دنيا الوطن
(حلاوتهم، وست الحسن، وجميلة)، ثلاث سيدات جميلات، التقين معًا بين ألوان لوحة فنية خالدة، وسطور رواية تشكيلية متفرّدة، جمعهن الفنّان التشكيلي والمثّال المصري العالمي محمود سعيد في لوحته المشهورة “بنات بحري”، والكاتب والصحفي والناقد والشاعر المصري أحمد فضل شبلول في روايته “اللون العاشق”، الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون والتي سيقام عنها ندوة حوارية في منتدى الرواد الكبار في في العاصمة الأردنية عمّان.
لوحة “بنات بحري”، التي يصوّر فيها محمود سعيد ثلاث فتيات من رأس التين المعروف بحي بحري بالملاءة اللف السكندرية السوداء الخفيفة الشفَّافة، التي تشفُّ بوضوح عمّا تحتها من ملابس، استثارت الروائي في أحمد فضل شبلول، ليتناول من خلالها سيرة متخيّلة لمحمود سعيد (1897-1964)؛ الفنان المصري المعروف، الذي يعدّ أحد روّاد الفن التشكيلي في الوطن العربي.
فيجعل أحمد فضل شبلول “حلاوتهم” في منتصف اللوحة، وهي السكندرانية صاحبة الشخصية القوية المسيطرة والمدمِّرة، المصابة بعقدة بومبادور النفسية، ودي بومبادور سيدة أرستقراطية مثقفة، أثّرت بشكل كبير في الحياة الثقافية والفنية والسياسية في البلاط الفرنسي، وكانت عشيقة لويس الخامس عشر، وقد قام الفنان الفرنسي فرانسوا بوشيه برسم لوحة لها، وقد اطلعت “حلاوتهم” على هذه اللوحة في مرسم الفنان محمود سعيد، وأعجبت بها إعجابًا شديدًا، وتمنت أن تصبح مثلها، لا سيما أن الفنان التشكيلي المصري بدأ يرسمها مثلما رسم بوشيه الماركيزة دي بومبادور. وعلى يسار” حلاوتهم” في اللوحة جعل شبلول “ست الحسن” الرقيقة، ذات الجمال الهادئ والأصول الصعيدية، التي تتغنى دائمًا بأغاني سيد درويش، وعلى يمينها “جميلة”، اليهودية، ممثلة المسرح، التي أرادت أن تتحول إلى السينما، إلا أن أداءها المسرحي كان لا يتناسب مع التمثيل في السينما، وهاجرت في نهاية الأمر إلى إسرائيل.
تخرج الجميلات الثلاثة من اللوحة التشكيلية، ويتشابكن مع الفنان ومع الحياة التي يعاصرنها في مناحيها المختلفة، مما يُكسب الرواية بُعدًا إنسانيًا وجماليًا خاصًا، فضلًا عن الأبعاد السينمائية والأدبية والفنية الأخرى التي تزخر بها الرواية التي تُعدُّ أحد أضلاع مثلث العشق في أعمال المؤلف: (الماء العاشق، الحجر العاشق، واللون العاشق).
لم تقتصر رواية “اللون العاشق” على جميلات بحري الثلاثة، إنما نجد فيها شخصيات أدبية وفنية عاصرها محمود سعيد من أمثال: توفيق الحكيم، والمخرج السينمائي محمد كريم، والموسيقار محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وأحمد رامي، وليلى مراد، وشقيقها منير مراد، والمثّال محمود مختار وغيرهم، فضلًا عن وجود بعض الرّسامين أمثال بيكاسو، وسلفادور دالي، وشخصيات أخرى، وقد أعطى الكاتب كل شخصية من شخصيات الرواية، لا سيما بطلاته الثلاثة حريتها في أن تحكي عن حياتها، وتستفيض في ذلك.
وقد تعددت الأماكن في الرواية لتشمل الإسكندرية، والقاهرة، والمنصورة، وباريس، ولندن، وغيرها من المدن التي كان يتردد عليها محمود سعيد للعيش، والإقامة، والسياحة، والتعليم، وذلك حتى عام (1935)، العام الذي رسم فيه لوحته “بنات بحري”، وتوقفت فيه أحداث الرواية.
ولا شكَّ أن الكاتب رجع إلى الكثير من المصادر والمراجع والكتب والمجلات والجرائد لينقّب فيها عن خبر أو مقال أو صورة أو كلمة تفيده أثناء كتابة الرواية، التي أهداها إلى محمود مختار متخفّيًّا وراء اسم محمود سعيد؛ اعترافًا بفضل مختار علي سعيد، فكلاهما كانا من الرواد الأوائل في الفن المصري الحديث.
“اللون العاشق” بتناولها سيرة محمود سعيد، رواية غنية بعالم الفن التشكيلي وتاريخه وتأثيره وألوانه وإيحاءاته، ومما يميّزها أيضًا أنها احتوت على ملزمة ملونة للوحات والتماثيل التي ورد ذكرها في متن الرواية، وفضلًا عن أهميتها هذه، فهي مغرية بالقراءة إذ تتناول سيرة شخصية فنية حقيقية، مازجة في سردها بين الواقع والمتخيّل، مما يجعلها تتجاوز التأريخ، وتدخل في تشويقية الإبداع.
يشار إلى أن الندوة الحوارية ستكون في السادسة من مساء يوم الثلاثاء 17 الشهر الجاري بمشاركة الناقد والفنان التشكيلي حسين نشوان وبإدارة القاصة سحر ملص.
يذكر أن أحمد فضل شبلول من مواليد الإسكندرية، تخرّج في كلية التجارة جامعة الإسكندرية، حصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة، شعبة الدراسات الأدبية والنقدية عام 1999 عن بحثه “تكنولوجيا أدب الأطفال”، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 2007، له ثلاثة عشر ديوانًا شعريًا مطبوعًا، آخرها: “اختبئي في صدري” 2017، وأصدر ثمانية كتب للأطفال آخرها ديوان “أحب الحياة” 2017، وفي الدراسات الأدبية والنقدية له تسعة عشر كتابًا مطبوعًا آخرها: “محيط وخليج .. عشرون رواية عربية”، وفي الرواية، صدرت له “رئيس التحرير” 2017، و”الماء العاشق” 2018، وحصل مؤخرا على جائزة الدولة للتفوق في الآداب لعام 2019.
أصدر بعض المعاجم العربية منها: معجم الدهر، ومعجم أوائل الأشياء المبسط، ومعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين، وترجمت بعض أعماله الشعرية ومقالاته إلى العديد من اللغات الحية.