حكاية عمانية من الخمسينات غيبها التاريخ في “البيرق”

حكاية عمانية من الخمسينات غيبها التاريخ في “البيرق”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “ميدل إيست أونلاين”

    تسرد الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها الأخيرة “البيرق” (الآن ناشرون وموزعون، عمّان) حكاية “حارة الوادي” التي وقعت أحداثها في خمسينيات القرن الفائت. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائية خيوطها في خيالها، وقدمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفني الذي يحقق للقارئ متعته. وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان ، واختيرت لغلافها صورة من أعمال الفنانة العُمانية بدور الريامي التي قامت بتصميم الغلاف أيضاً. ووجهت المؤلفة إهداءها إلى: “علي بن حمد .. في زمن كانت فيه الشجاعة رجلا يقال له ولد جريدة”. وتعتني الرواية التي تزين غلافَها صورة من أعمال الفنانة العُمانية بدور الريامي، بوصف الشخصيات من الجوانب كافة، فلم تغفل الكاتبة التفاصيل الداخلية والخلجات النفسية لكل شخصية داخل الرواية، واهتمت في الوقت نفسه بالسياقات العامة: الاجتماعية والبيئية والإنسانية التي شكَّلت هذه الشخصيات، ما جعل الرواية عملا أدبيا متكاملا يجسّد الحياة العُمانية بسماتها العامة، وتمتلك فيه الشخصيات حرية التعبير عن نفسها ورؤاها.

    ترسم الرواية ملامح شخصية البطل “ناصر” في تمازج بين العام والخاص، ونقرأ فيها مثالاً على ذلك: “نشأ ناصر مُهاب المكانة بين قومه والقبائل الأخرى، لا يتلعثم إذا تحدّث، ولا يتردد إذا اتخذ قراراً، يستشيرونه في أمورهم، ولا يخالفون له رأياً، لأنّه ذو رأي حاسم، لا يجامل في الحق، ولا يجادل في سفاسف الأمور، كريماً سَمْحاً، لا يرد سائلاً ولا يغلق باباً في وجه فقيرٍ أو محتاج. يستعينون به لأخذ ثأرهم على من اعتدى عليهم، حتى ذاع صيتُه، وعُرِف اسمُه، واكتسبت قبيلته بفضل شجاعته وحكمته صيتاً بين القبائل، ونالت حارة الوادي شهرة واسعة بين الحارات والبلدات الأخرى، حتى أصبح مضرِباً للمثل”.

    وترسم التوبي في مكان آخر من روايتها التي تقع في 432 صفحة من القطع المتوسط، ملامح العجوز “صبيحة”، إحدى الشخصيات الشعبية القادمة من عمق المجتمع العُماني، قائلة: “يقول أهل الحارة إنّها امرأة مكشوف عنها الحجاب، وترى ما لا يرونه، فهي حافظة للقرآن، وعارفة بكثير من العلوم، ومعالِجة للأمراض، ومولِّدة لكثير من نساء الحارة؛ وقد أرضعت (صالح) كما أرضعت غيره ممن كانوا في مثل عمره، ففي تلك الأيام التي ولد فيها صالح توفي ابنُها الرضيع، فكانت تذهب إلى البيوت وترضع كلّ طفل تجده باكياً أو جائعاً، وخصوصاً أبناء النساء اللواتي يذهبن إلى الفلاة أو الضواحي، وقد كانت تفعل ذلك دون مقابل أو أجر، حتى أصبح معظم شباب الحارة أبناءها بالرضاعة”. وتتابع الكاتبة رسم المشهد بقولها: “مات أطفالها جميعاً في سنّ صغيرة، ومات زوجها بعد أن لدغته أفعى سامّة وهو ذاهب إلى الفلاة. وبعد موت زوجها أتى أخوها وأراد أن يأخذها لتعيش معه، لكنّها رفضت وأصرّت أن تبقى في بيتها قائلة له: إنها بين أهلها وجيرانها، وستحيا وتموت في هذه الحارة التي أحبّتها وأحبّها أهلها وحفظت دروبها”.

    وقدمت الرواية وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس، فنقرأ في أحد المقاطع: “يطيب لرجال الحارة الذهاب إلى السوق، ليس للشراء فقط، وإنما للجلوس وتبادل الأحاديث على مصطبة طويلة مبنيّة بمحاذاة الجدار الذي يفصل ضاحية مرهون عن السوق. توقّع حمدان أنّه لن يعثر على السمك طازجاً، لكنّه سيبحث، وماذا سيضرّه أن يبحث، فخديجة تريد سمكاً، فكان كلّما مرّ على دكّان من الدكاكين يضحكون على طلبه الذي أتى في غير وقته”. وتصف الكاتبة في مقطع آخر إحدى الأكلات العمانية، فتقول: “طبخت خديجة ذلك اليوم مرق سمك وأضافت له الليمون وقليلاً من الفلفل وطبخت معه عيش مشخول من عيش (بو قضمة) الذي اشتراه صالح حين عاد في المرة الأولى بعد انتقالهم إلى بيتهم الجديد في الضاحية. حين عاد الأطفال من المدرسة، كانت رائحة مرق السمك تملأ المكان، اقتربت نَفَافَة من موقد الطبخ، فكانت النار خامدة تحت القدرين، فسال لعابها وركضت إلى أمها مستفسرة عن الغداء”.

    وكتب إبراهيم بن أحمد الصلتي عن الرواية قائلاً: “ستكون الروائية شريفة التوبي عندي بمثابة التشيلية إيزابيل الليندي صاحبة ‘سفينة نيرودا’ و’بيت الأرواح’ و’ابنة الحظ’ و’باولا’ والعديد من الروايات الخالدة. شريفة التوبي بعد رائعة ‘سجين الزُّرقة’ ها هي تقدم لنا رائعة من روائعها ستنال من الشهرة والحظوة ما نالتها سابقتُها”.

    يذكر أن هذه الرواية هي الإصدار الثاني لشريفة التوبي في مجال الرواية بعد “سجين الزرقة” التي صدرت عن “الآن ناشرون وموزعون” أيضاً في طبعتين خلال عامي 2021 و2021، وفازت بجائزة الإبداع الثقافي لأفضل الإصدارات لعام 2021م (الدورة الثانية عشرة)، التي تقيمها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء. وتناولت التوبي فيها قضية مجهولي النسب وموقف المجتمع منهم، ورصدت الجوانب المختلفة لهذه المشكلة الاجتماعية التي يتحمل تبعاتها أشخاص لا ذنب لهم.

    وصدر لشريفة التوبي إضافة إلى هاتين الروايتين ستة كتب في المقالات والقصص والنصوص والرسائل هي: “المقعد شاغر”، و”في قلبي شجرة”، و”نثار”، و”انعكاس”، و”سُعاد.. رسائل لم تصل”، و”عين السواد”.