“مُتّـَكأ” لرقية الحارثية.. مجموعة شعرية يتجاور فيها العمود والتفعيلة

“مُتّـَكأ” لرقية الحارثية.. مجموعة شعرية يتجاور فيها العمود والتفعيلة


class="inline-block portfolio-desc">Portfolio

text

“وكالة الأنباء العُمانية”

تواصل الشاعرة العُمانية رُقيّة بنت علي الحارثية في مجموعتها الشعرية الأخيرة التي حملت عنوان “مُتّـَكأ” المراوحةَ في قصائدها بين شعر التفعيلة والشعر العمودي، مفسحة المجال في كلا الشكلين للتدفق الإيقاعي للقصيدة التي تناقش من خلالها أفكارًا معاصرة ورؤى جديدة، وتُضمّنها دلالات عميقة وصورًا فنية مبتكرة.
تعتمد الشاعرة في تقديم قصائدها على عناوين جاذبة تتبعها بعتبات نصية كانت بمثابة الموجّه للقراءة والمفتاح السري لفك رموز القصيدة، ففي الإهداء تكتب: “إلى أخي عبد الله، المُتَّقِد بالأبَديّة، الأنيق في الغياب، السّابح في جَلالِ الله، سَلامٌ عليكَ إلى يومِ يبعثون”، ثم تفتتح المجموعة بقصيدة “الحنين لزاهدٍ لن يعود!”، تناجي فيها الشاعرة روح جدها الراحل، تلك التي ستظل حاضرة فيها رغم رحيله عن الدنيا، وهي رغم ما تشعر به من نيران الفقد والحنين له إلا أنها تعرف أنه ذهب إلى ما هو أجمل وأوسع؛ جنات الله الواسعات، وتعدد مناقبه التي عُرف بها على الأرض وستكون نورًا له في السماء:
“لمْ يَكْتَرِثْ لاكْتِظاظِ الزَّيْفِ، كانَ بِهِ
شوْقٌ كَثيفٌ إلى الجَنَّاتِ لمْ يَغِبِ
يسيرُ للهِ، في ثوبِ الصَّلاةِ لهُ
طرائِقٌ لِخَلاصٍ غيرِ مُقْتَضِبِ
ويَرْتدي الزُّهْدَ، في مِحْرابِ رِحْلَتِهِ
إلى السَّماءِ رأى الأنوارَ عنْ كَثَبِ
قدْ كان جدِّي الضِّياءَ المَحْضَ، بوْصَلةً
إلى شَبابيكِ طُهْرٍ في الدُّجى اللَّجِبِ
يا سِدْرَةَ النُّورِ، تَحْتَ الظلِّ قدْ غَطَسَتْ
أرْواحُنا عَنْ أذًى ثاوٍ ومُضطَرِبِ
تهيئُ الدَّربَ للْفِرْدَوِسِ تكْنِزُهُ،
حَقائِبًا بضـياءٍ مُفْـعَمٍ رَطِبِ”.
وتحتفي قصائد المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأنثى وتجلياتها المختلفة، خاصة الأم التي تقول فيها الشاعرة:
“أعيذُكِ أُمِّي مِنَ الْحُزْنِ إنْ مَسَّكِ بَغْتَةً
وأوْمأَ للدَّمْعِ أنْ يُغْرِقَ الْخَدَّ بالعَبَراتْ
أعيذُكِ مما يزيدُ الأذى/ يستفزُّ الشعورَ
ومما يُناوِرُ نبْضَ الأمومةِ”.
وهي إلى جانب ذلك تعتز بالأبوة أيضًا، وتؤمن أن الأبوين هما ماء الخلود الذي منحها الأمان والدفء والعون:
“أبَوانِ مِنْ ماءِ الخلودِ وأكْثرا
سِرٌّ تجلَّى في الحنايا أخْضَرا
أَبوانِ، في كَفَّيْهِما الْمُدُنُ التي
فيها المَلائِكُ لوَّحتْ كيْ أُزْهِرا
وأنا ابْنَةُ الأحْلامِ يوشِكُ قَلبُها
لولاهُما في الخوفِ أنْ يتَبَخَّرا!”.
وفي قصيدة أخرى لها، تخاطب الحارثية الوطن بعد إعصار “شاهين”، مؤكدةً أنه يمتلك العزم والإرادة ويواصل السير نحو النور والهدى:
“سَتُزهرينْ
حبيبتي عُمان
لأنّكِ مُصابَةٌ بالعزْمِ واليقينْ/ ونورك الهدى
توزِّعُ المَلائِكُ الضياءَ وتزْرَعُ السَّلامَ في جهاتك
وتحْرسُ الدُّروبَ مِنْ ضجيجِ خَيْبَةٍ تلاحق الغدا”.
وتأكيدًا لدور المرأة وأهميتها في المجتمع، تقدم رقية الحارثية التي فازت بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية عن مجموعتها “قلب آيل للخضرة”، قصيدة “امرأة حرة”، وفيها تشير إلى مواصفات المرأة الحرة ومنها الحياء وسمو الأخلاق:
“أنا امْرأةٌ أنْجَبْتُ أشْجارَ خُضْرَةٍ
تزمِّلُ دمْعَ السالكينَ بأعْطافِ
وديني مَواقيتُ السُّطوعِ، تشَكُّلٌ
يُعيدُ المعَاني البِكْرَ منْ بَعْد إتْلافِ
جَمالي الْحياءُ الْعَذْبُ، صوْتٌ مُهذَّبٌ
حُضورٌ أنيقٌ لا يَجفُّ، كَصَفْصافِ
وأخْلاقيَ الأسْمى ضِمادٌ وحِليَةٌ
و(موضةُ) أنْثى لمْ تُعِرْ وجْهها الصَّافي
سنبقى مرايا الحُبِّ، جوْقاتِكمْ
ولنْ، يورِّطَنا في الموتِ أشْباهُ أنْصافِ”.
وتستحضر الحارثية شخصيات أنثوية دينية وتاريخية وأسطورية بهدف نقل رؤى الشاعرة إلى القارئ، إذ تعكس في قصائدها أفكارها وهواجسها وتؤكد مواقفها تجاه الحياة والوجود والمجتمع، ويمثل هذا الاستدعاء في القصيدة دعوة للقارئ للتفاعل مع الطرح الجديد لقصص النساء التي جرى تناقلها عبر التاريخ، والتفاعل مع الرموز الجديدة التي منحتها الشاعرة لهن من خلال استدعاء حكاياتهن وسردها بطريقة أخرى وبمحمولات فكرية وإنسانية جديدة.
تكشف المجموعة عن جملة من التراكيب الشعرية التي جاءت منسجمةً مع المضامين، ومحققةً للإيقاع الموسيقى القادم من الانتقاء الواعي للكلمات والتعابير. ونجحت القصائد وهي توظف الشخصيات التاريخية والدينية، في إيضاح التقاطعات الزمانية والمكانية بين تلك الشخصيات والأحداث الراهنة.
كما استخدمت الحارثية التناص الذي يعد من أبرز السمات المميزة للقصيدة الحديثة، إذ تقاطعت في مجموعتها النصوصُ التاريخية والدينية، واستثمرت الشاعرة في ذلك مفردات من القرآن الكريم، ووظفتها في نسيج القصيدة بما يناسب الموضوع الذي تتناوله، ففي قصيدتها عن السيدة مريم تستخدم قافية تحاكي خواتيم الآيات في سورة مريم، ومن الألفاظ التي تناصّت معها: “نَقيَّا، عِشيَّا، عَصيَّا”، وفي استحضارها لقصة موسى عليه السلام وظفت كذلك ألفاظًا من القرآن الكريم من مثل “قُصِّيهِ”.