صفاء الحطاب
كتب الدكتور محمد عبد الكريم الزيود روايته “فاطمة” عن المكان الذي عرفه بقلبه واختزن تفاصيله بعقله، فجاءت الرواية وكأنها مصباح يضيء على مناطق مظلمة من جغرافية الأردن “مدينة الزرقاء والقرى المحيطة” وفي فترة تاريخية محددة، بين منتصف الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، لتروي قصة البسطاء في مواجهة صعوبات الحياة وتعقيدات السياسة والجغرافية، بحبكة بطلتها فاطمة الفتاة اليتيمة التي تروي لنا حكايتها بكل تفاصيلها المحزنة والمفرحة منذ ولادتها حتى كهولتها، في فضاء مكاني يشاركها البطولة الدرامية بامتياز، فالقرى الواقعة حول سيل الزرقاء كانت حاضرة بأوديتها وكهوفها ومسالكها وطرقها وأراضيها وأشجارها، لينسج الكاتب تاريخ المكان والإنسان، ويروي لنا جزءا من حكايتنا نحن، عبر القصص المتقاطعة مع قصة فاطمة، التي تشكل الخط الناظم لكل الأحداث التي مرت بها عبر رحلة حياتها.
قام الكاتب بدور حارس الذاكرة، والقيم على إحياء تراث أردني غير مادي مهم وعميق، يكاد يغيب عن وجدان الجيل الحالي من قيم وعادات وطقوس ومعتقدات وممارسات اجتماعية، مما يجعلها رواية مكانية اجتماعية، مقدمة بلغة عالية، يغلب عليها الوصف والصور الفنية، واستثارة خيال القارئ، ومشاركته الحدث، فقد جعلنا نمسح دمعة فاطمة عندما بكت أخاها “حميدان” العريس الذي مات في صباح يوم زفافه، وشاركنا أهل القرية في محاولة إطفاء النيران التي التهمت بيدر “حسين” خال فاطمة، ووقفنا مع “أم علي” على المطلاع انتظارا لابنها “علي” الشاب الفتي، المنضم للجيش بشجاعة الرجال، وفقر الزمن، والذي نال شرف الشهادة على ثرى فلسطين، في لحظة وطنية صادقة برغم الألم؛ عشناها مع أبيه وهو يرفض تقبل العزاء، قائلا بأن علي لم يمت؛ بل “هو نايم عند أهله في فلسطين”.
استطاع الكاتب أن يخاطب وجدان المتلقي بإثارة الحنين لتلك الذاكرة الجمعية، وأن يخاطب عقله بالمحتوى المعرفي الدقيق المتضمن في هذه الرواية، وكان الفاصل بين الخطابين في كل صفحة خط الهامش الذي يفصل متن الرواية عن هامشها المعرفي التفصيلي، الذي أعاد الحياة إلى تلك المنطقة في فترة زمنية طواها البعد؛ لكنها بقيت حاضرة في وجدان أبنائها المخلصين.