رشدي عرقوب
(كاتب جزائري)
“أركادي أفيرتشينكو” كاتب روسي اكتشفه مؤخرا، يكتب أدبا ساخرا، وهو لون أدبي مميز يحتاج إلى الموهبة، بسبب قدرته الكبيرة على التأثير على القارئ.. وهو يكتب ليس من أجل الإضحاك فقط، بل لنقد الواقع البرجوازي والاشتراكي في روسيا القيصرية.
درس “أفيرتشينكو” في مدرسة الصم والعمي، لأنه لم يكن يرى ويسمع جيدا، عمل في المناجم الحجرية، امتهن في مجلة “خاركوف” الساخرة، وعارض روسيا السوفياتية بعد الثورة البلشفية سنة 1917، هاجر بعدها، وظلت أعماله ممنوعة في الاتحاد السوفياتي إلى غاية سقوطه.
ومؤخراً، صدرت ترجمة عربية لكتاب قصصي لـ”أفيرتشينكو” حملت عنوان “روسالكا” (تعني “حورية البحر” باللغة الروسية)، وقد خصص الكاتب لهذا العنوان قصة مضحكة عن حوريات البحر مع مجموعة من الصيادين. قصص ساخرة ومضحكة كتبها “أفيرتشينكو”، إذ نجد أن هناك قصصاً تتحدث عن المرأة، تلك التي يستفزها الكاتب ويجعل منها مجرد أداة للسخرية، سواء كانت زوجة أو مربية، ويعود هذا لفشل علاقة الحب التي جمعته بـ”ألكسندرا سادوفسكايا”
يقول “راي برادبري”: “لا تحاول كتابة رواية، اكتُب قصصاً قصيرة، ثم اكتشف كيفية ربطها بعضها ببعض”، وهذا ما فعله “أفيرتشينكو”، ففي قصته الأولى “صداقة” يترك أحدُ رجال الجيش صديقه المخلص ليحرس له زوجته لحين عودته، لكن صديقه المخلص حشر أنفه في حياة زوجته واصفاً إياها بالخائنة، لأنها تود الذهاب وحدها إلى الشارع أو المطبخ أو غرفة النوم، لذا يصرّ على أن يرافقها إلى كل مكان تذهب إليه حتى لا تقوم بالخيانة. القصة مضحكة، وهنا سيكتشف القارء الأسلوب الساخر للكاتب.
هذا ما يتكرر في معظم القصص التي كتبها “أفيرتشينكو”، إذ عرف كيف يربط قصصه بعضها ببعض ويسقطها على الواقع الذي عاشته روسيا بعد ثورة أكتوبر من حيث تعدد الأحزاب وظهور سياسة المصالح الأوليغارشية التي تميز بها السياسيون في ذلك الوقت، وبما أن الكاتب كان رجلاً أبيض، فهذا يعني اختيار الوقوف في وجه الرجال الحُمر.. وما قصصه سوى اسهتزاء بالقيمة التي أضافوها للواقع الروسي من خلال الشخصيات التي حضرت في قصصه.
وعلى خطى غوغول وتشيخوف وتولستوي وكل من كتب القصة في روسيا، انطلق “أفيرتشينكو” في كتابة قصصه الأولى التي صدرت مترجمةً إلى العربية على يد د.باسم الزعبي، في مجموعة بعنوان “ذات مساء”. وتتكون قصص “روسالكا” التي ترجمها الزعبي أيضاً محاكياً أجواءها باقتدار، من 17 قصة (الآن ناشرون وموزعون، 2022). ومن أفضل القصص في المجموعة: “السيرة المرضية للسيد إيفانوف”، وهي تتحدث عن الأحزاب التي لا تنفك عن الظهور في روسيا، وعن الرجال الذين يجيدون حشر أنفسهم في كل شيء، حتى في حياتك التي تكون في العادة بلا معنى.
هذه القصص مثيرة وساخرة ومضحكة، عرفت كيف تنقل الواقع الذي نعيشه رغم مرور الكثير من السنوات على كتابتها، فالدستوبيا الموجودة فيها تجعلنا نحب الأدب الروسي وكتّابه دائماً.
نُشر في (الرأي الأردنية)
23/7/2023