أ. مهدي نصير
قرأتُ بالأمس نوفيلا ” الخرُّوبة” للصديق رشيد النجَّاب عن “الآن ناشرون و موزعون” (2024) ، و هي روايةٌ قصيرةٌ تقع في 112 صفحة و تروي هذه الرواية سيرة عائلة فلسطينية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين و حتى نهاية حكم الدولة العثمانية عام 1918، و هي سيرة جد المؤلف رشيد عبد الرحمن النجاب.
الراوي في هذه الرواية هو الراوي الحفيد رشيد و يروي ما تجمع وترسَّب في ذاكرته من سيرة رحلة جده رشيد من قرية جيبيا من قرى رام الله إلى التجنيد العثماني أثناء حرب البلقان و العالمية الأولى، و قصة عودته مع نهاية الدولة العثمانية إلى قريته “جيبيا” ليبدأ بتأسيس أسرته و رعاية أمه و أختيه بعد رحيل والده عبد الرحمن في بلدة العباسية في يافا في هجرتهم الأولى نتيجة القحط والفقر من جيبيا إلى يافا.
لغة الرواية لغة رشيقةٌ فصيحةٌ بلا تكلف يمتزج معها اللهجة و الأمثال و الحكايات الفلاحية الفلسطينية في اسلوبٍ بسيطٍ و مشوّق.
الرواية كانت في جوهرها رحلة فرع القطار الحديدي الحجازي الفلسطينية و هو الفرع الذي يربط دمشق بفلسطين عبر كل قرى و بلدات فلسطين عبر القدس و رام الله وجنين و سهل مرج ابن عامر و طولكرم و بيسان و العفولة و جسر بنات يعقوب (جسر المجامع الحديدي) الذي يربط مسار القطار فوق نهر الأردن باتجاه الحمة و حوض اليرموك وصولا لدرعا حيث يلتقي هناك بالخط القادم من عمَّان والحجاز باتجاه دمشق، هي رحلة المجند العثماني الفلسطيني خلال جغرافية فلسطين و قراها و خصبها، كان حضور المكان الفلسطيني غزيراً و مقصوداً في هذا الرواية حيث حضرت جيبيا و كوبر و بيرزيت و أم الصفاة و برهام و القدس و سلواد و يافا و حيفا و العباسية و رام الله و جنين و اللد و الرملة و طولكرم و مرج ابن عامر و بيسان و العفولة و حضرت معها أماكن و تراث هذه البلدات و المدن و القرى: مقام بايزيد البسطامي و أحراش النبي صالح و مقام برهان الدين و مقامات الاولياء الصالحين و آثار من سكنوا هذه البلاد و أشجارهم العريقة و منها خروبة الانتظار التي أقامت بها مِصلِحة ام رشيد في انتظار عودة رشيد من التجنيد العثماني.
تنتهي هذه الرواية بعودة رشيد بزيِّه العسكري إلى بلدته جيبيا ليبدأ حياةً جديدةً مليئةً بقادمٍ مليءٍ بالنكبات.
هذه الرواية كما أتوقع هي الجزء الأول من سيرة عائلةٍ فلسطينيةٍ ممتدةٍ عبر تاريخ فلسطين وأتوقع كذلك ان يكون الجزء الثاني هو سيرة رشيد الجد وابنيه عبد الرحمن وسليمان بعد عودة رشيد الجد إلى جيبيا وبروز الصراع مع العدو الأشرس في تاريخ فلسطين العدو الصهيوني الذي ما زال جاثماً على أرض فلسطين ويمزقها ويدمرها ويحولها لمستوطنات لشذَّاذ آفاقه المجرمين.
أبارك لصديقي رشيد النجَّاب روايته الجميلة “الخرُّوبة” وأنتظر متابعة كتابة هذه السيرة العائلية الهامة لعائلة فلسطينيةٍ عاشت وما زالت تعيش كلَّ هذه التحولات المأساوية في فلسطين.