    نمرّ إلى قصة أخرى بعنوان “واحد من النخبة” اخترتها لأضحك من أجيال مرّت بي وهي تعتقد أنّها جلبت الأسد من أذنيه كما نقول بالدارجة التونسية، فئة من الناس تظنّ نفسها مخلوقة من طينة أخرى غير التي خلقنا بها، تتزيّن في لباسها وتتأنّق، تفعل كلّ شيء لتثير الاهتمام، تقضّي الدهر كلّه تنتظر الوحي والإلهام دون جدوى، فهي فارغة الفراغ بعينه، وكلّ ما ذكرته من مساوئ سردته سوار الصبيحي وشفت غليلي، بصراحة تعبت من هؤلاء الطواويس المنفوشة التي تعد بالنصوص ولا نصّ واحد في رصيدها، وفي هذه القصة واحد من هذه الجماعة، تقترب منه فتاة متعجبّة ممّا رأت:
    “كنتُ أراقبكَ وأنتَ تمسك الورقة والقلم، مرارا وتكرارا، تتأمّل الأشياء، تدخّن قليلا وتشرب كثيرا، ثمّ تعود للورقة التي ظلّت فارغة كما تراءى لي من بعيد، وهكذا دواليك لأكثر من ساعتين، أثار الأمر اهتمامي في الحقيقة”
    قدّما هذه المجموعة القصصية كلّ من الأستاذ إلياس فركوح والأستاذ يوسف ضمرة، فأمّا الأوّل الذي تصدّر المتن القصصي فقد رأى أنّها تقدّم الإضافة المرجوّة للقصة في الأردن خاصة أنّها تصدر مجموعتها القصصية الأولى دون نواقص البدايات، أمّا الأستاذ القاص الكبير يوسف ضمرة فقال ما قال فيها من ضمنه هذه الفقرة:
    “تلجأ سوار الصبيحي إلى كلّ ما يلزمها لتبني لنا عالما سرّيا أو غامضا أو مكشوفا لكثيرين منّا، لكنّنا لا ننتبه إليه في مشوارنا الحياتي، أو نداريه أن نغطيه خوفا على أنفسنا من المعرفة، كلّ ما تقوم به سوار الصبيحي هو الكشف عن هذا الغامض والسريّ والمكشوف، وهو ما يعني تعريتنا أو مواجهتنا بمرآة ترينا أعماقنا، لا ملامحنا الخارجية وحسب”.
    هذه نزهة سريعة في مجموعة سوار الصبيحي “الماتريوشكا”، سعدت بقراءة بعض قصصها وعرّفت بها حسب الإمكان وما تسمح به مقالة إخبارية، على كلّ أدعو القراء إلى اكتشاف هذه المبدعة القيّمة، القادمة على عجل ودراية وموهبة، لافتكاك موقع يليق بها في الساحة الأردنية والعربية.