د.رياض ياسين-
تنتصر الرواية للحق ولقيم الرجولة والأخلاق الرفيعة في مواجهة كل اشكال الانتهازية والاستقواء واستغلال المنصب والنفوذ ، بطلها الفارس نموذج لحالة متفردة في تكوينها النفسي والثقافي والتحديات التي عصفت به ثم مآلات مليئة بالغرابة والفرادة.
جمال الرواية في مقولتها الرئيسة وتبنيها لفكرة مقابلة الإساءة والإهانة والاعتداء بالورود، حيث لا تمنحك الحياة احيانا فرصة واحدة للانتقام من كل اولئك الذين تعمدوا في استهدافك والنيل منك. فتبقى مرتهنا لمآلات القدر وماتخبئه لك الأيام من جولة الإعادة لتثبيت بعض حقك والاقتصاص من قاتليك الحقيقيين.
شخوص الرواية الوالد الذي يقضي بحادث سير مروع وبصورة مجانية لشاب طائش، الابن فارس المكلوم بمقتل والده والرواية تحكي فضاء حياة فارس، الوالدة مريم الأرملة الصابرة التي تمثل الأم والأب لفارس اليتيم،الخال ذو الحس الوطني، الزوجة المكافحة الصبورة، العم الانتهازي صاحب السلطة والنفوذ في الدولة العميقة ، طبيب صاحب تجربة اجتماعية قاسية في المستشفى النفسي،وشخوص آخرون امتلأت الرواية بهم،فقام الكاتب بتوظيفهم ببراعة واقتناص لحظات لأدوارهم المهمة.
تميز جمال بوعيه بمتابعة شخوصه وتطور الاحداث وتأثرهم وتكوين شخصياتهم سمات أساسية لرواية بدت وكأنها تحكي قصة مجموعة ابطال رسموا حياة فارس البطل الرئيس المحوري.
رواية محملة بالقصص الضاحكة الباكية، فيها الحس التاريخي الذكي، وفيها الحسابات السياسية والأخطر دخول البطل فارس الى المصحة النفسية لإقصائه عن ماراثون الانتخابات الذي كان من الممكن ان يكون أحد الفائزين فيه نظرا لترشحه عن احد اهم الأحزاب الدينية وأكثرها شعبية بالإضافة لثقله العشائري والقبلي… وفوق ذاك لا ننسى ان فارس كان منخرطا في العمل العام كصحفي مؤثر…
الكاتب غاية في الثقافة والتمكن من سرد الأحدث وتمكن من تقمص شخصية القارئ فأزاح الستار عن كثير من المواقف شرحا وتوضيحا، لا لبس في أي موضع ،على العكس ، ثمة اغتناء لكثير من المواضع والمواقف، والكاتب بذكائه أثرى النص ببعض الهوامش حينا وبعض الإيضاحات في المتن حينا آخر(لعل القارئ لا ينتمي للثقافة الوطنية الاردنية) فقسم البنفسج رواية تحكي عن العقدين ذلك الأخير من الألفية المنصرمة والعقد الاول من الالفية الجديدة ، وتدور احداثها في الأردن متركزة على العاصمة عمان.
مضامين متنوعة لرواية عميقة في مبناها ومعناها تحاكي التطورات في الأردن خلال عقدين من التحولات السياسية التي بدأت مطلع التسعينات في الأردن والعالم العربي خاصة مع أزمة الوطن العربي من خلال اجتياح العراق للكويت والعدوان الامريكي الدولي على العراق وإسقاط الدولة العربية في العراق والإمعان في ضرب مكونات الدولة العربية في العراق وصولا لسقوط بغداد وما تبعها من انكسار من نوع آخر.
عالم الرواية عند جمال عالم ليس له حدود ، يتحرك بين النفسي والاجتماعي والسياسي والتاريخي والفني والفلسفي .وجمال بارع في السرد التاريخي والعمق الفلسفي والمفردات الطبية وثقافته العالية وتمكنه من القانون ساعده على ما يبدو في الحبكة الذكية.
هذه الرواية تؤسس لمنحى جديد على ما يبدو في الطرح الجريء والذكي للعديد من القضايا،وتكشف المستور وتزيح ورقة التوت عن عيوب اجتماعية وسياسية عشناها في العقدين الماضيين في الأردن، وبدا واضحا ان الجاذبية في مبتدأ الرواية تجعلك تلتصق بالرغبة الجامحة في متابعة تطوراتها، وكأنها ذاك المسلسل المليء بالتشويق الذي كلما اراد ان يقترب من النهاية يجعلك تحزن وتشعر بفقدان الكثير من مشاعرك ومكنونات ذاتك.