مجموعات قصصية عربية تغوص في الواقع وتسترجع الذكريات

مجموعات قصصية عربية تغوص في الواقع وتسترجع الذكريات


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    لنا عبدالرحمن

    يتنوع المضمون السردي في هذه المجموعات القصصية المختارة لهذا الشهر، بين الحرب والعنف والذاكرة الدامية في الحروب، عطفاً على ذكريات سنوات خلت ولم يبق منها إلا أطياف واهية، من الخوف، من العبث التكنولوجي، إلى الفساد المستشري. في كل مجموعة يبدو العالم القصصي مختلفاً بحسب ما يُلح على ذات الكاتب ويفرض تجلياته. فكتابة القصة ما عادت تستند إلى سرد خطي واضح ومباشر، بل تشعبت أساليب السرد وغاياته، وبات الكاتب يسعى أن يمضي وراء تخوم قص مغاير يجنح إلى مغامرة تُفكك العالم وتعيد تركيبه من جديد.

    1- “فالس الغراب”: يوسف ضمرة

    يهدي الكاتب الأردني يوسف ضمرة مجموعته القصصية “فالس الغراب “، دار “الآن ناشرون وموزعون” (عمان- الأردن)، إلى إدغار آلان بو، وهو عبر هذا الإهداء يشي بمفتتح سري للقارئ عما يُمكن أن تكون عليه عوالم القصص، حيث تتداخل الفانتازيا والخيال الغرائبي عبر ثلاث وثلاثين قصة، وتحضر كائنات أخرى في السرد مثل الغربان والفراشات والثعابين التي تبدو خرافية على رغم حقيقتها.
    تعكس القصص كلها صدى المخاوف الإنسانية، فالحياة تمضي بالمقلوب، بشكل لا إرادي، والأبطال جميعاً يبدون كما لو أنهم بطل واحد يحكي عن مأساة مشتركة لا مفر منها، تتجسد في العالم الخارجي المؤذي الذي يقتحم حيوات البشر، فيطيح سلامها عبر الاستعانة بكل الوسائل والكائنات المخيفة كي تبث الرعب. لنقرأ مثلاً في قصة: “أغربة عمان”، يقول: “نعيب الأغربة ليلاً في عمان، جعلني أتعايش معه لسبب رئيس، هو أنها لا تبدو خائفة من كل ما يعلو أسطح البنايات. أنا أشعر بالخوف من خزانات المياه والصحون اللاقطة على امتداد النظر، إذ يشعر المرء أنه في مستودع لا نهاية له. وفي المستودع تختبئ الأفاعي والقوارض. سألت نفسي أكثر من مرة: ما الذي يمنع ثعباناً من التضخم فوق السطوح، ثم الزحف إلى أن يصل إلى سرير نومي؟؟ أصبحت مشكلتي تتلخص في خوفي من الثعبان الذي سيأتيني عاجلاً أم آجلاً. ماذا سيفعل واحد مثلي يخشى مجرد النظر إليه؟”.

    تنسجم لغة القص مع المضمون، فيبني ضمرة عالماً لغوياً بسيطاً وتلقائياً يحاكي ديناميكية السرد السلس، من عناوين القصص: “زهايمر”، “بطاريق ليلية”، “جثة الشجرة”، “وهم”، “قتيل غامض”، “حفارو قبورهم”.

    2- “تمشية قصيرة مع لولو”: محمد خير

    يختار الكاتب المصري محمد خير في مجموعته القصصية “تمشية قصيرة مع لولو”، أن يدلف نحو مساحة سردية تجمع ما بين غرابة الواقع وحسيته، وبين تأمل الأحداث العابرة التي تترك بصماتها داخلنا في أسى غامض، كما في قصة “رسائل” حيث ذاك الصوت الذي يظل يتردد في الظل باعثاً، على الخوف لكنه يأتي مثل إنذار قوي ممن رحلوا.

    كثير من عناوين القصص تشير إلى الماضي مثل: “تذكار”، “مزحة”، “شبر”، “الساعة”، “رسائل”، “خصلة”، “ضوء الصورة”، “رحلة أخيرة”، “إصلاح الماضي”… أو أن يبدأ قصة “المرة الثانية” بما يحيل للأمس قائلاً: “لا بد أنه الوحيد في البناية، بل في الحي كله، الذي لا يزال يمتلك جهاز فيديو، حتى وإن كان لا يستخدمه إلا لتشغيل شريط وحيد لا يزال يعمل، كما الجهاز نفسه بمعجزة”. أو كما يرد في قصة أخرى: “أياً كان ما تريد أن تغيره في الماضي، لا يمكن أن تُخبر به الآخرين”.

    يجد القارئ في القصص صدى للحواس، وحضوراً للأصوات في تنويعات مختلفة، وللموسيقى، وكلمات الأغنيات. أما القصة التي تحمل عنوان المجموعة، فتحكي عن جولة في الشارع ومناورة حوارية بين الطفلة لولو ووالدها، الذي تسأله: ألم تخبرني أن القطط هي التي يجب أن تخاف منا لأننا نكبرها؟”. لكن الأب المرتبك يبدو أكثر حيرة من قدرته على منح الأجوبة الحقيقية لتلك الطفلة.

    3- “بلاد الطاخ طاخ” لإنعام كجه جي

    ينبثق سؤال الزمان والمكان والهوية بقوة في المجموعة القصصية “بلاد الطاخ طاخ” (الدار المصرية اللبنانية) للكاتبة العراقية إنعام كجه جي. لا تترك البلدان الخربة في الروح إلا الذكريات والحنين إلى كل ما كان، بحيث تحمل بطلات القصص ذكرياتهن أينما ذهبن. من الشرق إلى الغرب تتنوع ترنيمات الفقد وتتجلى في المرايا المحمولة من موطنها الأصلي في أحد الأحياء لتطير إلى فرنسا. في القصة الأولى “مرآة كرداسة”، نقرأ: “كبرت وتراجعت قواي. شاخت مرآتي فازدادت قيمتها بنظري. اصفر طلاء الجدران لكنه ظل يستمد زهوه منها. غابت سحنات ورحل أصدقاء وبردت أقداح شاي وما زال الصوت يسرقني برموش العين. سقطت بروج في نيويورك وقام زلزال في العراق وطلع ربيع وأنا أنفعل وأفرح وأشتم وأهرب من الشاشة إلى مرآتي لعلها بحكمتها تشرح لي ما يجري من فوضى”. تتكون المجموعة من اثني عشرة قصة من عناوينها: “الخوافات”، “مرارة”، “مسدس من ذهب”، “عمياء في ميلانو”، “نخلتي”.

    أما القصة التي تحمل عنوان المجموعة فتحكي عن الحارس المرتشي في متحف الشمع الذي يكشف لرئيسه اختفاء تمثال أحد الجنرالات، فيأتيه الرد ببساطة: “وهل تظن أن أحداً سيفتقده؟”. يتميز أسلوب انعام كجه جي بالسرد السلس الساخر في العديد من المواقف، وهو ما تميزت به في أسلوبها الروائي أيضاً.

    4- “أرشيف ريبليكا” لبسمة ناجي

    في مجموعتها القصصية “أرشيف ريبليكا” (الكتب خان- القاهرة) تقدم الكاتبة المصرية بسمة ناجي حكايات روح مجروحة، هشة، تعيش اغترابها عن اللحظة الآنية. بل ترفض من أعماقها الاحتلال التكنولوجي للذات الإنسانية الذي يتمظهر في انتصار مقاييس القبح وطمسه للجمال، كما في قصة “صرصور يبيض ذهباً”، التي تحمل تأثراً بنص كافكا “المسخ”، وفي هذه القصة تُصبح البقعة التي تظهر فجأة مثل صرصور أسود يعلو وجه البطلة الساردة مصدر شهرتها عبر السوشيل ميديا.

    أما السؤال عن هوية ريبليكا، الذي يحضر اسمها في عنوان المجموعة، فتستعين به الكاتبة، للسخرية من الحاضر الراهن عبر الدمج بين الواقعي والفانتازي. تقول: “أكدت الزميلة أن ريبليكا ساعدتها في ترتيب أفكارها المتناثرة، وتنظيم المهام، وتذكيرها بها، وأنها ساعدتها أيضاً في تخفيف التوتر والتعامل مع نوبات القلق. كتبت لي اسم التطبيق وأكملت بحثي عنه عبر بلاي ستور”.

     يبدو العالم عبثياً في “أرشيف ريبليكا”، فالقط يخاف من الفئران، والمدينة تنتشر فيها الخنازير والحيوانات المفترسة، وأبطال أو بطلات القصص يشعرون بالهشاشة في مواجهة العالم القاسي. تتكون المجموعة من عشرين قصة، من بعض عناوينها: “عينة باثولوجي”، “تمرين تأمل”، “أون تايم”، “إيجابي كورونا”، “تنين الأمنيات”، “سنشتري هذا العيد كعكة”.

    5- “الدكتور نازل” لطالب الرفاعي

    تستند قصص “الدكتور نازل” (دار ذات السلاسل- الكويت) للكاتب الكويتي طالب الرفاعي إلى تيمة “التخييل الذاتي”، إذ يستعين الكاتب باسمه الصريح في القصص، مع الاتكاء على أسلوب ساخر ولاذع يطغى على عالمه القصصي، بحيث لا يخفى المعنى الضمني في اختيار اسم المجموعة للدلالة على الانحدار.

     ينتقد الكاتب من خلال شخصية بطله “نازل”، ومن يحيط به، ما وصلت إليه المجتمعات الإنسانية من تدهور أخلاقي في العديد من القيم والمفاهيم الاجتماعية. إذ لا يقتصر هذا على المجتمعات العربية فقط، بل ثمة إشارات لانهيار أخلاقي في الغرب أيضاً. تبدأ القصة الأولى “شهادة تاون” مع سرد يصف تمهيدات لشخصية الدكتور نازل الذي يذلل الصعاب في أي مكان يذهب إليه، يقول: “عجيب نازل، حتى الأميركان اعترفوا بشطارته وأحبوه. في وداعنا الأخير، خاطبني مستر رايت بعربيته المكسرة قائلاً: “صديقك ذكي، وقد سعدت بالتعرف إليه. قبل قليل فتحت عيني وأنا في فراشي، اليوم أبدأ حياتي الجديدة دكتوراً، والفضل يعود إلى نازل”.

    انطلاقاً من هذه البداية يتعرف القارئ في قصص المتتالية إلى تصعيدات وتنويعات شتى للفساد الذي يتخذ مظاهر شتى، بدأت مع تحول الدكتور نازل، إلى مدرب تنمية بشرية يمتلك الشركات في أكثر من بلد، ويحظى بالشهرة والنجاح. تتضمن المجموعة أربعا وعشرين قصة، من عناوينها: “لوسي”، “كورونا”، “طلعة حلوة”، “امرأة مختلفة”، “رحلة”، “اعتصام”، “ايميل”، “نيران صديقة”. وفي القصة الأخيرة التي حملت عنوان “رقابة” يكشف الكاتب عن معركته مع الرقابة، وقراره استبدال كل الأسماء الحقيقية التي وردت في قصصه ورفضها الرقيب إلى اسم “الدكتور نازل”، في إيحاء رمزي لكل الأشخاص الفاسدين.

    6- “موسم الأوقات العالية” لياسر عبد اللطيف

    تعود قصص “موسم الأوقات العالية” (كتب خان- القاهرة) للكاتب المصري ياسر عبداللطيف، إلى حقبة التسعينيات، لتخلق حالة تجمع بين الذاكرة والتأمل في التغيرات الموغلة في أماكن عدة من القاهرة. ففي قلب الغموض والسؤال عن الأمس، يختلط السرد المشهدي مع ذاتية الأبطال ورؤيتهم لما يحدث من حولهم، ليس في المدينة الهرمة فقط، بل في أماكن أخرى عرفوها ذات يوم، كأن يقول في قصة “القمر فوق بحر الرمال العظيم: “في قلب بحر الرمال العظيم، في الجانب المصري من الصحراء الكبرى، وفي منطقة ما على تخوم السودان حط ركبنا المكون من ثلاث سيارات دفع رباعي من طراز تويوتا”.

    ثمة فوضى تعبث في الحياة فتغير مواضع الأشخاص والأشياء، وتحيل أماكن الذكريات إلى خرائب يجرح وجودها الروح. وتسرد القصص بعض التفاصيل التوثيقية، عن السينما والأماكن، يقول: “أراد المخرج الذي عُرف بتوجهه شبه النسوي أن يجعل من جسد المرأة نقطة ضعيفة تتقاطع عندها صراعات المجتمع وتردياته، وقدم في أفلامه القديمة منذ “الخوف- مكان للحب” مروراً بـ”أريد حلاً”، الذي قيل وقتها أنه أسهم في تغيير قانون الأحوال الشخصية الظالم للنساء”.

    عناوين القصص السبع، التي اختار كاتبها نسق السرد القصصي الطويل هي: “شهوة الملاك”، “الربيع في شتوتغارت”، “دراسة في العشق الأوديبي”، “موسم الأوقات العالية”، “2005 أجرة القاهرة”، “قصص الحب التأثيرية”، “القمر فوق بحر الرمال العظيم”.

    7- “كيوم مشمس على دكة الاحتياط” لمازن معروف

    تستحضر قصص الكاتب الفلسطيني مازن معروف، في مجموعته “كيومٍ مشمسٍ على دكة الاحتياط” (هاشيت أنطوان- بيروت) مرحلة الطفولة من الباب الخلفي. إنها ليست طفولة عادية آمنة، بل مخترقة بالدمار، ومغموسة بذكريات معتمة لأيام بعيدة تفوح منها رائحة البارود، الذي ظل عالقاً في خياشيم الأطفال الكبار. ثم تلوح تلك التفاصيل المقبضة للحرب التي يعرفها كل من عاش ذاك الزمن، انقسام بيروت إلى قسمين متنازعين، صوت القذائف، مشاهد الدمار، أشباح المدينة الذين يتنقلون من هنا إلى هناك ويبثون الرعب. تحضر في القصص أيضاً العلاقة المضطربة مع الأب، وهذا يحمل دلالته الرمزية في أكثر من قصة، فالأب إما غائب بفعل الحرب، كما في قصة “حياة لا يحدث فيها شيء”، أو مريض كما في قصة “فتاق”، أو ضعيف يظل ينتظر ابنته حتى تعود، كما في قصة “نسرين”.

     يتجرأ معروف على نزع فتيل الخوف في مواجهة كل ما حدث، يقوم بالعبث بتلك الصور، ساعياً للتحرر منها على مدار القصص كلها، كي ينسج من خيال وهاج ومتدفق، حالات من الخوف والتشظي والوحدة والرغبة بالاكتشاف أيضاً. قصة تلو أخرى تتشكل في مجموعته حكايات عدد من الصغار الذين يتجاور عالمهم الغامض المحجوب بالضباب، مع عالم الكبار الملوثة أيديهم بفعل الحرب أيضاً. هكذا يتجاور العالمان، من دون أن يؤدي أحدهما إلى الآخر. فالصغار كبروا وظلوا يبحثون عما ضاع منهم خلال سنوات الطفولة، من دون أن يتمكنوا من استعادته.

    8- “حروب فاتنة” لحسن عبد الموجود

    من خلال عشر قصص طويلة في مجموعته “حروب فاتنة” (كتب خان- القاهرة) ينحو الكاتب المصري حسن عبد الموجود إلى الجمع بين مفردات أكثر من عالم درامي، يتضمن في ظاهره قضايا سياسية واجتماعية كبرى. إلا أنه يتوغل ضمناً في ما يحدث للفرد الأعزل، الذي يبدو في قصص عبد الموجود مثل طفل يتيم متروك في محطة قطارات مزدحمة. وعلى رغم هذا تجافي القصص الواقع في مواقف شتى، تجنح إلى اللحظة الفارقة التي تجمع بين الحقيقة والخيال، كما في قصة “الغرف المنسية”، حيث يتذكر البطل السارد أن عليه تقبيل رأس زوجته وهو يتجه نحو غرفة النوم، ولكن للمفارقة يتذكر أنها ماتت منذ أسبوعين. مثل هذا النوع من الافتراضات تحضر في أكثر من قصة، مع الخيال المستتر المرتاب دائماً الذي يختلط للحظات، مع حقائق لا مفر منها من فرط واقعيتها. فالحروب والثورات لا يمكن تجاهلها، كما في قصة “العرض الأخير” و”حروب فاتنة”. اختار الكاتب بعض العناوين المرتبطة بمبدعين مثل “النوم مع فتاة مودلياني”، و “معزة غوركي”، مع الإحالات الفنية التي تضمنتها القصة في تضفير الفن مع حدث مرئي.

    تحضر الحيوانات مثل العقارب والأفاعي والتماسيح، في دلالات رمزية ساخرة، كما في قصة “ضحكات التماسيح”، وقصة “ماء العقرب وتماثيل العذراء” حيث الدمج بين أسماء الأبراج في علم الفلك وانعكاساتها على خيالات البطل الراوي. يقول: “رئيس القسم يندهش حينما أتأخر في تسليم المادة، ويسخر مني قائلاً: إنه ينجزها في دقيقتين أو ثلاث. كان يطلب مني أحد عشر برجا فقط، إذ يتولى بنفسه كتابة برج الثور. في كل مرة أطالع برج الثور أشعر أنه دخيل على كتاباتي، كأنه البطة السوداء وسط أبناء الأوة”.

    9- “في مد الظل” لآية طنطاوي

    تبني الكاتبة المصرية آية طنطاوي في مجموعتها القصصية “في مد الظل” (بتانة- القاهرة)، عالماً سردياً يقوم على التداعي. تتدفق الذاكرة في مشاهد وامضة مثل فلاش باك سريع، كي تربط بين الأمس واللحظة الآنية، لتؤلف برفقة المكان، محور البطولة داخل قصص المجموعة. يجول الأبطال في حي السيدة زينب وما يجاوره من شوارع وتفرعات. إنهم أشخاص عاديون تنوء أيامهم بثقل آلام وأوجاع، ظاهرة وباطنة. يقصدون ضريح السيدة زينب للدعاء وقضاء الحاجات، وفي داخلهم ورع يمتزج بسؤال خفي عن الأمس، تقول: “لماذا تدفعنا الصور إلى الشعور بالحزن؟”.

    من قصص المجموعة: “بيوت للأرق بيوت للانكسار”، “في حضرة السيدة”، “حنين مؤجل”، “السيدة زينب لا ترقد هنا”، “الصاعدون إلى الله”. لنقرأ من قصة “المسار الأبدي لاتجاه حلوان” وصفاً لأحد الأبطال الذين سحقتهم قسوة الحياة: “ينفلت قطار المترو من فوهة العتمة إلى النور الساطع لحظة عبور الأمتار القليلة التي تفصل بين محطة سعد زغلول ومحطة السيدة. كانت الأخيرة ملاذ الباعة المتجولين، من يراقبون الزبائن بعين، والحكومة بعين أخرى… كان الأشقر دون السابعة عشر، فهلوي يجيد البيع والجري من الحكومة. أجادهما بالقدر الذي يجيد به الغياب”.

    10– “ست زوايا للصلاة” لأميرة بدوي

    ترتكز مجموعة “ست زوايا للصلاة” (دار العين- القاهرة) للكاتبة المصرية أميرة بدوي على الربط بين الخرافة والرمز، لتتشكل عناوين القصص الإثنتي عشرة من كلمات ذات دلالات تقترن بالسحر في الميثولوجيا الشعبية، مثل “البومة”، “الإبريق”، “الولي”، “النداهة”، القط”، “النعش”، “الكف”… لكن هذا الإتكاء على الأسطورة يأتي من باب واسع لاقتحام الواقع. فالقصة الأولى “البومة”، تحكي عن عالم قطاع الطرق في الريف، وسلطتهم على الناس وقدرتهم على إزهاق الأرواح. أما قصة “الغولة” فتصف من خلالها واقع الفتيات اللواتي يتعرضن في الريف لعملية الختان. تقول: “أمنا الغولة تقترب، والعين على سن السكين، في غمضة عين تهرب البنات، وظلها يغطي كل شيء. عند تكعيبة العنب شاهدت زينب ظلها، بينما ذابت الأم المزيفة مع الأخريات في مياه الترعة”.

    وتستمد القصص مفرداتها من وقائع البيئة الريفية في مصر، وهذا يتضح أيضاً على مستوى اللغة التي حاكت المضمون. فنرى في القصص التفاصيل المكانية والأشياء التي تؤثث حياة القرى والبلدات، حيث الحناطير، والترع، والأشجار، والأرض المتربة، والفطير المشلتت، وأكواز الذرة، وأضرحة الأولياء.