مجموعة قصصية للكاتبة لمياء نويرة بوكيل

مجموعة قصصية للكاتبة لمياء نويرة بوكيل


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    عمر دغرير (شاعر وناقد)
    صدرت في 148 صفحة من الحجم المتوسط عن “الآن ناشرون وموزعون” في العاصمة الأردنية عمان سنة 2020
    هذه المجموعة تضم اثني عشر قصة قصيرة تترابط في عناوينها رغم اختلاف مضامينها. والمتأمل فيها يلاحظ تعمد الكاتبة تصديرها بمقولات ومختارات لشعراء وأدباء وكتاب إحساساً وإيماناً بالقيم الإنسانية النبيلة المشتركة معهم .
    ومن البداية يمكن أن نفهم بأن “قرية بوتيرو” لا توجد على أرض الواقع . والكاتبة اعتمدت هذا الإسم لتشعرنا بأنها تطرح في نصوصها مواضيع حول كل الفنون مرورا من هذا العنوان. فبوتيرو هو من أشهر الرسامين الكولومبيين , ومعروف برسومه الصامتة وبالمناظر الطبيعية, وهو يهتمّ بشكل أساسي بفن البورتريه.و تعرف رسوماته ومنحوتاته بأبعادها الضخمة وببدانة الاجسام .
    وفي اعتقادنا الاعتماد على مثل هذه التّصديرات ليس مجانيا وقد تعمدته الكاتبة لتشعرنا بأن النهج الذي اختارته في سردها سرياليا بامتياز رغم الواقعية السحرية والعجائبية التي لم تخلو منها أغلب النصوص.
    وتبقى قصة “قرية بوتيرو” هي الأطول والأوضح من حيث الموضوع . وقد جاءت في شكل حوارية فكرية ممتعة بين الرسام (بوتيرو) وراقصةٍ أسكنها إحدى لوحاته الفنية التشكيلية. وظل الحوار بينهما متصاعداً على الدوام ينثرالكثير من الجماليات في عقل ووجدان القارئ , ويمسك بكافة حواسه, ويشده إلى النهاية .
    يمكن توزيع هذه التصديرات إلى قسمين : قسم خاص بالمجموعة ككل . وقسم خاص بالقصص قصة قصة. بحيث نقرأ في القسم الأول خمسة تصديرات لكل من : (برنكوشي) وهوفنان ونحّات روماني, و(مونتاني) وهو كاتب فرنسي ,و(كافكا) وهو كاتب تشيكي يكتب بالألمانية. و(رولان بارت) وهو ناقد فرنسي من أشهر نقاد القرن العشرين. وأخيرا الكاتب والقاص المصري (سعيد الكفراوي) . ولمزيد الإفادة نذكر بهذه التصديرات تباعا :
    “انظروا في الأعمال حتّى تروها ” : برانكوشي .
    “إنّها ليست حركاتي التي أكتبها, إنّه أنا, إنّها ذاتي” : مونتاني.
    “يا لليد الخرقاء التي تأبى أن تنسجم مع كلّ ما أضمره ” : كافكا .
    ” إنّ ما قيل لا يستطيع أن يعيد نفسه إلاّ إذا ازداد ” : رولان بارت .
    ” إنّ ما تكتبه يشير إليك ويدلّ عليك ” : سعيد الكفراوي.
    أما تصديرات القسم الثاني فتشمل أغلب القصص وقد جاءت على النحو التالي :
    في قصة (شركس) نقرأ مقولة محمود المسعدي “ألا قلْ ويلٌ للذين يموتون ولا يبعثون” .
    وفي قصة (كرمة شهلة) نقرأ أيضا لمحمود المسعدي ” أكلّما تمرّد شيطان في إنسان, قامت له امرأة نبيّا” .
    أما في قصة (جسد ) فنقرأ تصديرين لكاتبين مختلفين .
    الأول (جورج برنار شو) الذي قال : “نُعلّم أنّ الرّوح هي الجسد وأنّ الجسد هو الرّوح, يقولون لنا أنّهما مختلفان, ليقنعونا أنّ بإمكاننا الاحتفاظ بأرواحنا إذا ما تركناهم يستعبدون أجسادنا “.
    والثاني (جوزيه جيلبرت هولاند) الذي قال : “عار على الجسد أن يسقط صريعا، بينما الرّوح ما زالت تقاتل” .
    لتبقى قصة “حب الصنوبر” وهي الثالثة في الترتيب بدون تصدير .
    وفي قصة (غربان) نقرأ مقولة لمي زيادة : “كلاّ… كلاّ… لا ظلام في الحياة وإنّما هي أنظارنا الكليلة التي تعجز عن مرأى النّور في أبهى مجاليه”.
    والكاتبة تعود في قصّة (أحباب الله) إلى الكاتب محمود المسعدي الذي قال : “وأنت تمشي فوق أرض الجدب والقحط، لا تخشى أن ترفع رأسك إلى السّماء, وتحلم بالماء والنّدى” .
    ويحضر مظفر النواب في قصة (قطّة حبق) بقوله : “أيقتلك البرد؟ أنا يقتلني نصف الدّفء, ونصف الموقف” .
    كما نعثر في قصة ( النهر) على تصديرين لكل من ( فرلين يرثي صديقه رامبو) : ” أخيرا متّ الميتة التي تريدها, زنجيا أبيض, وحشيا رائع التمدّن” . وكذلك قولة لجبران خليل جبران جاء فيها : “الشّك ألم في غاية الوحدة, لا يعرف أنّ اليقين توأمه” .
    وفي قصة (طلاقة النّساء) تكتفي الكاتبة بإهداء جاء فيه : “إلى نساء بلادي ورجالها, وإلى كلّ النّساء”.
    والكاتبة تضع قصصها الثلاثة الأخيرة تحت عنوان “في الفن” ويتضمن هذا العنوان قولتان لكل من الشاعر محمود درويش والرسام بيكاسو .
    نقرأ في الأولى : “هزمتك يا موت الفنون جميعا” .
    وفي الثانية نقرأ : “الفنّ هو الكذبة التي تجعلنا نكتشف الحقائق” .
    ونقرأ في قصة ( الحكواتي) تصديرا متكوّنا من قولين وإهداء وشكر.
    الأوّل لـغسان كنفاني جاء فيه : “لك شيء في هذا العالم, فقم”.
    والثاني لـمحمود المسعدي جاء فيه : “كالمستعد للرّحيل, لا ينقضي عنه الرّحيل” .
    أمّا الإهداء فقد جاء على النّحو التالي :”إلى الصّديق صمويل ألو, رسول السّلام, المسافر في عمق الإنسانية, والمتجوّل باستمرار في أصقاع العالم والشّعوب, حقيبة من الأحلام زاده, وحكايات وخيال زوّاده, وسنتور شجيّ لتحرير أنغامه”.
    وفي القصة ما قبل الأخيرة التي تحمل عنوان (ثالثا وأخيرا) نقرأ نفس التصدير الذي في البداية لرولان بارت , ومعه قولة جديدة لسعيد الكفراوي جاء فيها : “الماضي هو أجلّ الأزمنة” .والكاتبة تعمدت التمهيد للتصديرتين بقولة للشاعر السينيقالي (ليوبول سيدار سينغور) جاء فيها :”وحده الإيقاع يحدث الرجّة الشّعرية, ويحوّل الذّهب إلى نحاس, والكلمة إلى فعل”.
    وتختم الكاتبة هذه التصديرات في القصة الأخيرة ,والتي تحمل عنوان المجموعة (قرية بوتيرو) بقول للرسام (فرنادو بوتيرو) جاء فيه :” لا يجب أبدا أن تكون واقعيا, ذلك هو أوّل درس تعلّمته في الرّسم”.
    والمتأمل في كل هذه التصديرات يقر بأنها تتناغم مع المنحى العامّ للقصص شكلا ومضمونا وتتبنى المنهج الذي تم اختياره في الكتابة لوصف عالم الفن بكل متناقضاته أي بوضوحه وغموضه ,وبهزله وجده ,وبهيجانه وهدوئه , وبسحره وفظاعته . وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار “قرية بوتيرو” مجموعة التصديرات المختلفة بامتياز .
    وخلاصة القول “قرية بوتيرو”على حد تعبير الكاتب الليبي يونس شعبان الفنادي بموقع طيوب عربية بتاريخ 15 يوليو 2020 :
    (… هي قصص تنتمي إليها صاحبتها فكراً وروحاً، وتحمل مجموعة مقومات من هوية بيئتها التونسية وطابعها الذاتي الشخصي، حيث لا نجدها مثلاً متأثرة بطقوس الصحراء، أو روايات البدو، أو حكايات الكهوف والأساطير وغرائبها، أو عوالم الروايات والأفلام والثقافات الأجنبية بشكل واسع. أو الظواهر العلمية ومبتكرات التكنولوجيا الحديثة. كما أنها أيضاً ليست قصصاً فردية سطحية عابرة، غايتها بث أنفاس وتفريغ شحنات شخصية قلقة أو مطمئنة، وإنما هي التقاطات مفعمة بالثراء الفكري والقيم النبيلة، والتسجيل والتوثيق لمظاهر الحياة وتراث وعادات المجتمع وثقافته، وهي زاخرة باللغة الشاعرة والبهاء الموضوعي والزخرفة السردية الشكلية…).