البوابة
هل يمكن إدراج رواية “أحْ” الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان للكاتب العراقي هيثم بهنام بردى بأنها تنتمي لأدب المقاومة؟
في الرواية التي وصفها كاتبها أنها رواية قصيرة، وتقع في 75 صفحة من القطع الوسط يستعيد الكاتب اللحظة التاريخية للمكان بالومضة التي تكشفها نار الاحتلال الأميركي للعراق عن عمق التاريخ الذي امتد لعشرات الآلاف من السنين.
وينسج الكاتب الحكاية بذريعة الصدفة التي تسوق جنديًا أميركيًا يحمل طفلًا، ويطرق باب الراوي، وخلال ذلك الوقت الذي لا يمتد لأكثر من بضع ساعات تدور الكثير من الحوارات بين الجندي والراوي، والتي لا يغيب عنها الطفل برمزيات الطريقة التي يدافع عنها الطفل عن نفسه بغضب، وهو يلثغ بحرفي “أح”. ويمثلها الروائي والجندي في أوقات مختلفة.
وفي هذا الفضاء الطفولي أو البريء يقترب الجندي من المكان الذي يجهله، ويُدخل الروائي القارئ في الكثير من التفاصيل التي يجيد تصويرها بطريقة “ميكرسكوبية”، وبلغة رغم غرابتها، وتحديدًا في تلك المواقف بين الجلاد والضحية إلا أنها تنثال كما يسيل رذاذ الماء لترطّب الأجواء البغدادية الحارة التي تزيد لهيبها نيران الحرب. فاللغة هي التي تقود الحكاية برمزياتها ومحمولها الثقافي والتاريخي وتوالداتها التي توغل في التاريخ والزمن. بل هي التي تحمل الزمن وتنظّمه في الذاكرة التي يستعيدها الروائي لمواجهة اللحظة.
والكتابة التي اخترعها أسلافه، هي التي وطّدت الوشيجة المتلاحمة بين الإنسان ووجوده عبر ذاكرة مادية محسوسة مدونة، وهؤلاء الأسلاف هم “الطواطم التي تتكسر أمام قوادم إنجازاتهم كل الكتابات المنمقة”.
في رواية “أحْ” التي يكتبها هيثم بهنام بردى، وهي الإصدار الخامس في جنس الرواية القصيرة بعد “الغرفة 213″، “الأجساد وظلالها”، “الطيف”، و”أبرات”، ثمة مناخات وأجواء تشوخوفية يتماهى فيها الجلاد والضحية لجهة الإحساس بالخذلان والهزيمة التي تقود للصمت والهذيان والخوف، ويصبح الجميع مستهدفا كإنسان أمام آلة الدمار العمياء، الذي يحتاج معه الأمر لفهم صحيح وعميق لذواتنا وللآخر.
من مناخات الرواية: ” مددت كفيّ وأمسكت كتفيه وأنهضته، استند إلى كتفي وانقاد انقيادَ الظل إلى الجسد، نحو خطواتي الوالجة إلى المكتبة، أجلسته على الأريكة، وعمدت إلى قدح من الماء، شربه دفعة واحدة، ثم انقاد كالممسوس نحو ابتسامة الرضيع الذي حمّمته بماء منعش يُستشف منه أزكى طعم، طعم الألفة والصداقة والفرحة المؤثثة بالمحبة الباذخة، انحنى بكليّته نحو الرضيع الذي مدّ أنامله وصارت تكتشف تضاريس وجهه، فأُضيء جبينه بقبس من نار ونور، وأغمض عينيه منتشيًا، ونهايات الأصابع التعبة اللدنة تقتلع من ذاته العاقول والشوك والتيه والوهم والخواء..
ورأيت-فجرئذٍ- منظرًا لو رسمه فنان قضى عمره بين الألوان والطبيعة، واقتسم أيامه وسنينه في استكناه أعمق الوشائج الغنية بإنسانيتها، لن يحظى البتة بمثل هذا الإكليل الوضاء من تشابك إنساني مذهل..”.
ويشار إلى أن الكاتب ولد في العراق/ عام 1953، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو نقابة الفنانين العراقيين، وعضو فخري مدى الحياة في دار نعمان للثقافة اللبنانية، ورئيس تحرير مجلة (إنانا) التي تعنى بشأن المرأة.
حضر وشارك في مهرجانات وملتقيات عديدة أبرزها: الندوة العربية الأولى للقصة الشابة التي أقامتها مجلة الطليعة الأدبية في بغداد عام 1980. ملتقى القصة العراقية في بغداد عام 1995. ندوة الرواية العربية في بغداد عام 2002. الملتقى الثالث للقصة القصيرة جدًّا في حلب عام 2005. الملتقى الرابع للقصة العراقية (ملتقى د. علي جواد الطاهر) في بغداد 2008. مهرجان الجواهري عام 2010 وعام 2012. مؤتمر ثقافة الأطفال الدولي الأول في بغداد عام 2010. معرض إيطاليا الدولي للكتاب في إيطاليا (مدينة تورينو) عام 2014، ألقى فيها محاضرة في «القاعة الزرقاء» عن الأدب السردي العراقي الحديث. مؤتمر الرواية العراقية – دورة الروائي غائب طعمة فرمان، المنعقد في بغداد عام 2016. له إصدارات عديدة في مجال الرواية والقصة القصرية وأدب الطفل والنقد. حاز على جوائز عدة منها: جائزة ناجي نعمان الأدبية اللبنانية لعام 2006، الجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة التي أقامتها دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة العراقية عام 2006 عن قصته القصيرة «النبض الأبدي، الجائزة الثانية في مسابقة وزارة الثقافة لمسابقة أدب الأطفال/ دار ثقافة الأطفال/ جائزة (عزي الوهاب للنص المسرحي) عام 2010 عن مسرحيته الموسومة (العشبة)، الجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة التي أقامها قصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين عام 2011 عن قصته الموسومة (الرسالة).