تنشأ المفارقة عند معتز تفاحة في تجربته الروائية الأولى “عقد فاسد” على مقايضة يقوم بها شخصان، يقدم بموجبها الشخص الأول ذو الثراء الفاحش للشخص الثاني نصف ما يملك من أموال وشركات، في مقابل أن يهبه الثاني، الذي يحيا وعائلته حياة الكفاف، نصف النعيم الذي سيحظى به في الحياة الآخرة.
ومن هذا الحدث المركزي تتولد الصراعات وتتجه الشخصيات إلى مصائرها، وسط نقاشات وحجج دينية وقانونية وإنسانية تدلي بها الأطراف جميعها إمّا تأييدا لمبدأ المقايضة العجيب الذي تقوم عليه الرواية، وإما رفضا له.
وجاء العمل الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 258 صفحة من القطع المتوسط، وأسند الكاتب فيه إلى راوٍ عليم مهمة سرد الأحداث، لكنه في الوقت نفسه منح الشخصيات مساحة واسعة من الكلام ظهرت في حواراتها البينية، وفي مونولوجاتها الداخلية الممتدة على مفاصل الرواية جميعها.
وعالجت الرواية مجموعة من القضايا المعاصرة التي يظهر فيها التفاوت الطبقي، وتطرقت إلى ظاهرة الفقر والحاجة التي يتولد عنها شعور بالظلم الفادح، كما قدمت وصفا للخلجات الداخلية التي تراود الشخصيات؛ الغنية منها والفقيرة، ونظرت إلى كلتا الظاهرتين؛ الغنى والفقر، من منظور موضوعي يزن الأشخاص والأحداث بعيدا عن الأحكام الجاهزة التي يتفاقم بسببها الصراع الطبقي.
واستخدم الكاتب لغة واضحة سلسة بعيدة عن التكلف، وابتعد عن الأسلوب الوعظي رغم أن الفكرة التي تعالجها الرواية لها أبعاد دينية ووجدانية تعبر عن شريحة كبيرة من الناس، وحظيت الأنثى بحضور خاص في الرواية بوصفها أما وبنتا وحبيبة وامرأة قادرة على إدارة حياتها والتحكم في مصيرها.
ومن أجواء الرواية ما يخاطب به العم مفلح ابنته نرجس مبررا لها رفضه للمساعدة التي رأى أنها صدقة لا تقبلها كرامته:
“أبعد هذا العمر ترضين لي الصدقة؟ عشت حياتي كلها مستوراً ولم أفكر أن أمدّ يدي لأحد. ما طمعتُ في حياتي قط في ما لا أملكه، ورضيت بما كان يقسمه الله لي من رزق. نعم، عانينا كثيراً؛ حرمتكم من الكثير من متع الحياة. لم أستطع أن أقدم لكم اللحوم والألعاب والملابس الجديدة، لكني عملت بكدٍّ وشرف لأؤمّن لكم هذا السقف والطعام الكافي، ولم أمدّ يدي في حياتي قط. لم أترك لكم مالاً أو ثروة أو أراضيَ أو بيوتاً. ولكني أريد أن أترك لكم ما أملك؛ العزة والكرامة. يا نرجس، نحن لا نمدُّ أيدينا لأحد، والحمد ﷲ الذي ما زال يمتعني بالصحة والقوة الكافية لأعمل، والحمد ﷲ أنك أنت أيضاً تعملين”.
ومن الجدير ذكره أن معتز تفاحة كاتب أردني مغترب حاصل على درجة الدكتوراة في هندسة السايبرنيتيكس، وهذه الرواية هي الإصدار الأول له.
class="inline-block portfolio-desc">portfolio
text