كتاب للنوفلي عن أفـلاج عُـمـان بوصفها تجسيدًا لحضارة مُستدامة

كتاب للنوفلي عن أفـلاج عُـمـان بوصفها تجسيدًا لحضارة مُستدامة


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “وكالة الأنباء العمانية”

    يستعرض كتاب “أفـلاج عُـمـان.. حضارة مُستدامَة”، للدكتور حميد بن سيف النوفلي، بعض المفردات الحضارية المختلفة المرتبطة بالأفلاج العُمانية، ويُبرز الاهتمام الكبير الذي أولاه الفقهاء والعلماء العُمانيون لمنظومة الأفلاج عبر تاريخ التدوين، مع التطلع لمستقبل أفضل وأكثر استدامةً لعُمان وإنسانها وأفلاجها.
    ويقدم الكتاب الصادر ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكُتاب والأدباء بالتعاون مع “الآن ناشرون وموزعون”، إسهاما في إنتاج معرفة جديدة حول الأفلاج أفرزتها مستجدات العصر، مع التزام الموضوعية في التناول باعتباره مختبرًا نقديًّا لأفكار الآخرين السابقة حول الأفلاج، وتقديم دراسة حول مستقبل التراث، إذ إن الأفلاج تعد مظهرًا مهمًّا من مظاهر هوية عُمان واستقلاليتها.
    ويتناول الفصل الأول الذي يحمل عنوان “لمحات عامة (إضاءات حول الأفلاج العُمانية)”، التعريف بالأفلاج التي وُجدت كحلّ بشري ذكيّ لتحويل الأماكن القاحلة إلى واحات زراعية بتوفير الماء من باطن الأرض، ومن هنا انطلق العقل العُماني المبدع في سبيل بحثه عن الماء ومصادره، فاهتدى إلى أنّ التركيب الطبوغرافي لطبقات الأرض، ولا سيّما في المناطق الجبلية، يحتوي على مكامن مُعتبَرة يتوفر فيها الماء، فكانت وجهته الحتمية، وبذل لأجل ذلك كلّ ما في وسعه.
    وفي الفصل الثاني يركز الباحث على “العبقرية العُمانية في مجال الأفلاج (الهندسة وتطبيقاتها الذكية)”، إذ تزخر عُمان بوجود العديد من المعالم المادية التي تُبرز العبقرية الهندسية في البناء كالقلاع والحصون والأبراج والقصور والمدارس والكتاتيب، بالإضافة إلى الأفلاج التي عكست جانبًا من الشخصية العُمانية. ويوضح النوفلي تضافر البناء الهندسي المادّي للأفلاج مع الجوانب الحضارية الأخرى، إلى جانب الوظائف الحضارية العديدة التي تقدمها هذه المنظومة؛ فظهرت أفلاج عُمان بهوية متميزة وبصمة فريدة.
    وجاء الفصل الثالث بعنوان “الثقافة والتراث (إطلالة على روائع الأسلاف فيما يخص الأفلاج العُمانية)”، وفيه يلقي الباحث الضوء على المصادر العلمية والتاريخية العُمانية التي تحتوي على كمٍّ هائل من المعارف التقليدية المرتبطة بالأفلاج، وهذا يؤكد أنّ العُمانيين على مر العصور قد تعاملوا مع البيئة المحيطة بهم بعبقرية فائقة؛ إذ تمكنوا من تحويل بيئتهم الصحراوية ذات المناخ الجاف والتضاريس الوعرة إلى مواطن جذب للعيش والاستقرار ومستوطنات بشرية مُعزِّزة للإبداع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ وجود المعارف التقليدية المرتبطة بنظام الأفلاج في عُمان، وبقاءها حتى اليوم، يدل على أنّ العُمانيين كانوا حريصين على نقل تلك المعارف عبر العصور، لتستفيد الأجيال المتعاقبة من تجربة الأوائل الثرية والمهمّة.
    ويربط الكتاب بين الأفلاج قديمًا وحديثًا، وذلك في الفصل الرابع “الأفلاج والعلوم (العلم والعلماء في خدمة الأفلاج)”، ويوضح فيه النوفلي الكيفية التي برزت فيها الأفلاج كمؤسسة علمية ينهل منها طلبة العلم من أفراد المجتمع ومن خارجه؛ فهي ليست محصورة في عملية ريّ الأرض بالمياه؛ بل تتصل بها جملةٌ من الغايات والأبعاد الاجتماعية والمعرفية والاقتصادية والاستراتيجية والحيوية.
    ويمكن النظر إلى منظومة الأفلاج العُمانية من الزاوية المعرفية على أنّها تشكل بعدًا آخر يتمثّل في كونها وفّرت مادة علمية للباحثين، ومحتوى تعليميًّا لمؤسّسات التعليم المدرسي والجامعي الحكومية والخاصّة على حدّ سواء؛ إذ أُنشِئت الأقسام العلمية لتدريس الأفلاج كنظام متكامل، كما أُنشِئت وحدات خاصة لدراسات وبحوث الأفلاج، مثال ذلك أن جامعة نزوى حصلت على موافقة منظمة اليونسكو لإنشاء (كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج- أركيوهيدرولوجي) في عام 2020، كما أنّ هذا النظام الفريد أصبح موضع اهتمام باحثين من أنحاء العالم، نظرًا لارتباطه بعلوم تطبيقية أخرى كالفلك والهندسة وعلوم التربة والري والزراعة والاقتصاد والجيولوجيا والتطبيقات الزمانية للرّيّ.
    وفي الفصل الخامس “الفَلَج مؤسسة اجتماعية (الإدارة لأجل التنمية)”، يركز النوفلي على الأبعاد الاجتماعية للأفلاج، موضحًا كيفية تقاسم الأفراد -أصحاب المصلحة- حصصَ المياه، واشتراكهم في صون الأفلاج والحفاظ عليها، فهم شركاء في الغُنم والغُرم، أو بتعبير آخر يشتركون في الحقوق والواجبات، كما يتقاسمون الأدوار في تنظيم شؤون الفَلَج بالإدارة وإبداء الرأي، فيصبح الفَلَج بذلك منظومة متكاملة.
    ويشير المؤلف إلى أنّ بعض الأفلاج مملوكة لأفراد المجتمع بأكمله أو أغلبه أو أقلّ من ذلك، وهناك أفلاج مملوكة لعائلة واحدة فقط، وكلّ ذلك راجع إلى خلفيات تاريخية مختلفة، فلكلّ فَلَج ظروف نشأته وتملّكه.
    ويرى النوفلي أن الفلج يعبّر عن مؤسسة متكاملة يديرها أبناء المجتمع بأنفسهم بعيدًا عن أيّ سلطة أخرى، ينصّبون لها إدارة، ويضعون لها تشريعًا تتصالح عليه جميع الأطراف، ويسعون ليلا نهارا لتوزيع حصص الماء على المستفيدين، مُلتزمِين بمبدأ العدالة والمساواة، كما أنهم يخططون ماليًّا لاستدامة هذه المؤسسة بوقف الأوقاف لها والسعي لتطوير إمكاناتها.
    وفي الفصل السادس “نظرات نقدية (ردّ الشبهات حول الأفلاج العُمانية)” يستعرض النوفلي بعض الكتب والأطروحات عن أفلاج عُمان، لتأكيد الصحيح مما ورد فيها وتفنيد المغلوط، حيث يناقش عددًا من الأفكار الخاصة بهذا الجانب، ومنها الفكرة المغلوطة حول انتقال تقنية الأفلاج من عُمان إلى شمال إفريقيا فأوروبا فأمريكا اللاتينية، وفكرة أن الجن هم من بنوا بعض أفلاج عُمان، وفكرة أن الأفلاج فكرة مستوردة من الفرس، وغيرها من الأفكار التي قام الباحث بتصحيحها ونقاشها بطريقة علمية ومنهجية.
    وفي الفصل الأخير “الانطلاق إلى مستقبل واعد للأفلاج العُمانية (مناقشة الأفكار الإبداعية)”، يؤكد النوفلي على أن منظومة الأفلاج، شأنها شأن أيّ منظومة حيوية أخرى، لا بدّ من العناية بها وصونها إذا ما أُريد لها الاستدامة لتنعم بها الأجيال اللاحقة.