“وكالة الأنباء العمانية”
تقف الناقدة والأكاديمية د. انشراح سعدي في كتابها “مرايا المعنى..
من العتبات النصيّة إلى التعدد اللغوي” عند خمسة دواوين للشاعر العُماني سعيد الصقلاوي، في محاولة منها لإضاءة التجربة بكاملها، وفكّ ما قد يستعصي على القراء من مغاليق عالم الشاعر الزاخر بالبيان والحكمة.
يقع الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 172 صفحة من القطع الكبير، ورأت المؤلفة في مقدمته أن الخطاب الشعري للصقلاوي له خصوصيته التي تمتاز بالكثافة والإيجاز والعمق في تشكيل الجمل، الأمر الذي جعلها تشتغل على النصوص عبر مراحل تسلُّم إحداها إلى الأخرى؛ بدءًا من عتبات النصوص، مرورًا باتساقها وانسجامها، وصولًا إلى تعددها اللغوي والصوتي، وهو الأمر الذي عزته الناقدة إلى أن النّص الشعري “حمّال أوجه”؛ موضحةً أن القصيدة الواحدة يمكن أن تُقرأ وفق مقاربات متعددة، ولكلّ منها “نتائجها المبئّرة لمعنى يتولّد مع كل قراءة جديدة”.
وحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان “شعريّة العتبات النّصيّة في دواوين سعيد الصقلاوي الشعريّة”. وتناولت المؤلفة فيه مجاميع الصقلاوي: “ترنيمة الأمل” و”أنتِ لي قَدَر” و”نشيد الماء” و”أجنحة النهار” و”وصايا قيد الأرض”، لتجيب عن أسئلة من بينها: هل خطاب العتبات عند الشاعر الصقلاوي خطاب واعٍ في ظل فوضى النشر؟ وهل أسهم خطاب العتبات في فهم النَّصّ أم في اتساع الفجوة بين النَّصّ والمتلقي؟
أما الفصل الثاني فوُسم بـ”الاتساق والانسجام في (وصايا قيد الأرض)”، وبحث في مدى اتساق النص الشعري في هذا الديوان، منطلقا من وسائل الربط الصوتيّة والمعجميّة والنحويّة التي تجعل النص محتفظًا بكينونته واستمراريته، إلى البحث في العلاقات الدَّلاليّة واللغويّة والسياقيّة.
أما الفصل الثالث المعنون “التعدد اللغوي والصوتي” فتناول التّعدد اللغوي في جملة من الأشكال والأساليب التي تتجلّى بوضوح في القصيدة الصقلاويّة، التي كان أهم سماتها امتيازها بهذا التعدد الذي زاد من جماليتها. وقالت الناقدة إن رحلتها في أعمال الصقلاوي كانت على درجة عالية من المتعة، لما في قصائده من “معانٍ مخبوءة تعانق الفلسفة والتاريخ والتصوف بأسلوب يُخيّل للقارئ أنه بسيط لكنه مُلغَّم، تنفجر منه أنهار من المعاني”. وأضافت: “هذه الدّراسة جسر نمدّه للقارئ عسى أن يعمل على إزالة القطيعة بينه وبين الشّعر قراءة ودرسًا، ونكون بذلك حققنا الغاية من وراء جهد بذلناه لفهم مقصديّة تجربة رائدة، ومشروع شعري جادّ تجاوز الأربعين سنة”.
ومن الجدير ذكره أن الصقلاوي وُلد في مدينة صور عام 1956، حصل من جامعة الأزهر المصرية على شهادة البكالوريوس في الهندسة في مجال تخطيط المدن والأقاليم، أكمل دراسته العليا في التصميم الحضري في جامعة ليفربول ببريطانيا، وصدر له في الشعر: “ترنيمة الأمل” (1975)، “أنت لي قدر” (1985)، “أجنحة النهار” (1999)، “نشيد الماء” (2004)، “وصايا قيد الأرض” (ثلاث طبعات بين عامي 2005 و2019)، “ما تبقى من صحف الوجد” (2020)، و”في حبك تزهر الروح” (إعداد وتقديم، 2021). وصدر له في الدراسات الأدبية “شعبراء عمانيون” (طبعتان؛ 1992 و1996)، و”الشاعر عبد الله الخليلي.. كلاسيكية متجددة” (2015). وهو رئيس الجمعية العمانية للكُتّاب والأدباء، ونائب الأمين العام للاتحاد العامللأدباء والكتاب العرب. تُرجمت أعماله إلى عدد من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والإٍسبانية، وأُنجزت مجموعة كبيرة من البحوث الأكاديمية التي تناولت تجربته الإبداعية.
أما انشراح سعدي فحاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الحديث والمعاصر من جامعة الجزائر2-أبو القاسم سعد الله، وتعمل فيها أستاذة ومحاضرة. وأصدرت دراسة باللغة الفرنسية بعنوان “(نشيد الماء) لسعيد الصقلاوي.. قصائد حب وألم وسلام” (2018)، وكتابًا بعنوان “مؤجج الثورات لبرنار هنري ليفي.. قراءة في ثلاثة كتب” (2018). وهي مؤلفة مشاركة في كتب من بينها: “ثقافة المقاومة” (2016)، و”سردية المقاومة في (يحدث في بغداد)” (2019).