أحمد الشيخاوي
وثّق أحمد أبو خليل في كتابه “شاهد على الفقر” ملامح من حياة الفقراء في المجتمع الأردني عبر جولات دراسية ميدانية. ويركّز على موقف الفقراء من فقرهم، ومبادراتهم الذاتية لمكافحته. ويقدم صوراً من المجالات الثقافية والاجتماعية والمعيشية لهم.
والكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، جاء في ثلاثمئة وخمس وخمسين صفحة من القطع المتوسط، ورسمت لوحة غلافه الفنانة دانا أبو خليل، وهو يحوي أربعة فصول، يتناول الأول منها العاصمة عمّان، وتحديثاتها التي يصفها أبو خليل بأنها معادية للفقراء، وذلك من خلال تقديم وصف اجتماعي لوسط العاصمة ولأسواقها الشعبية ومولاتها وعمال المدينة ووجهة نظر الفقراء في عاصمتهم.
ويأتي الفصل الثاني بعنوان “ما حكّ جلدَك مثل ظفرك” وفيه يتطرق الكاتب إلى عناوين كثيرة من بينها الطريقة التي يتشكل بها الفقر في الأردن، ورصد قضايا بيئية مثل التلوث الذي تعاني منه منطقة الهاشمية في مدينة الزرقاء، وهموم العاملين في قطاعات صغيرة كصناعة الجفت وحراس البنايات والمسترزقين من قطاع السياحة.
وتبرز في الفصل الثالث احتجاجات الفقراء واستجابة الجهات المعنية لهم، إذ يتناول الكاتب مجموعة من القضايا التي نالت نصيباً من الاهتمام خلال السنوات الأخيرة، مثل تجربة عمال المياومة ومحاولتهم تشكيل إطار جامع لهم يعبّر عن قضاياهم، والإضرابات التي نفذها عمال شركة البوتاس ومصفاة البترول الأردنية.
أما الفصل الرابع فيضمّ مجموعة من التحقيقات الاجتماعية العلمية التي تتناول قضايا الفقراء في مناطق عدة داخل المملكة، مثل الرويشد، والمخيبة، وقضاء مريغة في البادية الجنوبية، وعرجان وسويمة وحي الطفايلة.
يرى أبو خليل أن بحثه هذا يساهم في تغيير الصورة النمطية السائدة عن الفقراء في الأردن، فيقول في مقدمة الكتاب:
«منذ عام 1998 بدأتُ رحلة بحث مستقلة، كانت وما تزال أقرب إلى الهواية، وربما الهَوَس، من حيث طبيعة الولع بها، سعياً وراء التعرف على الإستراتيجيات الذاتية عند الفقراء الأردنيين لمكافحة فقرهم، لقد تيقنت من كذب الفكرة السائدة أن فقراء الأردن كُسالى ومُحبَطون، ومنتظرون لما تخطط له الحكومات، وما تقدمه لهم من معونات. في ذلك العام، أي عام 1998، كانت الدولة قد شرعت بمنهج جديد، متجاوبة مع توجهات البنك الدولي في هذا المجال، وأذكر جيداً ارتباك المسؤولين في «ملف الفقر» وهم يقرأون أوراقاً أعدها البنك الدولي باعتبارها صالحة لكل زمان ومكان.
لقد كان السؤال: أين نجد الفقراء؟ يتكرر وبطرافة -كي لا نقول ببلاهة- عند المسؤولين الجدد. أقول «الجدد»، لأن ذلك التاريخ شكل انعطافة في التنكر لتجربة وطنية مهمة في دراسة ومكافحة الفقر حصلت في منتصف الثمانينات، غير أن البنك الدولي لم تعجبه السمة «البلدية» للأفكار الوطنية، وطالب بمكافحة فقر «عصرية»، وتولّت وزارة التخطيط القيام بالمهمة.
كان البنك الدولي، وشريكه صندوق النقد الدولي يسعيان لتبرير النتائج السلبية السريعة لسياساتهما، وبرامجهما. لقد باشرا بالترويج لفكرة أن ما هو سلبي هو مجرد أعراض جانبية لعمل صحيح أصلاً، وسوف تطال ثمارُه الجميعَ، وليس فقط الأثرياء، وما على المتضررين إلا تَحَمُّل قدر من الصبر مع شد الأحزمة. وانتشرت في السياق أفكار مثل الأمان الاجتماعية، وشبكات الحماية للأطراف المتضررة، ومعالجة الآثار الجانبية، وكانت لذلك تطبيقات محلية مباشرة في الأردن.
لم ييأس البنك الدولي، ولا شريكه أو وكيله المحلي من انهيار الأفكار واحدة تلو الأخرى، وهناك في الواقع إنتاج غزير من هذه الأفكار، وكأنها في سباق تتابع، تسلم كل فكرة الراية للفكرة التي تليها. ورغم اشتهار البنك بالنقد الذاتي بين فترة وأخرى، إلا أن منطق عمله لا يحتمل الاعتراف أنه يقود سياسات إفقار على المستوى الدولي، وأن الفقر مكوّن رئيسي في مشروعه. ولم ينتبه الوكيل المحلي بوعي أو بغير وعي، أو بنصف وعي إلى أنه يمارس هو أيضاً سياسة إفقار وطنية، وبالنتجية، وجدنا أنفسنا أمام أدبيات زاخرة بالكثير من «التهريج» التنموي.
أمضيتُ لغاية الآن أكثر من 20 عاماً في التنقل بين الأوراق والوثائق وبين الوقائع على الأرض، خرجتُ خارج العاصمة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، مع أن العاصمة كانت لها حصة».
وقد سخر أبو خليل اختصاصه في علم الأنثروبولوجيا واستخدام العلوم الاجتماعية من أجل المساهمة في تقدم المجتمع، وفي التركيز على فرص العيش الكريم لمواطنيه، واصفاً هذه الرحلة في مجملها بأنها رحلة “أنثروبولوجي يتجول بين تفاصيل المجتمع الأردني”، وهو العنوان الفرعي للكتاب الذي اختاره المؤلف ليقدم للقارئ الصورة العامة عن طبيعة كتابه هذا.
يذكر أن أحمد أبو خليل صحفي وأنثروبولوجي أردني، مهتم بصحافة الفقر والتنمية ودراسات التاريخ الاجتماعي. عمل كاتب عمود يومي في صحيفة «العرب اليوم» لفترة 17 عامًا، وأصدر مجلة «المستور» المتخصصة بالفقر والإنسان (2005- 2011). أسس موقع «زمانكم.. قصة الأمس» المختص بالماضي. صدر له الكتب التالية: بؤس «الفسفسة»: تمارين في الكتابة الساخرة، المعزب ربّاح: مداخل إلى تراث الانتاج الفلاحي البدوي وتقاليد الطعام في الأردن (بالاشتراك مع ناهض حتر)، الموشح في مسالك الناخب والمرشح: أنثروبولوجي يتابع الانتخابات الأردنية «من تحت لفوق».
class="inline-block portfolio-desc">portfolio
text