نحن.. سميحة خريس في قراءة خاصة

نحن.. سميحة خريس في قراءة خاصة


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    حميد سعيد

    لا ادري ان كان الناقد نزيه ابو نضال ، يشير الى رواية «نحن» حين يقول: كاتبة لا تكف عن تجاوز نفسها ، ام انه يتحدث عن مسيرة سميحة خريس السردية ، وسأفترض انه يشير إليهما معا ، روايتها «نحن» ومسيرتها السردية ، ومهما اختلفت هذه الرواية القصيرة ، عما سبقها من روايات الكاتبة ، وهي تختلف فعلا ، غير انها لا تنفصل تماما ، عن توجهات وأسلوب كاتبتها ، ومن ثم عن تكوينها المعرفي ، والمعبر عنه سرديا.
    ان «نحن» ليست استثناء في الارث الحكائي ، العربي والعالمي ، وان هذا التقسيم عربي – عالمي ، ليس سوى تقسيم افتراضي ، فمنذ مرويات ايام العرب ، ومن ثم حكايات الليالي ، حتى اخر روائي ينتسب الى مرحلة ما بعد الحداثة ، يظل التداخل وتبادل التأثير بينهما حاضرا.
    غير ان رواية «نحن» اكثر تماسا برواية ما بعد الحداثة ، حيث تدور الاحداث ويتحرك الابطال ، خارج اطار الزمن التاريخي.
    واذا تبدأ الرواية ، بعاصفة تواجهها امرأة شابة ، كانت في طريقها الى سيارتها ، في وقت غير محدد ، لا يميزه الا الظلام ، ووميض سريع ، توهج ثم توارى ، بعد ان كان دليلها الى باب سيارتها ، لتقودها في عتمة غاب عنها الطريق وفي الطريق المغيب ، تلتقي بامرأة في المخاض ثم بطفلة من ضحايا العاصفة ، وينتهي بهن الطريق المغيب ، الى بيت ، كان الدليل إليه ، ضوء شمعة يمر عبر نافذة.
    واذ هرعن إليه ، كان بابه مفتوحا ، وفي داخله سيدة تحتضر ، وهي على موعد مع ولديها ، الذين يقيما غير بعيد عن البيت ، وفي داخل هذا البيت ، تجري احداث ، تعمل المخيلة على انتاجها ، يتداخل فيها الوهم بالحقيقة ، او الممكن بضده ، وتفصح كل واحدة عن مفردات من سيرتها الشخصية.
    ويظل المروي ، بجميع تفاصيله ، في حالة انفصال ، حتى عن الواقع المتخيل ، فلا العاصفة عاصفة ، ولا النساء الثلاث ، غير شخصيات تدفع بهن الكاتبة ، الى مسرح حدث ، هو الآخر من نتاج مخيلة مؤهلة لتأسيس منطقة متوهمة ، وليس من حقيقة في الرواية ، سوى موت السيدة العجوز ، اذ تحظى ، بالكثير مما يحظى به الانسان في الواقع حين يكون على تماس مع الموت ، وفي اللحظة التي يدخل ولداها الى البيت ، تختفي جميع المفردات المتوهمة ، مكانا وانسانا وظواهر طبيعية ، بل ان هذ الاختفاء يتكرس لحظة موت السيدة العجوز.
    لذلك ، فإن قراءتي لـ«نحن» ليست قراءة فيها ، فهي مجرد قراءة خاصة ، قادتني الى ادراك ، ان الكاتبة ، كانت في مواجهة قضية واحدة ، الموت ، واستمرت على امتداد روايتها القصيرة ، تلعب باللغة وتتلاعب بالمخيلة ، معتمدة على تجربتها في الكتابة ، ومعرفتها بأساليب السرد ، التي لا حدود لتقنياتها ومتغيراتها وجديدها ، وضخامة ارث هذه الاساليب التاريخي ، بعد كل هذا ، تقول ، ما ارادت قوله ، فالموت هو الحقيقية التي نعرفها او نتعرف عليها جميعا.
    واعترف انني اطلعت على اعتراف للكاتبة بشأن الموت ، جاء في صيغة ، اهداء شخصي اذ كتبت «هي لحظة نمر بها جميعا.. بانتظارها».
    ان النصوص التي تقتحم فضاءات جديدة ، تذوب فيها «انا» الكاتب في الكتابة حسب وصف «ايتالو كالفينو» بحاجة الى قراءة من قبيلها ، على مثال قراءة «ستانلي اي هايمن» لعدد من ابرز كتاب القرن التاسع عشر وكبار مفكريه ، داروين وماركس وفريزر وفرويد ، فرآهم كتابا خياليين ، وكما لو كانت كتاباتهم نظريات شعرية وصورا خيالية ، وارى ان ليس في قراءة «هايمن» هذه ، ما يسيئ الى هؤلاء المفكرين ، فلا بد لامثالهم ، من مخيلة تضاهي الجرأة التي حركوا بها ثقافة عصرهم ، ولا شك ، في ان الكاتبة القريبة باستمرار من متغيرات الحياة الثقافية ، تدرك ان القارئ الذي تتوجه إيه في «نحن» ، ليس من العقلايين ، الذين بلا قلب فهؤلاء وحدهم يعجزون عن فهم ظروف تلك الاحداث ، كما يقول غارثيا ماركيز.
    ولا بد انها تدرك ايضا ، ان المتغيرات في النص السردي ، والتي اضطر معها النقاد الى تلفيق مصطلح الواقعية السحرية مثلا ، هذه المتغيرات قد أصبحت من اساسيات مكونات هذا النص ، حيث بيئة الابداع ، التي لا تتحقق بالسكون والامتثال. يقول «بيتر بيين» في وصف «كفافي»: انه بحق رجل ذو وقفة مائلة قليلا عن زاوية الكون ، وليس المبدع فقط ، هو الذي يصح عليه هذا القول ، وانما الابداع ايضا ، واذا استشهد هنا برأي «كولن ولسن»: لا يوجد موضوع غير ملائم للرواية ، وبمقولة «والتر ألن»: مع ظهور كل رواية عظيمة ، يجب ان يتعرض تفسيرنا للرواية كشكل ادبي ، لشيء من التغيير».
    وأخيرا بما قاله د. أدريس النقوري: هنالك فيض من انواع وأشكال الرواية ، ومع اطراد السنين ، نجد استجابة فورية من النقاد والباحثين الذين يسارعون الى تسميتها واختلاق مصطلحات خاصة بها. فهل يمكن في ضوء هذه الاستشهادات الثلاثة تحديد مكانة رواية «نحن» في تجربة سميحة خريس الروائية ، التي طالما كانت بانتظار ما سيأتي ، وتحديد مكانها في خريطة الرواية العربية الحديثة.. وأظن انها في الحالتين ، ستثير خلافا وجدلا ، وهذا ما سيمنحها مكانها ومكانتها.