“وكالة الأنباء العُمانية”
يفتتح الكاتب العُماني أحمد بن عبد الله البحراني روايته “موتائيل” بحلم تراه الشخصية الرئيسة، وحين ينتهي هذا الحلم ترجع تلك الشخصية للواقع مجدّدًا.
إذ نقرأ في الرواية الصادرة أخيرًا عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن: “خيوط ضوء سوداء تتداخل مثل ضفيرة وهي تلاحق نقطة مقعرة حمراء تنشطر إلى نقطتين مقعرتين كلما اقتربت الأضواء منها، تنقسم الأضواء إلى ضفيرتين تلاحقان النقطتين المقعرتين اللتين لا تلبثان أن تندمجا في نقطة مائعة كقطرة زئبق، بمزيد من التقعر والاحمرار، تتداخل ضفيرتا الضوء من جديد في ضفيرة واحدة حالكة السواد، تُطارد ذات النقطة المقعرة الحمراء، فتنقسم مجددًا إلى نقطتين مقعرتين، وتنقسم وراءها ضفيرة الضوء إلى ضفيرتين، في تكرار يعمّق سواد الضوء، واحمرار النقطة المقعرة لدرجة تبعث على الغثيان والتقيؤ”.
وهذا الأسلوب الذي يدمج الأحلام معًا بما فيها من قدرة على كشف اللاوعي الإنساني، هو ما يسيطر على السرد الروائي الذي يدور حول فكرة الموت، وبوعيٍ لدى الكاتب حول أزلية العلاقة الوجودية بين الموت والحياة.
وتركز الرواية التي تقع في 158 صفحة، على ذكر تفاصيل المكان الذي تدور فيه الأحداث، وهو شارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة، حيث تقع شقة البطل الذي يعيش في خضم حياة هذا الشارع وساكنيه، وخلال ذلك يعاين المدينة ككل:
“معظم المباني المطلّة على ذلك الشارع الحيوي، مبانٍ راقية وحديثة بواجهات زجاجية تحتل الدورَ الأرضي منها محلاتٌ لأشهر الماركات العالمية. وتنتشر على ضفافه أفضل المقاهي التونسية التي باتت تستوعب معظم الشباب الذين بسبب الظروف الاقتصادية، وجدوا ضالّتهم على كراسيها وهم يتطلعون إلى عمل يُخلّصهم من فراغ الوقت والجيب”، وفي هذا الوصف، يربط الكاتب المكان بحياة السكان فيه على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم ومقاصدهم.
ويحدث للبطل في وسط هذه الحياة الصاخبة والحيوية ما لم يكن يتوقعه، في مشهد يصفه الكاتب كما لو كان خارج الزمان والمكان، إذ بدا أن البطل (الدكتور رشيد) ماتَ لِلَحظة يلتقي فيها بـ “موتائيل”. يقول السارد:
“جمُد كلّ شيء أمامه، كل شيء، بدا الناس في الأسفل أمامه كالتماثيل الصغيرة، والسيارات كأنها مكعبات مختلفة الألوان والأحجام ملتصقة بالأرض حتى الطيور تعلقت في الهواء ثابتة دون أن تسقط، أحسّ كأنه جالس أمام لوحة فنية عملاقة، أغمض عينيه وفتحهما، تلفَّت يمينًا وشمالًا، كل شيء جامد تمامًا، نظر إلى العصفورين في القفص فرآهما وكأنهما محنّطان، دقّق النظر في ساعته فوجدها واقفة عند الخامسة وخمس دقائق”.
وتستمر حالة الذهول التي تتلبس البطل وتزداد وتيرتها حين يقابل “موتائيل”؛ المخلوق الغريب الذي يظهر له من بين الغيوم بعين واحدة مرعبة، لدرجة أنه منذ رآه تيبّس في مكانه على الكرسي كأنه قطعة خشب.
واتّجه ذلك المخلوق العجيب نحو البطل مثل طلقة مسدس، مصوّبًا عينه الوحيدة كالسهم إلى عينَيّ البطل المنتفحتين عن آخرهما كأنهما لسمكة ميتة، والأكثر غرابة أن هذا المخلوق كلما اقترب من البطل صغُرَ حجمه بخلاف ما تفرضه قوانين الفيزياء، عندئذٍ يصرخ البطل مرارًا، لكن لم يكن باستطاعته حتى أن يسمع صرخاته، إلى أن وقف ذلك المخلوق الغريب أمامه، حاجبًا عنه كل شيء عداه.