“كوابيس شهر مختلف”.. نصوص بلغة مكثفة قريبة من وجدان المتلقي
عزيزة علي
عمان- تقول الدكتورة هدى فاخوري، على غلاف كتابها الذي صدر بعنوان “كوابيس شهر مختلف”، وهو مجموعة نصوص “أفكاري تنبثق فجأة كأنها كوابيس حياة! أحولها إلى نصوص وأخطها على الورق لأرتاح! يقرؤها أفراد قد يستحسنون ما كتبت، وقد لا يحبون جنوني! أنا أكتب في لحظة مجنونة تلح علي ولا استطيع فكاكا منها! وأنت يا قارئي لا تقرأ ما أكتب إلا إذا أصابك بعض جنوني.. وقد يكون في هذا خلاصك، وقد لا يكون”.
تضم المجموعة عددا من النصوص هي “كابوس الخلود، كابوس الحلم.. حُلمٌ لم يُرَ، كابوس الخوف، كابوس الحرية، كابوس الوحدة، كابوس المرآة.. خوف من الزمن، كابوس الإيمان.. قوة الأسطورة، كابوس العمر.. سنوات أم أيام، كابوس المرض.. خلل مصنعي، كابوس اللامبالاة، ذات ظهيرة.. خزّان الذكريات، كابوس النوم، كابوس الانتماء، كابوس الجوع، كابوس الامتحان، كابوس الهجرة، كابوس النمل، كابوس الأجهزة، رغبات مكبوتة”.
كتب مقدمة للمجموعة التي صدرت عن الآن ناشرون وموزعون، الزميل والناشر جعفر العقيلي تحت عنوان “كوابيس هدى فاخوري: العنوان وضدُّه”، يشير فيها إلى أن فاخوري في هذه المجموعة تنهل من معين تجارب ومواقف خاضتها أو اشتبكت معها خلال مسيرتها الحياتية، فمنها ما عاشته أو عاينته، ومنها ما قرأت فيه أو عنه، ومنها ما كان نتيجةَ التأمُّل في الإنسان ومغزى الوجود.
ويقول العقيلي إن فاخوري نجحت في تنظيم مفردات تلك التجارب والمواقف -على تعددها- جنباً إلى جنب، لتكوّن منها لوحات متناغمة محكمة التفاصيل، تقدم رؤى مغايرة للواقع وحركة الكائنات فيه.. رؤى تنطلق من حاجة نفسية ورغبة في إعادة تشكيل مجريات الحياة وأحداث الأيام من منظور أنثوي خلّاق ينحاز إلى الإنسانية، وينطلق من الذاتي إلى الموضوعي، ومن الخاص إلى العام، مصطحباً المتلقي لاجتياز سراديب الحياة ومتاهاتها، وخلال ذلك تندلع الاسئلة وتتوالى، دون أن تعنى الكاتبة بالإجابة عنها جميعاً.
وعن النصوص التي جاءت في هذا الكتاب، يبين العقيلي “تتضافر فيها الجوانب الاجتماعية والسياسية والإنسانية والفكرية، بما يؤكد أثرَ كل جانب في البقية وتأثّره بها، وصولاً إلى رؤية بنيوية تُظهر المعمار المحكم والمتماسك للنص الواحد من جهة، والنسيج متناغم الإيقاع لنصوص الكتاب جميعها من جهة أخرى. ليكون المتلقي على موعد مع نصوص أدبية قادرة على البوح بما تمور به النفس البشرية من مشاعر وأفكار وخيالات خلال بحثها المحموم عن معنى وجودها وطريق خلاصها الفردي أملاً في أن يفضي هذا البحث إلى حالة سامية من الخلاص الجماعي”.
ويعتبر أن فاخوري تبثّ رؤيتها الصافية في نصوصها، مؤسِّسةً حالةً من الوعي بفداحة ما ارتكبه الإنسان بحق نفسه من جرائم كانت السبب في ضعضعة الصورة الجميلة للعالم/ الصورة الحلم، كما أنها تحتشد النصوص بالمعاني التي تشجب الضعف والهزيمة، وتُظهر الشفقة ممزوجةً بالقلق على مصير الإنسان، وتتأمل في معاني الموت والبقاء والحرية والعبودية ومرور الزمن وتبدلاته.. وتجنح هدى فاخوري خلال ذلك إلى الرمز لتعبّر عن المعاني الكبرى، وعن الواقع متشابك الأغصان كما تراه الساردة وتشعر به.
وعن اللغة، يقول العقيلي “تتسم هذه النصوص بلغة مكثفة قريبة من وجدان المتلقي، وبتناولها الكثير مما يدور في الذهن من أفكار، وما يتملك القلب من مشاعر وخواطر وانفعالات، وهي تفيض بالإحساس المرهف والواعي بالمكان والزمان وحدود كلّ منهما وتخومه؛ إذ تعاين الكاتبة المسافة بين الماضي والحاضر والمستقبل، يقودها الحنين لزمن ذهب ولن يعود، ويلازمها وعيٌ بمجريات يومها الحاضر، وتحدوها نظرة أمل نحو المستقبل رغم خوفٍ لا يمكن إخفاؤه من قادمٍ مجهول. وهي في كل ذلك كمن يقف على حافة الخيال ليطلّ على الواقع، متنقّلةً من بساطة الفكرة إلى عمقها، ما جعل نصوصها قادرة على الانفتاح على فضاء التأويل والتحليل ومخاطبة العقل والوجدان معاً”.
كما يشير الى التنوع الذي يتجلى في النصوص ليكشف عن قدرة فاخوري على توظيف المفردات من بستان اللغة بصدق وعفوية، مظهرةً العلاقة الضدّية بين الواقع والخيال، والحلم والحقيقة، والسعادة والتعاسة، والراحة والشقاء، ضاغطةً بإصبعها على الجرح -وهي التي درست الطب ومارسته على مدى عقود- أملاً في شفاء الكائن من أمراضه ليتمكن من الانتصار للجمال ومواجهة القبح. وهي تستعين بأمثلة بسيطة لتعزيز فكرتها، كما في استشهادها بحركة النملة المجتهدة التي لا تكلّ ولا تهدأ في رحلتها الدؤوبة لتحقيق الاستمرارية لها ولأفراد جنسها على هذا الكوكب.
وتحدث العقيلي عن اللوحات الفنية التي توجد داخل هذا الكتاب، وهي للفنانة الشابة لين فاخوري معبرة عن روح النصوص وأجوائها هي أبعد ما تكون عن الكوابيس؛ أي أن العنوان الذي اتخذته المؤلفة لكتابها ما هو إلّا محاولة لتوريط القارئ ودفعه إلى الإبحار معها، ذلك أن كتابة هدى فاخوري هي كتابةُ الأمل، وفي حرفها إشراقةٌ وتفاؤل، وفي ممارستها العملية ومواقفها خيرُ مثالٍ على احتفائها بالحياة وتمسُّكها بالحلم.
ويخلص العقيلي إلى أن هذا الكتاب هو رحلة مشوقة تُثار فيها الأسئلة عن غاية خلق الإنسان، وتشكُّل حياته، وانتمائه وهويته، وحريته وتمرده، وإيمانه وأساطيره، وفنائه بالموت رغم خلود جيناته.. وبينما نحن نسير في ظلال النصوص، سنجد لذة السـرد ودهشة المعنى رفيقنا في الخطوات، ونصوص تؤكد أن المتعة الحقّة تكمن في السؤال، والمتعة الأكبر تكمن في عدم الوصول إلى إجابة!.
ويذكر أن الدكتورة هدى فاخوري حاصلة على درجة البكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان من جامعة القاهرة، تعمل منذ تخرجها طبيبة في مجال تخصصها، وهي عضوة في العديد من النقابات مثل عضو في: نقابة أطباء الأسنان، رابطة الكتاب الأردنيين، الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، اللجنة التنفيذية للمجابهة وحماية الوطن، المؤتمر القومي العربي، لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع النقابية، هيئة تحرير مجلة “براعم عمان”، للأطفال الصادرة عن أمانة عمّان الكبرى، نُشر لها عدد من قصص الأطفال في مجلة “براعم عمّان”، أمانة عمّان الكبرى، نُشـر لها قصص للأطفال في مجلة “حاتم”، المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، أشـرفت على إصدار 51 نشـرة غير دورية من نشـرة “المجابهة” التي تعنى بقضية مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني بعد توقيع معاهدة وادي عربة، شاركت في فعاليات ثقافية ونقابية داخل الأردن وخارجه. صدر لها في مجال أدب الاطفال العديد من المؤلفات منها: “قصة الأسنان”، “أسنانك.. رمز الشباب، حافظ عليها بالوقاية”، “السنونية وقصص أخرى”، “صديقتي شجرة اللوز”، “أيام صبا الباسمة”، “اللؤلؤة دانة”، “سامية وشقيقتاها”، “حكايات العمة عربية”، “حديث الحروف”، “سراج الحصادين”، كما صدر لها في مجال القصة القصيرة المجموعات التالية: “حديث المرايا والكوابيس”، “دوائر الحب والودّ”، وفي مجال الثقافة والفكر، صدر لها “انطـبـاعات فـي التجـربة الانتـخابية ومقالات أخـرى”، “ما يشبه النضال، سيرة”، “ذكريات حياة مشتركة.. سلوى ويعقوب زيادين، سيرة”.