“قطرة المحو”.. المجموعة الشعرية الكاملة لزهران القاسمي

“قطرة المحو”.. المجموعة الشعرية الكاملة لزهران القاسمي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    يتخطى كتاب “قطرة المحو” فكرة كونه إصدارًا يتضمن عددًا من المجموعات الشعرية التي توثّق المسار الإبداعي للكاتب العماني زهران القاسمي، ليمثّل كنزًا لمجموعة من الأحاسيس الموغلة في الرمزية الهادفة التي لا تخلو من نفَس تراثي عميق يركن إلى لغة سليمة تغذيها موهبة شعرية وقّادة.

    في هذا الكتاب الضخم الذي صدر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء (2024)، يتاح للقارئ العربي الاطلاع على تجربة مبدعة منذ بواكيرها، وإذا كان القاسمي حضرَ في المشهد الثقافي العربي بقوة مؤخرًا بعد نيله الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عن روايته “تغريبة القافر”، فإن تجربته الشعرية لا تقل أهمية، وربما كانت ستنال أضعاف ما نالته من عناية نقدية لو قُيّض للشعر جوائزُ وروافع إعلامية كالتي حظيت بها الرواية في ربع القرن الأخير.

    ليست الرمزية وحدها ما يميز نصوص القاسمي في “المجموعة الشعرية الكاملة” وفقاً للوصف الذي اقترحه للكتاب، فالمتأمل في قصائده سيلحظ جودة الصورة الشعرية التي تركن إلى نفَس شعري طويل يغترف من معين مفعم بالمشاعر الجياشة والألفاظ العميقة ذات الدلالات التي تحتاج من يتأنى ليستخرج دررها اللغوية، كل ذلك في أسلوب يركن إلى رقة الألفاظ ويعتمد سلاسة التركيب وإبراز المشاعر الفياضة من خلال النصّ، بشيء من الاستغراق وبأسلوب سلس وممتع.

    وتمارس النصوص التي تضمنها الكتاب تأثيرها في القارئ نظراً لما تحتويه من ألفاظ محمّلة بوضوح العبارة وجمال المقصد وجودة الأسلوب.

    كما أن توفيق الشاعر في اختيار الألفاظ والتعابير التي أثث بها بياضَ صفحاته ساعده في أن يبلغ رسالته الشعرية إلى القارئ في شيء من الجزالة والرقة من دون أن يؤثر ذلك على وحدة النص بما تتضمنه من وحدة الموضوع وترتيب الصور الشعرية.

    وثمة الكثير من المقاطع في الكتاب التي توضّح قوة العبارة وجمال الأسلوب والنفَس الشعري الطافح والطاغي في نصوص القاسمي، ومن ذلك:

    “حتى لو فتحتُ يدي ومددتُها

    لن أجدكِ

    سأكون كمن قبض على هواء

    أنتِ لست هنا

    لا قلبكِ غابة أندسّ فيها مثل حيوان بريّ

    ولا دمعتك تغسل أخطائي

    لقد ذهبت بعيداً

    هناك في غياب يشبه جفاف حلق أرملة

    لحظة عويلها الأخير

    حتى لو فتحتُ فمي لأقولكِ

    لا حروف لكِ

    ولا صوت بحنجرتي”.

    ونقرأ في السياق نفسه:

    “ماذا يمكن أن يفعل الإنسان سوى أن يذهب للنوم

    وأنا أذهب له لعلّني ألقاكِ ولا ألقاكِ

    تمر أحلام كثيرة

    يمر شخوص وأشباح ووحوش

    أجتاز كوابيس ومقابر قديمة لقتلى حروبٍ وأوبئة

    أقبض على قلبي وأعصره حتى لا يسقط في نهر الخوف

    وأنت في غيابكِ

    لا صوتكِ يصل إلى سمعي

    ولا يدكِ تخفف وجيب القلب”.

    يشار إلى أن الكتاب الذي جاء في 712 صفحة يضم تسع مجموعات شعرية للقاسمي هي: “أمسكنا الوعل من قرونه” (2006)، “الهيولى” (2007)، “أغنّي وأمشي” (2007)، “الأعمى” (2011)، “موسيقى” (2012)، “رحيق النار” (2013)، “كاميرا” (2015)، “مراكب ورقية” (2016)، “أوصدت عليك الباب وبقيت سجيناً في الخارج” (2020).