دلالات العنوان في رواية “العبور على طائرة من ورق”

دلالات العنوان في رواية “العبور على طائرة من ورق”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    مصطفى القرنة

    تمثل رواية “العبور على طائرة من ورق” للكاتبة زينب السعود دراسة أدبية عميقة لتجربة طلاب عائدين من أوكرانيا بعد أن حالت الحرب دون إكمالهم لدراساتهم. تعكس الرواية بشكل مؤثر واقعاً مريراً، بالإضافة إلى الصراع الداخلي الذي يواجهه الطلاب في مساعيهم الأكاديمية والشخصية بعد العودة إلى وطنهم.
    في خضم الحرب التي اجتاحت أوكرانيا، يجد مجموعة من الطلاب أنفسهم مجبرين على العودة إلى وطنهم بعد أن توقفت دراستهم في الخارج. الرواية تقدم نظرة مفصلة في قصص هؤلاء الطلاب، مع التركيز على التباين بين أولئك الذين نجحوا في معادلة ساعاتهم الدراسية واستكمال تعليمهم في وطنهم، وأولئك الذين عانوا من الإخفاق والعوائق.
    تستعرض الرواية التأثير العميق للأحداث السياسية على النفسية الفردية. تصور الكاتبة بمهارة كيف أن العودة من أوكرانيا، بلد الحرب، كانت بمثابة ضربة مزدوجة للطلاب؛ فقد فقدوا الأمل في تحقيق طموحاتهم الأكاديمية وواجهوا مشكلات في توثيق معارفهم. الضغط النفسي والإحباطات الناتجة عن هذه التجارب تظهر بوضوح من خلال شخصيات الرواية، حيث يعكس الحزن والفشل أبعاداً أعمق تتجاوز مجرد الإخفاق الأكاديمي.
    من خلال رواية قصص الطلاب المتباينة، تعكس الرواية تحديات مختلفة تواجه الأفراد بناءً على تجربتهم الفريدة. الطلاب الذين تمكنوا من استكمال دراستهم بعد معادلة ساعاتهم الدراسية يواجهون عقبات جديدة تتعلق بملاءمة المناهج الأكاديمية وتوافقها مع ما درسه في الخارج. بينما أولئك الذين لم يتمكنوا من إكمال دراستهم يعانون من تحديات أكبر، تتراوح بين الاعتراف بشهاداتهم إلى استعادة الثقة في أنفسهم. الرواية تتعمق في هذه التباينات لتبرز كيف أن كل فرد يعيش تجربة خاصة به تتأثر بشكل كبير بالظروف.
    بالنسبة للعنوان، فقد قمت بتفكيكه للوصول إلى دلالات هذا العنوان ومعانيه لمعرفة ما تود المؤلفة قوله.
    في عالم اللغة العربية، يُعد الفعل “عبر” جسراً يربط بين الضفتين، ولكنه أكثر من مجرد رابط مادي؛ فهو مفتاح لدخول عوالم متعددة من المعنى والدلالة. “عبر” ليس فقط طريقاً للانتقال من مكان إلى آخر، بل هو نافذة تطل على تجارب عاطفية وفكرية تتجاوز الحدود المادية.
    تبدأ رحلة الفعل “عبر” عند حدود النهر أو الشارع، حيث يتجلى معناه البسيط والمباشر في حركة مادية، كمن يعبر جسراً أو يمر عبر درب. لكن، كما كل رحلة، هناك تحولات غير مرئية، حيث يصبح “عبر” رمزاً للانتقال عبر التحديات والصعوبات. هنا، يتحول الفعل إلى مرشد يُرشدنا عبر متاهات المشاعر والعقبات، تعبيراً عن التغلب على المحن.

    ثم يتسع الأفق، ليكشف لنا “عبر” عن وجه آخر، حيث يُستخدم لتصوير حالات من التعبير العاطفي والفكري. هنا، يُصبح “عبر” أداة للتواصل، تعبّر عن الأحاسيس والمشاعر، كما في “عبّر عن استيائه” أو “عبّر عن أفكاره”. يتخذ الفعل بُعداً شعرياً يصف رحلة داخلية تسير بعيداً عن اللمس والمرئيات، نحو عالم الأثر العاطفي.
    بذلك، يحمل الفعل “عبر” بين طياته قصة متعددة الأبعاد، تجسد مرونة اللغة وقدرتها على تطويع الكلمات لتتناسب مع تنوع تجارب الإنسان. هو سفر ممتد، يعبر بنا من الأفق المادي إلى أبعاد فكرية وعاطفية، مذكراً إيانا أن الرحلة عبر الكلمات ليست أقل أهمية من الرحلة عبر الأماكن.
    تعتمد الكاتبة على أسلوب سردي يعزز من فعالية تجربة القارئ، باستخدام تقنيات السرد الداخلي والحوارات المفعمة بالعاطفة لتقديم مشاهد حية تعكس معاناة الشخصيات. اللغة التصويرية تُستخدم بشكل بارع لتسليط الضوء على تأثير الحرب على الأحلام والطموحات، مع التركيز على تفاصيل دقيقة تعكس الجوانب الإنسانية للأزمة.
    رواية “العبور على طائرة من ورق” تقدم دراسة أدبية مؤثرة لتجربة الطلاب العائدين من أوكرانيا، موضحة الصعوبات التي يواجهونها عند محاولة إعادة بناء حياتهم الأكاديمية والشخصية في ظل الأزمات السياسية. من خلال تقديم رؤى متعددة عن النجاح والفشل، والضغوط النفسية والاجتماعية، تعكس الرواية عالماً معقداً من التحديات والتطلعات التي تتجاوز حدود التجربة الأكاديمية إلى عمق التجربة الإنسانية