يوميات عربي في بلاد الطليان.. “ذكريات تلتئم بعد أربعين عاماً”

يوميات عربي في بلاد الطليان.. “ذكريات تلتئم بعد أربعين عاماً”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “دنيا الوطن”

    يستعيد عوني هنداوي في إصداره السِّيَري “عربي في بلاد الطليان” ذكرياته التي جمعته، ومجموعة كبيرة من الشباب العرب، أثناء إقامتهم في إيطاليا بهدف الدراسة، خلال ثمانينيات القرن الماضي.
    ويقدم خلال استذكاراته تاملات فكرية ووجدانية يدمج فيها عالمين: عالم النشأة في البلد الأم؛ الأردن، وإيطاليا البلد المستضيف، متلمسا ملامح النقلة التي سببت في بعض جوانبها صدمات لم يكن من السهل تجاوزها، وأكدت في الوقت نفسه حضور المشترك الإنساني مهما اختلفت البلدان والملامح الحضارية.
    وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 480 صفحة من القطع المتوسط. وأشار الهنداوي في أكثر من مناسبة قدم خلالها كتابه إلى أن عمله هذا جاء نتيجة تراكم الذكريات التي توثق تجربة جيل بأكمله. وهو ينتهج فيه منهج
    البوح الذاتي بعد أن تراكمت الخبرات وابتعدت المسافة الزمنية، الأمر الذي يجعل الذكريات “صورا متقطعة تمر الواحدة منها بجانب الأخرى، ودون أن تفرض حضورها الكامل”.
    ورأى الكاتب والصحفي الأردني طلعت شناعة في تقديمه للكتاب أن عوني هنداوي يقدم في عمله هذا أحد الكتب التي تتناول علاقة الشرق بالغرب بشكل عفوي. وأشار إلى أن الكتاب ليس “مجرد صفحات تتناول حياة عدد من الطلبة الأردنيين الذين قضوا
    فترة هي سنوات الدراسة الجامعية في إيطاليا، لكنه يحوي في صفحاته إشكالية الاختلاف بين ما يمارسه زملاؤه وزميلاتهم، والأماكن التي تقع فيها أحداث الكتاب”.
    ونوَّه إلى أن الكاتب لجأ في مواضع كثيرة إلى “أسلوب السخرية لنقل التناقضات التي كشفت عنها بعض سلوكيات زملائه مع رفاقهم والعائلات التي امتزجوا معها”.
    ومن المقاطع التي يصف فيها الكاتب مدينة بيروجيا التي أقام فيها خلال سنته الدراسية الأولى:
    “بيروجيا تنهض من نومها، رائحة الخبز الطازج، والحمام المسافر في أركان ساحة الكاتدرائية. باصات التلاميذ بلونها الأصفر تمر من أمامي. سيدة برفقة طفلين منهمكة مثل كل أمهات الدنيا؛ خطاها سريعة، لم تقف طويلا أمام المرآة قبل خروجها. بدا ذلك واضحا من تسريحة شعرها.
    إلى جوار الحائط حيث ما زلت أجلس، رجل خمسيني تتدلى من شفتيه سيجارة بدون فلتر، يرتدي سترة لونها فوشي، وينهمك في فتح كشك لبيع الجرائد. زعقت فجأة سيارة اسعاف، امتلأت الساحة بالبشر ذهابا وإيابا، وبدأت طلائع الوجوه الوطنية
    بالتوافد”.
    ويقول في مقطع آخر يصف فيه المرأة الإيطالية: “مشاعرُ المرأةِ في هذه البلاد تجاه الرَّجل ليستْ نزوةً عابرة؛ هي بدايةُ تاريخٍ يُعلِن عن فرحِ القلب. يصيران واحدًا، يلتحمان في التَّفاصيل. تسألُك: “لماذا تسعلُ هذا الصَّباح؟”. لا تنسى تاريخَ ميلادك ولا برجك، تنفضُ عن قميصِك ما عَلِق من غصنِ وردة، وتتذكَّرُ أنَّك تشربُ القهوةَ من دون سكّر، وتقلقُ عليكَ حين ترتفعُ درجةَ حرارتِك.
    تسألُك: “هل تلقّيتَ رسالةً من أهلك؟ كلُّهم بخير، أليس كذلك؟”.
    تُخبرك أنَّ هذا اللونَ يليقُ بكَ أكثر، تُدافع عنكَ أمامَ العالم بحماسة، تتبنَّى مواقفك كلَّها ظالمًا كنتَ أو مظلومًا، تنمو في صدرِها معاني الأنوثة لكَ وحدَك، تصيرُ أنتَ قضيتَها!”.
    من الجدير ذكره أن عوني رافع الهنداوي كاتب صحفي، ومراسل غير متفرغ لعدد من وكالات الأنباء ومحطات التلفزة الأوروبية، وناشط في مجال التبادل الثقافي والنشاطات السياحية بين الأردن وإيطاليا. أنتج مجموعة من الأفلام الوثائقية عن الأردن، من بينها فيلم “لورنس العرب” (1995). وصدر له كتاب باللغتين الإيطالية والعربية بعنوان: “يا جدي احكِ لي حكاية” (2008).