تقوم الفكرة الأساسية في رواية “لون آخر للغروب” للكاتبة الأردنية هيا صالح، حول صراع الإنسان مع الزمن، وهو الصراع الذي أوجد مفهوم السّلطة والتناحُر عليها، لتندلع الحروب تلو الحروب عبر تاريخ البشرية كما جاء على الغلاف الأخير للرواية.
تستند الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن “الآن ناشرون وموزعون” مؤخراً، على بنية “رواية داخل رواية”، متناولةً الكيفية التي يتم من خلالها التفاعل بين أطراف عملية التلقي للمنتج الأدبي (الكاتب والقارئ والمتن)، وبيان التشابكات بين هذه الأطراف التي تجعل من عمليتي الكتابة والقراءة نسيجاً متكاملاً، ولعل هذا ما تشير إليه الساعة التي تتحرك عقاربها في كل فصل من فصول الرواية في إشارةٍ إلى زمن التلقي.
تتضمّن الرّواية التي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية (2018) حكايتَين متوازيتَين ومتقاطعتَين في آن؛ بطلُ الحكاية الأولى “نجيب” وهو كاتبٌ تُجرى له عمليّةُ زراعة قلب، فتصبح حياتُه أشبهَ برحلةٍ غرائبيّة للبحث عن الحقيقة، ليكتشفَ أنّ الحقيقةَ ليست واحدة، إذ تتعدّد بتعدُّد الشّظايا للوحِ زُجاجٍ مكسور. أما الحكاية الثانية فتتمحور حولَ “وفاء” بطلةِ الرّواية التي يكتبُها بطلُ الحكاية الأولى، والتي تقع في حُبّ فنّانٍ هارب من الحرب.
جاءت المقاطع التي تعبّر عن حال الكاتب ضمن سردٍ بضمير الراوي كلّي العلم، راصدةً التحولات التي عصفت بحياة “نجيب” وهو كاتب مُستَأجر يكتب للآخرين، وذلك بعد أن وقعت جرائم قُتل فيها كلّ مَن قام بالكتابة لهم، فحامت حوله الشكوك وكاد أمره ينكشف.
لكن ما ينقذ “نجيب” من حالة التيه والتخبُّط التي يعيشها هو وقوعه في حب بطلة الرواية التي يكتبها، والتي تغير مجرى تفكيره فيقرر أن يتوقف عن الكتابة للآخرين وأن ينجز كتابه الخاص الذي يحمل اسمه: “كانت الشمس قد بدأت تتوارى قُبيل الغروب، وفيما كان الجميع يتابعون المشهد كاملاً، كان نجيب يكتفي بتتبُّع خيوط الضوء وهي تنسحب إلى أعلى، وعندما شارفت الشمس على المغيب تماماً كانت غمامة ثقيلة قد هبطت فوق صدره.
في نهاية المطاف يبدو أن الكاتب “نجيب” قد استعاد توازنه حين أكمل الفصل الأخير من رواية “وفاء”، وكأنما كان من خلال تلك الكلمات التي اختطها على الورق يختط لروحه المتعبة طريقاً للخلاص، فيما جسدت شخصية الممرضة “سلام” تجلياً واقعيًّا لحضور روح والدته فيه.
أما وفاء فهي امرأة تعيش منذ طفولتها صراعات مريرة بسبب وفاة والدتها وهي ما تزال طفلة، وبسبب قسوة والدها وطريقته في السيطرة على حياتها وإجبارها على الزواج من رجل لا تحبه، لذا تنقاد إلى تجربة جديدة تبدو من خلال سياق الرواية حلمية وغير واقعية، كأنما هي التي ابتدعت تلك الشخصية وبنتها وفق هواها.
ولا يكتشف القارئ أن وفاء شخصية ورقية إلّا في آخر الرواية حين تتحرر من الزمن وتحقق خلودها؛ إذ الخلود في جوهره كما تكشف الرواية تحدٍّ للزمن.
يُذكر أن هيا صالح أصدرت عشرات الأعمال الإبداعية، وتنوعت إصداراتها بين الروايات والقصص والنصوص المسرحية والترجمات والدراسات النقدية والمؤلفات الموجهة للأطفال والناشئة. تُرجم عدد من إصداراتها إلى اللغات الإنجليزية والتركية والإيطالية.
(وكالة الأنباء العمانية, 30/12/2024)