قراءة للمجموعة القصصية وجه رجل ميت وقصص آخرى للكاتب العماني أحمد الحجري

قراءة للمجموعة القصصية وجه رجل ميت وقصص آخرى للكاتب العماني أحمد الحجري


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    حمود السعدي

    مرة أخرى أقف أمام مجموعة قصصية متميزة لكاتب عماني أقرأ له لأول مرة ـ أعتقد أيضا أنها مجموعته القصصية الأولى ـ وهي “وجه رجل ميت”، قدم فيها الحجري قصص جميلة تميزت بخيالها الواسع وأسلوبها الساخر البديع بالإضافة إلى شيء من الغرائبية العجيبة. تتكون المجموعة القصصية من تسع قصص قصيرة تترواح في طولها بين الصفحتين والإثني عشر صفحة كتبت على فترات طويلة بين عام ٢٠٠٧ و ٢٠١٩، وهي بالترتيب: مقبرة الحكمة، من حكايات الصحراء، تراجيديا المطبات ، وجه رجل ميت، الانتقام، لم يكن في الحقيقة مجرد خيال، النوم المستحيل، العش، حين تموت النخيل.
    يطرق الحجري في مجموعته المتميزة العديد من المواضيع تتنوع بين الهموم العامة والقضايا الاجتماعية التي يركز فيها الكاتب على قضايا الفساد وعبث التخطيط والبيئة وحمايتها من زحف الحضارة والتصحر كما في قصص ” من حكايات الصحراء” و”حين تموت النخيل” و”تراجيديا المطبات” إلى مواضيع أكثر خصوصية عن هموم الفنان والمثقف كقصتي “وجه رجل ميت” و “مقبرة الحكمة” بالإضافة إلى موضوع الهجرة والاغتراب التي يظهر فيها شيء من تأثير القصص القرآني في قصة “العش” . وهناك بالإضافة إلى ذلك القصص التي لا يمكن تأطيرها ضمن قالب موضوعي معين تميزت بالغرائبية والخيال وتوظيف التراث الأسطوري العماني التقليدي وهي “الانتقام” و “لم يكن في الحقيقة مجرد خيال” و “النوم المستحيل”.
    كأي مجموعة قصصية أخرى يختلف مدى إعجاب القارئ وارتباطه بها بطبيعته هو فما يعجبني ويصلني كقارئ يختلف عن ما يعجب الآخرين، وهو أمر طبيعي بل لعله مما يميز أي مجموعة قصصية قدرتها على استيعاب مواضيع متمايزة وشريحة مختلفة من القراء، فشخصيا وجدتني منجذبا بقوة لقصتي “مقبرة الحكمة ” و “وجه رجل ميت”. الأولى تحكي قصة شاب جامعي تحبسه عجوز في مغارة وترغمه على القراءة فقط ـ ما أجمل هذا التحرر ـ وتنتهي القصة بمشهد رمزي معبر يجد فيها مجموعة من الرحالة جماجم بالية قد أنبتت أوراقا وأثمرت كتبا. والثانية تحكي عن الخط الفاصل بين الإبداع ومبدعه ولأي درجة يضع الفنان جزءا من روحه في ما يبدع، وهي قصة رمزيه معبرة تتميز بغرائبيتها ونهايتها المعبرة أيضا.
    على الجانب الآخر لم تعجبني القصص ذات النقد الاجتماعي فقد وجدتها إلى حد ما تناقش مواضيع مكرورة وبشيء من السطحية ربما، إلا أن الحجري يعوض عن ذلك بخياله الخصب ولغته الفاتنة وروحه الساخرة، ففي قصة “من حكايا الصحراء” مثلا يعالج قضية إهمال السياح للنظافة والمحافظة على البيئة في الأماكن العامة، ورغم أنه موضوع مطروق كثيرا إلا أن الحجري يكتبه من وجهة نظر الرمال التي تحيط بسمرة معمرة في وسط الصحراء، وفي قصة “حين تموت النخيل” تتحول القاصة الممسكة بيد جدها العجوز إلى فراشة جميلة تتطير لترى تدرجات الألوان وجمال الطبيعة و ما إن تتحول إلى الأراضي الزراعية المهملة والمخربة حتى تهاجمها غربان السماء وهو أمر له رمزيته الخاص التي لا تخفى.
    إجمالا قدم لنا الحجري في مجموعته القصصية الأولى ـ كما أعتقد ـ حكايات خفيفة وراقية تميزت بالخيال الرائع الخصب واللغة البسيطة البعيدة عن التكلف الأمر الذي جعلني التهمها في جلسة واحدة، والأمر الذي يجعلني أيضا أتوقع ـ كقارئ بسيط ـ لهذا الكاتب العماني مستقبلا كبيرا في عالم القصص القصيرة وأترقب بشوق القادم من أعماله متمنيا له مزيدا من النجاح.
    تقيمي الشخصي: ١٠/٧.٥
    يقع الكتاب في ٧٩ صفحة، بين يدي الطبعة الأولى ٢٠٢٠ عن الآن ناشرون وموزوعون/الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
    القادم رواية صلاة من أجل العائلة لرينية الحايك