نزف الذات في ديوان «في ظلال الحلم» لمحمود فضيل التل

نزف الذات في ديوان «في ظلال الحلم» لمحمود فضيل التل


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    د. عماد الضمور

    يتضمن ديوان (في ظلال الحلم) الصادر حديثًا عن الآن ناشرون وموزعون ستًا وثلاثين قصيدة تتوزع ما بين القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، حيث تجسّد التماسك النصيّ في مبناها ومعناها، وهي ميزة أسلوبيّة تُسهم في تشكيل مبنى النص الشعري وإبراز معناه. ومن جانب آخر تعكس قصائد الديوان اعتزاز الشاعر بماضي الأمة، وحضارتها العريقة، كما في قصيدة (لقاء جميل)، إذ يلمس القارئ للقصائد سيطرة المذهب الرومانسي من خلال الاستعانة بالطبيعة، وتجسيّد عناصرها في شعره، فضلاً عن وضوح النزعة التأمليّة التي تعكس بُعدًا جماليًّا واضحًا، ومن الناحية الفكرية ظهر التأمل في الكون والحياة ومصير الإنسان بشكل واضح في قصائد الديوان منطلقًا من ذاته ووجدانه. كما في قصائد (في ظلال محبتي، وجرن الغزال، وتبسَّمي، وحكاياكِ ذكرى) و(هذا مداي وأنت لك المدى).
    تنبع أهمية الديوان في أنّه يجسّد موقف الشاعر من الزمان حيث القصائد التي تتأمل ثنائية الموت والحياة، وثنائية الأمل واليأس، كما في قصائد: الوداعيّة الأولى، والوداعيّة الثانية، ولا يفيد الاعتذار. ويتضمن الديوان رثاءً حزينًا للذات التي توشك على الرحيل، وهو رثاء غني بالصور الفنية الموغلة في الذاتية والانتصار للحبّ الإنساني النبيل. كما في قصيدة (بكاء القلب). وقصيدة (هذه الدّنيا هباء) وقصيدة (يا لعمري). حيث يقول في قصيدة (الوداعيّة الأولى):
    هذي نهاية عمرٍ قد شقيتُ بهِ
    روحي تعذّبني
    قلبي يُخادعني ويوهمني
    أني الآن في دَعَةٍ
    أني قويٌّ
    وأنّي الآن في رغدِ..
    كذلك تظهر الحياة في صورة محبوبة يحاورها الشاعر مبينًا حبّه له، وتمسكه بها حتى أخر لحظة كما في قصيدة (رغم كلّ شيء) وقصيدة (ستبقى حبيبي). و(ظلال الحلم) و(لك ما شئت). ولا يخلو الديوان من قصائد غزلية مثل: (وجِدتُ لكي أحبك) و(ضباب العمر) و(جميل القصائد) حيث يقول في قصيدة (رغم كلّ شيءْ):
    رغم هذا
    رغم كلّ شيءْ
    رغم أني قد عانيتُ منكِ حتى الموتْ
    يا إلهي كم أحبّكِ!!
    كم ألاقي فيكِ نفسي،
    رغم أني كلّ لحظة مما أراه منكِ
    تعتريني ثورة الحبّ الذي
    من ناره أشتاق أني ما عرفتكِ ذات يومْ..
    تتضح القيم الوطنيّة في قصائد الديوان؛ فالاعتزاز بالوطن وترابه الطاهر معانٍ سامية تزخر بها قصائد الديوان التي جاءت فيضًا من المحبة الصادقة لوطن لم يعشق الشاعر سواه، وهي قصائد ممزوجة بالشعر الوجداني الذي يستلهم مادته من الطبيعة وعوالمها الخياليّة. كما في قصائد: (يا راعي الشعر) و(متى ستعود يا وطني؟!) و(هكذا أنتم). و(إيلين).
    يظهر التزام الشاعر بقضايا أمته، ومنزعه القومي في قصائد:» (الشارقة) و(يا شام) و(عمّ الغناء)- حيث تتزين القصائد ببلاغة الصورة، ووضوح المعنى، وقوة الدلالة -كما في قصيدة (الشارقة) مجسّدًا الحبّ الصادق الذي يربط عمّان بالشارقة، حيث يقول مخاطبًا الشارقة:
    أكرمْ بكلّ أهلها
    أحيّي كلّ مَنْ هنا
    قلبان…
    روحان معًا
    عمّا يهفو قلبها
    إذا ذكرنا الشارقَةْ..
    ينطلق محمود التل في ديوانه (في ظلال الحلم) من الزمان النازف، وهذا جعل الخطاب الشعري يقوم على ثنائية (الحلم والذاكرة) فهو خطاب الرغبة في الانعتاق من أسر الواقع، ووطأة القيود، لذلك ينشد التل في ديوانه الاستمرار في أحزانه المغايرة لأحلامه، حيث التساؤل والقلق المنتج لفلسفة حياته ذات الرؤى الحالمة، واللغة الشعريّة التي هي حصيلة نتاج تفاعل مجتمعي، وترجمة لأحاسيسه المتدفقة.
    يصور الشاعر ذاته النازفة التي تعاني ألمًا مضاعفًا، ونزفًا مستمرًا بحثًا عن الخلاص، والانفكاك من قيود الحياة. فيطرح أسئلته التي تحاكي الذات، وتعانق الروح وتحلم بالخلاص من معاناته القائمة المتعبة للروح بتفاصيلها، والرافدة للوجدان برؤى الشعر وتشكلات الوجود.
    لم تنقطع أحزان الشاعر عبر حياته، ولم تتعبه الانكسارات، وآلام الفقد، بل زادت من وجع الكتابة وعنفوانها، فكانت محبته الصافية، وروحه الثائرة عنوانًا لقصائده، فصاغ الأسئلة المعمّدة بقوة الإرادة، والمعتقة بطهارة الشعر.

    نُشر في (الرأي الأردنية)
    14/7/2023