قاسم توفيق: الجوائز تجعل المبدع أكثر وعياً نقدياً تجاه مشروعه
وصلت رواية “ليلة واحدة تكفي” للكاتب الأردني قاسم توفيق إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وفق ما أعلنت إدارة الجائزة في بيان صحفي.
وقال توفيق في تصريح لـ”الرأي” بهذه المناسبة إن الجوائز عموماً تفرض على الكاتب -في حال فوزه بإحداها- تحدياً من نوع خاص، وتجعله في مواجهة مستمرة وقاسية مع نفسه وأدواته، وتدفعه إلى مزيد من الوعي النقدي تجاه مشروعه، إذ تغدو مسؤوليته مضاعفة أمام القراء، الذين لا رهان لمبدع إلا عليهم.
وأضاف أن وصول رواية أردنية إلى التصفيات بجائزة تكتسب صفة العالمية، هو دليل كبير على أن الأدب في الأردن لا يقل من حيث المستوى الفني والنقنيات والطروحات عن نظيره عربياً وعالمياً، داعياًَ النقد إلى أن يكون رديفاً لهذا الإنتاج الإبداعي وليس معيقاً له.
واشتملت القائمة على روايات لكتّاب من تسع دول عربية، تعالج رواياتهم قضايا متنوعة، من الهجرة وتجربة المنفى واللجوء، إلى العلاقات الإنسانية، سواء منها العابر أو العميق. كما تستكشف الروايات عالم الطفولة وتجارب التحول من الطفولة إلى النضج، مُظهرةً من خلال ذلك الاضطرابات السياسية المتشعبة والصراعات الفردية والجماعية بأنواعها المختلفة.
وتشكلت لجنة التحكيم التي تولت اختيار القائمة من: الكاتب والروائي المغربي محمد الأشعري (رئيساً)، والأكاديمية والروائية المصرية ريم بسيوني، والأستاذ الجامعي والمترجم السويدي تيتز روك، والكاتبة والأكاديمية العُمانية عزيزة الطائي، والروائية والباحثة والصحفية الجزائرية فضيلة الفاروق،.
وشهدت الدورة الحالية من الجائزة وصول كُتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم عائشة إبراهيم (القائمة الطويلة عام 2020 عن “حرب الغزالة”)؛ أزهر جرجيس (القائمة الطويلة عام 2020 عن “النوم في حقل الكرز”)؛ لينا هويان الحسن (القائمة القصيرة عام 2015 عن “ألماس ونساء”) والتي شاركت في ندوة الجائزة (ورشة للكتابة الإبداعية)؛ نشوى بن شتوان (القائمة القصيرة عام 2017 عن “زرايب العبيد”)؛ ميرال الطحاوي (القائمة القصيرة عام 2011 عن “بروكلين هايتس”)؛ أحمد عبد اللطيف (القائمة الطويلة عام 2018 عن “حصن التراب”)؛ وناصر عراق (القائمة القصيرة عام 2012 عن “العاطل”).
كما شهدت هذه الدورة وصول تسعة كتّاب للمرة الأولى إلى القائمة الطويلة، وهم: قاسم توفيق: الصديق حاج أحمد، مي التلمساني، سوسن جميل حسن، ربيعة ريحان، فاطمة عبد الحميد، أحمد الفخراني، زهران القاسمي، ومحمد الهرادي.
وإلى جانب “ليلة واحدة تكفي” الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار: “منا” للكاتب الجزائري الصديق حاج أحمد (دار الدواية للنشر والتوزيع)، “صندوق الرمل” للكاتبة الليبية عائشة إبراهيم (منشورات المتوسط)، “الكل يقول أحبك” للكاتية المصرية مي التلمساني (دار الشروق)، “حجر السعادة” للكاتب العراقي أزهر جرجيس (دار الرافدين)، “اسمي زيزفون” للكاتبة السورية سوسن جميل حسن (منشورات الربيع)، “حاكمة القلعتين” للكاتبية السورية لينا هويان الحسن (دار الآداب)، “بيتنا الكبير” للكاتبة المغربية ربيعة ريحان (دار العين)، “كونشيرتو قورينا إدواردو” للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان (منشورات تكوين – العراق)، “أيام الشمس المشرقة” للكاتبة المصرية ميرال الطحاوي (دار العين)، “الأفق الأعلى” للكاتبة السعودية فاطمة عبدالحميد (منشورات ميسكلياني – الإمارات)، “عصور دانيال في مدينة الخيوط” للكاتب المصري أحمد عبد اللطيف (دار العين)، “الأنتكخانة” للكاتب المصري ناصر عراق (دار الشروق)، “بار ليالينا” للكاتب المصري أحمد الفخراني ( دار الشروق)، “تغريبة القافر” للكاتب العماني زهران القاسمي (دار رشم)، “معزوفة الأرنب” للكاتب المغربي محمد الهرادي (منشورات المتوسط).
وكان توفيق قد قال في شهادة إبداعية عن روايته “ليلة واحدة تكفي”: “إنَّ الإدراك الذي يستولي على المؤلف عندما يرى ما صنعه بالكلمات وقد تحوّل وأصبح رواية؛ حالة تعجيزية، ليست انشطاراً نفسيّاً، ولا تهويماً في حالات من الجنون أو السحر، بل هي حالة تحقُّق لوجود جديد، يعيشه بتفاصيله التي تصبح أكثر تأثيراً فيه من الواقع الحقيقي الذي يعيشه، ولا يقدر أحد على التعرُّف على هذا الوجود سواه”.
وأضاف: “من غير الضروري أن يكون الشكل الذي نعيش فيه، وعلاقته المتشابكة، وآثاره التي تحفر على جلودنا بنصل حادّ، هو الشيء الحقيقي، أو الفعلي، أو حتى الواقعي. لقد غيّبت الفوضى المتوحشة التي سطت على البشرية كلَّ ملامح الواقع وجعلتها مسوخاً. لم يعد هناك مكان لما يسمى (الحقيقة)، لأنَّ التخبط الذي تعبر فيه البشرية، لم يُبقِ أثراً لهذه الحقيقة، اختلاف القيم وتغير النظم وتشويه الجمال، صنع شكلاً آخر لمفهوم الإنسان، وبالتالي لم يعد هناك من حقيقة يمكن أن نلتجئ إليها لكي تحمينا، ولا حتى من أنفسنا، لقد أصبح لشرِّنا وبطشنا وكراهيتنا قيمة، وأصبح الخير بدعة أو جهالة أو جنون”.
وتابع توفيق بقوله: “عندما نلتجئ للرواية، نحاول أن نعيد للذاكرة سيرتها الأولى، لا نطمح إلى أن نصنع عالماً مثالياً ولا حياة تستحق أن تعاش، بل أن نتذكَّر القيمة الحقيقية للخير وللشر، من دون أن نمسخهما ونحولهما إلى مشاعر خرافية”.
ومما جاء في شهادة توفيق الذي سبق أن فاز بجائزة كتارا للرواية العربية عن رواية “نزف الطائر الصغير”: “لحظة استلامي للنسخة الأولى من (ليلة واحدة تكفي)، وعندما أخذت بتقليب الصفحات على عجل، انتفضت ذاكرتي، جاء لعقلي أمر غامض يدفعني لأن أتذكر الأسباب الأولى التي أوصلتني إلى هذه النقطة، وقتها يصبح مفروضًا عليّ أن أتذكر أول فكرة ألحّت على خاطري قبل أن أبدأ بالكتابة، وأول كلمة كتبتُها وأردت أن أدلف من بوابتها إلى عالمي الجديد، الذي ليس على الأرض ما يشبهه”.
وأضاف: “لقاء حميم، دافئ، مفرح، محزن ومتفجر بالذكريات.. ها هم الناس الذين صنعتهم بإرادتي يتجمعون من حولي، يحضنونني بشوق موجع، لقاء أوسع من الواقع وأكثر غموضاً من الخيال، تنهمر الكلمات في روحي متدفقة، تأخذني للبداية الأولى لأحاكي شخوصي للمرة الأخيرة، أهمس لهم وهم معلقون على صدري وبين عينيّ، أقول: يا كائناتي الجميلات، أعترف أني عشتُ فيكم راحتي وفرحي وسلوتي، كنتم الأطيب والأحنّ والأكثر صبراً، لكني خذلتكم.. اغفروا لي أني كشفتكم للآخرين وأنا أقصد ذلك، لم أترك أسراركم طيّ صدري؛ بل أشهرتها بملء الصوت على الملأ، صرت أنادي عليها في سوق الحكايات، لأُسمعها للقاصي والداني.. سامحوني أني بُحتُ بأسراركم التي ائتمنتموني عليها، وكشفتُ المتواري والمخبوء الذي عشناه معاً، وقد كان سرّنا الصغير.. هي لعنة الكتابة يا رفاق، فاغفروا لي”.
واستعاد توفيق أجواء الرواية بقوله: “هل من المعقول أن تقف أمة بكاملها على عتبة يوم واحد من تاريخها لا تبارحه لأكثر من نصف قرن! تساؤلٌ عاش معي منذ لحظة استيقاظي في عمّان صبيحة يوم الخامس من حزيران سنة 1967 ولم أكن قد بلغت الثالثة عشرة من عمري، على أصوات زوامير الخطر، وعلى فزع غريب كان يستحكم فوق رؤوس السكان الوادعين الآمنين في عمّان، الذين فوجئوا بأعداد كبيرة من الطائرات تغطي سماء المدينة، وكانت منخفضة وقريبة من الأرض لدرجة أنَّ بعض الرجال المعروفين بسعة خيالهم أقسموا أنهم شاهدوا الطيارين الإسرائيليين وقرأوا ملامح وجوههم وهم يلقون بقنابلهم على أرض المطار”.
وتابع بقوله: “لم تكن عمّان تلك الأيام سوى بيوت قليلة متواضعة، لا تبعد أحياؤها كثيراً عن بعضها بعضاً، وكان المطار الوحيد آنذاك، الذي يحمل اسم الحيّ الذي يتمركز فيه؛ (ماركا)، مكشوفاً لنا. كنّا نرى المدرَّج وهو يُدَكّ بعنف، ونراقب الانفجارات وحركة دوران الطائرات ونحن نحتمي في ملاجئ البيوت. لقد أصبح ذلك اليوم تاريخاً أعظم من كل ما عرفناه وسمعنا عنه من أحداث طوال قرون، فهو لم يمضِ ولم يعبُر؛ بل بقي متسمّراً فينا، ويصدمنا بهزّاته الارتدادية إلى الآن”
وأشار إلى أن “ليلة واحدة تكفي” تحاول الإجابة عن السؤال الكبير: “هل من المعقول أن تقف أمة بكاملها على عتبة يوم واحد من تاريخها لا تبارحه لأكثر من نصف قرن!”، موضحاً أنه كان لا بد أن يبحث عن مَخرج لِما مرَّ به وما عاشه بعد ذلك اليوم وما يزال يؤثر في حياته.
وختم توفيق شهادته بقوله: “لقد حاولتُ أن أجعل من لقاء امرأة ورجل، في ظروف مُلتبسة وغريبة، وفي مكان غير اعتيادي، مدخلاً لنفسيهما، عندما يقرِّران الكشف عن أزماتهما وعقدهما وانكساراتهما، وكأنهما بهذه العقد يحاكيان حال الأمّة كلها قبل ذاك اليوم، ليعلنا أنَّ الهزيمة لم تقع في ذلك اليوم؛ بل إنها كانت مستوطنة في الناس قبل ذلك بكثير”.
يُذكر أن قاسم توفيق وُلد عام 1954 في جنين/ فلسطين. حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية عام 1978. عمل في القطاع المصرفي، متنقلاً بين الأردن والإمارات العربية المتحدة وعدد من الدول العربية والأوروبية، ثم تولّى إدارة التدقيق الداخلي في أحد البنوك حنى تقاعُده. صدر له روايات ومجموعات قصصية من بينها: “جسر عبدون” (2021)، “حانة فوق التراب” (2020)، “ميرا” (2018)، “فرودمال” (2016)، “صخب” (2015)، “رائحة اللوز المرّ” (2014)، “البوكس” (2012)، “حكاية اسمها الحب” (2009)، “الشندغة” (2006)، “ورقة التوت” (2000)، “عمّان ورد أخير” (1992)، “أرض أكثر جمالاً” (1987)، و”ماري روز تعبّر مدينة الشمس” (1985).