“صنهاجي في غرناطة” لسميح مسعود.. البحث عن الجذور

“صنهاجي في غرناطة” لسميح مسعود.. البحث عن الجذور


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    د. أيّوب أبو ديّة
    (كاتب أردني)

    تستمر روايات الكاتب الموهوب سميح مسعود، وهو في العقد الثامن من العمر، في البحث عن الجذور البعيدة، التي بدأها عبر ثلاثيته الشهيرة ” حيفا.. برقة- البحث عن الجذور”، فها هو اليوم في روايته الجديدة “صنهاجي في غرناطة” يحدثنا عن الصناهجة بوصفهم قبائل عربية حميرية حضرمية يمنية رحلت بعد انهيار سد مأرب وتوزعت في أصقاع العالم، فمنهم من سكن الجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان والسنغال والصحراء الكبرى والأطلس المتوسط وبلاد الشام، ومنهم من استقر في الأندلس وحكم مملكة غرناطة في عهد حكم ملوك الطوائف. ويربط الكاتب أصول الصناهجة العروبية بالعرب العاربة، وجدّهم قحطان وابنه يعرب الذي حكم اليمن، وذلك بنفس عروبي مخلص لوطنه وأمته، ولم يأت الكاتب على ذكر العرب المستعربة لأنهم لا علاقة لهم بموضوع روايته على الإطلاق، ونأمل أن يدفع ذلك قلمه بالكتابة عنهم في رواية قادمة لها علاقة بهم، ويبين فيها ما يدور حولهم من أساطير ملفعة بأطياف الماضي العربي البعيد.

    صدرت الرواية عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان مؤخراً، ويعود الكاتب في مراجعه التاريخية إلى نقوش  خط المسند الحميري، والآثار الماثلة للعيان حتى الآن في مناطق اليمن المختلفة، بينما لم يعر أي اهتمام للأساطير الغريبة التي عمت في قديم الزمان، ومر مروراً سريعاً على ما ذكره المؤرخون عن الصناهجة، خاصة ما ذكره ابن خلدون في مقدمته، وما ذكره ابن الأثير والطبري وابن الكلبي للدلالة على أن أصول الكثير من الشعوب التي تنتمي إلى الحضارات القديمة تعود إلى صناهجة اليمن، وخاصة الأمازيغ الذين ابتدع اسمهم “البربري” الاستعمارُ الفرنسي وذلك لزرع الإسفين في الوحدة الوطنية الجزائرية، بينما أصلهم في الحقيقة من اليمن، والدليل المادي الملموس على ذلك لغتهم وجذورها العربية، فضلاً عن تشابه لغتهم مع لهجة المهرة القديمة المشتقة من اللغة الحميرية (الأمهرية). وقد أثبت الكاتب ذلك عبر زيارته لليمن والتقائه بسياح من الأمازيغ فيها يتكلمون بلهجة أمهرية قديمة يتواصلون فيها مع سكان اليمن الأصليين في منطقة المهرة.

    إذن، هي عودة إلى الجذور والأصول هدفها القول إن سكان بعض مدن بلاد الشام وشمال إفريقيا من أصول عربية يمنية واحدة، حتى مدينة السلط الأردنية فقد وسمها بمدينة الأردن الحميرية، كعشائر الحمامرة مثلاً، التي أرجع أصولها إلى حضرموت؛ كما رد عائلة أخواله من آل سيف إلى القائد الأسطوري سيف بن ذي يزن اليمني، الذي هزم جيش الحبشة المحتل وحقق أول انتصارات كبيرة للعرب في تاريخهم؛ كذلك تتحدث الرواية عن مساهمة الصناهجة في إدارة الحكم في شمال إفريقيا، حيث تولّى بلكين بن زيري الصنهاجي، على سبيل المثال، إمارة المغرب في زمن الدولة الفاطمية؛ وكان لقبائل الصناهجة الدور الكبير في تأسيس دولة بن حماد في الجزائر. وفي إسبانيا أيضاً، الأصول اليمنية الحميرية بارزة في قادتها، مثل باديس بن حبوس الصنهاجي، ثالث حكام غرناطة في زمن حكم ملوك الطوائف، الذي جعل من غرناطة مدينة صنهاجية ببناء قصر الحمراء فيها. وتخبرنا الرواية عن معلومات نادرة، منها اكتشاف بحارة من عرب الأندلس القارة الأميركية قبل كولومبوس، كما جاء في مراجع عديدة، بينما تحدثت المصادر عن دور كبير لأحدهم وهو ابن فروخ الغرناطي. كما تخبرنا عن قصر الجعفرية في إسبانيا الذي يضاهي بفنه المعماري قصر الحمراء ويعد من الإنجازات الفريدة للعرب هناك.

    وفي الرواية وصف بديع للعديد من المدن اليمنية، ففي صنعاء، على سبيل المثال، يصف الكاتب الأبراج التي تتميز بنقوش زخرفية قديمة، وسور المدينة القديم، وبرج القباطي الأعلى في اليمن، والحمامات القديمة، والأبنية متعددة الطبقات، والأبنية الخضراء التي يصفها بأنها رفيقة بالبيئة من حيث مستوى الإضاءة وجودة الهواء الداخلي واستقرار درجة الحرارة في داخلها. وتنتهي الرواية برحلة إلى الأندلس، يزور فيها الكاتب قصر الحمراء برفقة صديقه أنطونيو كاسترو المتخصص باللغة العربية، والذي ألهمه كتابة الرواية بوصفه من أحفاد ملوك الصناهجة، والذي كتب كلمات مؤثرة عن الكتاب على الغلاف الأخير. كما أن والدة أنطونيو، مرجريتا، حفيدة  ملك من ملوك الصناهجة الذين بنوا قصر الحمراء. وهي لا تنفك عن تذكير ابنها أنطونيو بأصوله العربية وأسماء أجداده الذين حكموا غرناطة، مثل زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي أول حكام غرناطة في عهد ملوك الطوائف، وحبوس بن ماكس بن مناد الصنهاجي، وباديس بن حبوس الصنهاجي.

    ولا شك في أن الرواية مخزن مهم من الحقائق التاريخية التي ربما يختلف المؤرخون بشأنها لأسباب ذاتية وموضوعية متنوعة، وربما بسبب رغبة الباحثين في أن يشار إلى مصادر أو مراجع هذه الاستدلالات في التاريخ، ورغم ذلك فإن أهمية الرواية الحقيقية تتمثل في ربط الشرق العربي بمغربه، وكذلك ربط جزء من الحضارة الأوروبية في إسبانيا بالمشرق العربي وشمالي إفريقيا على نحو يجعل من العالم المعاصر وحدة واحدة، تشده الجذور المشتركة إلى فكرة وحدة البشرية، التي تعزز التقارب ما بين الشعوب، بدلاً من التشظي والانقسام على قواعد دينية وعرقية على غير وجه حق.