يرى د. رامي ملحم في كتابه الجديد “الحكم الرّشيد.. التّحول والسيرورات” والصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، أن مصطلح الحكم الرشيد من المصطلحات التي لا تحمل دلالة قطعية، وإن كان المصطلح ليس إشكالياً ﰲ حد ذاته، ويرتبط المفهوم بطبيعة البيئتين السياسية والاجتماعية وبمجمل المتغيرات الحرجة ﰲ الدولة.
ويسعى ملحم في كتابه إلى رصد فكرة الحكم الرشيد وتطور المفاهيم المتعلقة بهذا الفعل، ليخلص إلى أن الحكم الرشيد مجموعة قيم ومبادئ تتعلق باتخاذ القرارات نحو توجهات المجتمع ومؤسساته المختلفة، كما يتضمن التفاعلات ضمن الهيكليات التنظيمية التي تحدد شكل السلطة وكيفية اتّخاذ القرارات، وكيفية تعبير المواطنين، ومن يهمهم الأمر عن وجهات نظرهم؛ لذا فإنها تتعلق بالسلطة، كما تتعلق بالعلاقات والمساءلة: من له التأثير؟ من يتخذ القرار؟ وكيف تتم مساءلة من يتخذ القرار؟
ويؤكد ملحم أنه لا يمكن بحال تحقيق الحكم الرشيد إلا بمشاركة متكافئة ومتوازنة بين الحكومة ومؤسساتها من جهة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة من جهة أخرى، وفي ظل رقابة شعبية تقوم على النزاهة والشفافية. وإن إقامة بيئة جاذبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامتين أمر لا يمكن فصله عن نوعية الحكم؛ التي تؤثر أيضا ﰲ النشاط الاقتصادي.
ويقدم ملحم في كتابه الحكم الرشيد اثنا عشر أساساً يقوم عليها الحكم الرشيد ﰲ الدولة، ويشرح ويفصل كل واحد منها في باب مستقل وهي: المشاركة السياسية. الشرعيّة. الشفافيّة. مكافحة الفساد. دورية الانتخابات وتداول السلطة. المساءلة والمحاسبة. الاستقرار السياسي. سيادة القانون. فاعلية الحكومة وقدرتها على الاستجابة لتوقعات المواطنين. جودة التشريعات. الممارسة الديمقراطية وصيانة الحريات. استراتيجية نشر الثقة.
ويسرد ملحم أهم الأسباب التي دعت لتنامي الاهتمام بالحكم الرشيد، مستعرضا الأطراف المعنية بتنفيذ فكرة الحكم الرشيد حيث يتوافق معظم الباحثين أن هناك جهتين رئيسيتين تساهمان ﰲ عملية تحقيق الحكم الرشيد ﰲ الدولة، وهما: الجهات الحكومية، والمتمثلة ﰲ هيئات السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. والجهات غير الحكومية، والمتمثلة ﰲ منظمات المجتمع المدني، وجماعات الضغط والمصالح والأحزاب السياسية، والمواطنين.
ويختم ملحم أنه لا يمكن تصور وجود حكم رشيد لا يمر من طريق الممارسات الديمقراطية وآلياتها، التي تؤسس مدخلاته، وتنتج مخرجاته بصورة أكثر عدالة، بالتالي تضمن استقراره. إنّ صيانة الحريّات السياسية أهم أساس تستند إليه الممارسة الديمقراطية، وضمان حريات الأفراد أحد أهداف عملية التنمية الشاملة ﰲ الحكم الرشيد، ثمّ أن توافرها هو المقياس الذي بواسطته يراقب أطراف عملية التنمية تحققها ﰲ المجتمع؛ فتصبح حقوق الإنسان ومدى تمتع الأفراد بها هي المحك ﰲ عملية التنمية المستدامة.
ويرى ملحم أن غياب الحكم الرشيد معضلة كبيرة، لها آثار سلبية جسيمة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافّة ﰲ الدولة، ويؤثّر غياب الحكم الرشيد سلبّاً على جميع الصعد الفردية والمحلية والإقليمية والدولية. وعند تتبع أداء الكثير من الديمقراطيات الناشئة والاقتصاديات الصاعدة نجدها تفشل ﰲ التمسك بالحريات الأساسية، وتعاني من تفشي الفساد وسوء البنية الأساسية، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وانتشار الأمراض، وظهور العنف ﰲ بعض الأحيان؛ ذلك لأنها خالية من المؤسسات القابلة للمحاسبة والمساءلة، كما أنّ غياب الحكم الرشيد هو المسؤول عن فشل الكثير من الدول على الرغم من المبالغ المالية الهائلة التي تلقتها بصفة مساعدات أجنبية.