“وداعاً باخوس” للدكتور إبراهيم غبيش.. الحديث عن الموت والرحيل

“وداعاً باخوس” للدكتور إبراهيم غبيش.. الحديث عن الموت والرحيل


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    في كتابه الذي صدر حديثاً تحت عنوان “وداعاً باخوس”، يجمع الأديب الأردني إبراهيم غبيش روايةً قصيرة (نوفيلا) وعدداً من القصص القصيرة معاً، في تجربة غير تقليدية على مستوى النشر.
    واختار غبيش عنوان روايته القصيرة عنواناً للكتاب، اعترافاً بأهمية الرواية ومركزيتها بين القصص المتضمّنة بالكتاب.
    تبدأ القصة الأولى في الكتاب بعنوان “المغني الأصلي مات”؛ وهو عنوان صادم ويحيل إلى الفراق والرحيل الذي يعد مرادفاً لعنوان الكتاب الذي يدور حول الوداع؛ وهو كذلك فراق ورحيل بشكل ما: “رقصة الحياة، صاخبة، مثيرة. وسط البلد، الشارع يعجُّ بالخلق، الكاسيت، صوت نافر، أعلى، أعلى، وينتشر في الجوانب، يستفزُّ المارَّة على الرقص، أو حركةٍ ما قريبة منه”. بداية صاخبة تضجُّ بالحياة والحيوية، وكأنها محاولة للتعايش مع الواقع المفروض بكل ثقله.
    وتبدأ الرواية القصيرة “وداعاً باخوس” بمشهد جنائزي يصف قبر البطل، ما يوحي أن تقنية (الفلاش باك) هي بطل الرواية الأول:

    “مَحظِيٌّ، هه.

    ربما.

    له مرقدان، قبران.

    مدافن ريحان، حلمية الزيتون.

    (فليرقد في سلام)

    الشاب عبدالعزيز فارس سليمان وحيدي، الفلسطيني، 1974م

    على الرخامة، شاهدة القبر.

    قبرٌ آخر، ترابيٌّ، ربما مرتفع قليلاً عن السطح.

    الفناء الخلفي لبيت قديم، مربع السكاكيني.

    شجرة زيتون مثمرة، حبات صفراء لامعة متلألئة، يجاورها ورقيَّات؛ ميرمية، بقدونس ونعنع.

    لا شاهدة، لا رخامة.

    نافذة قديمة، تُطِلُّ.

    كان ذلك غايةً في الصعوبة”.

    ويقسم غبيش روايته إلى عدد من العناوين وكأنها قصص قصيرة يربطها خيط واحد، بطلاها جميعاً فيروزة وعبدالعزيز؛ وكأنها تستدعيه من مرقده كي يرافقها لباقي الرحلة، ولا تصدّق حتى آخر قصة/ مقطع أنه قد غاب إلى الأبد:

    “قبل أن يغادر إلى اليونان، جاء ديمتري إلى السيدة فيروزة.

    – نذهبُ في زيارة، سأودّعه، عبدالعزيز.

    وافقت الأم، ورفضت فيروزة.

    أخذ كلٌّ ضمة ورد إلى المقبرة.

    فيروزة، واجهت الشبَّاك المطلّ على الفناء الخلفي؛ عبدالعزيز.

    أغمضت عينيها”.

    وبعد فراغ الكاتب من تلك الرواية القصيرة، يمتدّ الحديث عن الموت والرحيل بامتداد ما تبقَّى من قصص، ففي قصة “بيتان” يصف بكلمات مقتضبة رحيل الأبوين لبطل مهزوز خائف، تحكمه مخاوفه، ويتأهب لتزييف أوراق رسمية لسبب نفسي بحت، لا ليستفيد هو من ذلك:

    “توفّيا منذ ثلاث سنوات، أبي أولاً، كانَ في إجازة.

    كان يشعر بتعب وإرهاق شديد، لجأ إلى النوم مبكراً ولم يستيقظ.

    تبعته أمي -مصادفة صادمة- في النهار نفسه، بينما كنا نجهّز أوراق الدفن، توفيَت بدون سابق إنذار.

    لم يكونا على وفاق أبداً، انفصلا مرَّتين وعادا، ثم ساد انفصالٌ صامت”.

    وفي قصة “ثلاثة” وصف آخر لمشهد الموت قتلاً:

    “تقدَّمَ.

    خطى بطيئة. أخرجَ مسدساً.

    أطلق النار.

    رصاصة في الصدر، موقع القلب، بلا صوت.

    سقطَ الآخر.

    نافورة دم قانٍ”.

    وأما قصة/ لقطة “حانة العم سام” فما هي إلا مشهد تصويري للقتل الذي أهمَّ الكاتب إلى ما لا نهاية:

    “- أطلقتم الرصاص؟!

    هل قتلتم أحداً؟!

    – كنا ندافع عن أنفسنا، لم نقتل أحداً.

    يقولون إنهم لم يقتلوا أحداً!

    لم يوغلوا في الدم.

    حينما يغرقون في الكحول،

    يقولونَ قتلنا.

    ما أكثرَ ما قتلنا!”.

    وحتى قرب النهاية يطل الموت برأسه من بين ثنايا قصص المجموعة، ففي قصة “ما قاله الصرصور أبو عيسى.. ما خبرته الدعسوقة” يقول الراوي:

    “تُوفّي خالي صالح، هرم كثيراً، تجاوز التسعين عاماً، فقد الكثير من ذاكرته وحركته.

    يتذكّر بلده البعيدة، القريبة من يافا والبحر، البيارة، الطرق الملتوية والسهوب، المخيّم واللجوء في الضفّة.

    جاء أحمد على عجل.

    كان حزيناً في المقبرة، يتحرّك منحنياً.

    سألته، لماذا لم يدفنوه في المخيّم، مخيّم الضفة.

    قال أحمد:

    – مخيّم ومخيّم، لا فرق”.

    ومن الجدير ذكره أن الدكتور إبراهيم غبيش عضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وهو حاصل على بكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة المنصورة في مصر، وله العديد من الإصدارات في الرواية والقصة من بينها: أسكدنيا، شمال غرب، كائنات وكرنفال، برق ورعد، أيوب في حيرته، ثلاث برك آسنة، بيت رحيم، جبة زرقاء.