ضحى عبدالرؤوف المل
يُقلب الروائي تربة الخيال الجامح بتنظيم لرؤية فعلية كتابية يُدرك فيها قيمة الوعي في الحياة وقد أدرك” أسيد الحوتري” أسرارها الملموسة في روايته (كويت-بغداد- عمان) وفق خطة يُعززها بنقاط أساسية ينطلق منها وهي نقطة النهاية والوسط، ونقطة البداية عند فتح الستار
واصفا مرحلة التكوين الروائي عند الروائي وأهميته المُشبعة بخيال أشبه بغول أبيض او بروح تتلقفه بين ذراعيها وتجذبه إلى الرواية التي يتفاعل مع شخوصها في اسكتشات ذات عناوين دراماتيكية منتظمة مسترجعاً حكايات من الأسفاربميثولجية هي في الحقيقة نوعاً من العودة بالزمن أو الدخول عبر ثقب أسود لرؤية الذات الإنسانية مفتشاً ومتسائلاً عن الضحية عبر هلوسات هي في الحقيقة فلسفات كاتب روائي أدرك سر أسرار الفعل الكتابي الروائي وطقوسه التي يدمنها الكاتب. لتصبح الشخوص في عوالمه القمقمية، وكثيراً ما يدرك الكاتب الكثير من الأسرار الواقعية أثناء كتابة رواية مخطط لها لتتناول شخصيات يعايشها ويستخرج منها رؤيتها السوداء أو البيضاء من خلال التحليل السيكولوجي للشخصيات الروائية، وكأنه في حالة يعاني منها نفسيا بعد أن يسدل الستارة وهو يقف على الورقة البيضاء الأخيرة، وفي غفلة من الزمن خارجاً من تكوين لا يُدرك إن كان حقيقة أو خيال إلا أنه ” وفي غفلة من الزمن_شيخاً هرماً بلا ماضٍ،بل قصة تُروى، ” فهل تُطوى الصفحات الروائية كما يُطوى الإنسان؟
وما أحلى السرد بل وما أمتعه للنفس عندما يمارسه الروائي قراءة وكتابة، وهو مدرك للمفاتيح والأسس حيث يخرج من المسرح الروائي وهو واقفا على خشبة النهاية والبداية بين عوالم لا تنتهي، كالداخل والخارج من أبواب الزمن وبلغة بيانية مُعززة بتناص قرآني مُهيب يشير من خلاله إلى الأنا الكاتبة المولودة من ثقافة غير معقدة أو متشددة. بل الأنا الإستكشافية التي تُعيد كل شىء إلى الطاقة الفكرية النورانية المُتصالحة مع اللوحات التخيلية المقتطعة من الحياة، والتي تتحول سريالياً أحيانيا إلى مشهد مفتوح متخيل كالذي يقف أمام المرايا الزمنية مستعيداً الأحداث الزمنية لرحلة الإنسان في الحياة والتي تتشابه فعليا مع الولادة والموت معاً، وبتطور هو في الحقيقة من النهاية للبداية “لقد أغاثت المرآة لهفتي، وكشفت لي عبر عيني المرسومة عن بداية قصتي” فكثيراً ما يدرك الكاتب قيمة حياته التي يسترجعها وهو يكتب. فالعودة للمسلسل الكرتوني ” حكايات عالمية”الذي تم بثه على المحطات العربية مدبلجاُ وكل حلقة تحتوي على قصتين منفصلتين وعايشه أطفال مرحلة زمنية من التسعينات والذي كان يُعرض على التلفزيونات العربية آنذاك جعله يرتقي في الرؤية ويعود عبر المرايا إلى لوحات مشهدية رسخت في مخيلته كل هذا مسترجعاً أغنية البداية في رواية يفتح مشاهدها ويغلقها تبعاً لتنقلاته من مقطع لمقطع آخر بين بغداد والكويت وعمُان من قصص عالمية إلى عيال ديرتنا والثقافة واحدة والرؤية واحدة حتى في الإعلانات مسترجعاً ذكريات طفولته عبر الخط الروائي المرسوم الذي دخله من الثقب الزمني متربصا بالذاكرة التي تفوح بحنين القارىء الذي عايش تلك الفترة الجميلة جداً والعبثية جداً وما صائد اليرقات إلا رمزاً للذاكرة التي تُصيد أجمل الذكريات وأقساها عند الطفل الذي يكبر ويُمارس الفعل التكويني للمشاهد التي تُمر أمامه كالذي يقف على المسرح أمام المرايا. فهل عاد العرب يقتلون أولادهم من جديد عبر ذاكرة تلفزيونية جديدة تصدمهم عندما يكبرون؟ وهل المسلسلات الكرتونية بين الحكايات العالمية وقرقعان وغيرها جعلت جيل التسعينات يُصاب بصدمة حقيقة العالم الواقعي كما حدث مع بطل الرواية؟
العودة الي تسعينات الزمن الماضي ليست عودة عبثية بعد أفول نجم الرئيس الصومالي محمد سياد برّي والحدث الفاصل بين الخيال والواقع. بل هي صدمة الوعي” لكنها تختلف في تفاهتها عن أسباب الحروب التي تندلع بين الأقطار العربية! تنتهي بين الأطفال بالعودة إلى اللعب معاً ” وهم الأطفال أنفسهم الذين جمعتهم حكايات عالمية وقرقيعان وغيرها من الكرتونيات التي كانت تُعرض على الشاشات في زمن هو لجيل نشأ فيه بطل الراوي دون استخفاف بالمرحلة، ولكن بنضج تحليلي نفسي عانى منه جيل التسعينات تحديداً حتى الآن. فهل تصدم الإنسان مرحلة الوعي في الوطن العربي برمته؟ أم يقوم الرواي بكنس الذاكرة التي يتوجع عند الدخول فيها أو الوقوف على مسرحها الذي يدرك من خلاله ما أحدثه التاريخ عند تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. وما عاشه في الطفولة بين الكويت وعمان والعراق ترك جرحاً بليغا في الذهن الذي يتخبط بين حكمة الحكايات التي نشأ عليها ومرارة الواقع الذي عاشه في قيود فرضتها الحياة على ابناء فلسطين. فهل يبسط المواضيع الحياتية التي يعاني فيها الفلسطيني عدم منحه هوية في بلد ولد فيه ونشأ فيه وترعرع فيه ومع ذلك لا يحق له عودة له إن غادره أو بمعنى آخر يبقى متعدد الأوطان وهو ابن فلسطين القضية التي ضاعت مع الأحتلال الإسرائيلي.