مرآة الصحافة

“هلْ نحتاجُ إلى الفلسفةِ في حياتِنا؟”.. عودٌ إلى الأسئلةِ القديمةِ حول الإنسانِ والوجودِ

في ظلّ التحوّلات العلميّة والجيوسياسيّة والاقتصاديّة، التي تعصفُ بالعالم من حولنا، وبينما تُحْدِثُ وسائط إعلام وتواصل قطيعة جذريّة مع مصادر المعرفة وأصول التواصل التقليديّة، ترى، هلْ نحتاجُ، اليومَ، إلى الفلسفةِ في حياتِنا؟السؤال السابق نهضت لتقديم إجابة وافية له "مؤسسة بيت الزبير"، في مدينة مسقط بسلطنة عُمان، التي جمعت عددًا من العقولٍ المتدبّرة، في ملتقى فلسفيّ ساد فيه تقليبُ الآراء وتغليبُ الحوار، وخَبَا فيه الصوتُ الواحد مُدّعي الحقيقة المطْلقة، فكان النتاجُ مجموعةً وازنة من البحوث يضمّها كتاب "هلْ نحتاجُ إلى الفلسفةِ في حياتِنا؟"، والذي صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، في الأردن، في 248 صفحة، وقد قام بجمعه وتحريره د. محمـد زرّوق.في الكتاب نفسه ينظر المفكر د. عبد السلام بنعبد العالي في صلة الترجمة بالفلسفة، وفي قُدرة النصّ المُترجَم أن يتموضَع في مقامات تختلف عن مقامه الأصل، وفي تمثّل الشعوب لأمّهات المصادر الكونيّة التي قد تفارق محليّتها وقد تبقى رهينة عرق بعينه.بينما يطرح المفكر د. الزواوي بغورة ضرورة الفلسفة في عصرنا، عائدًا إلى الإشكال الحقيقيّ للفلسفة الماثل في إيجاد تصوّر للعصر من خلال طرح السؤال الذي لا يجرؤ فرع من العلوم على طرحه والبحث عن أجوبة بآلة المنطق وإعمال الفكر والتدبّر وتقليب الأمر على أكثر من وجه.ويرجع المفكر د. محمد شوقي الزين إلى «أصل التفلسف»، مُظهرًا الترابط بين تجربة روحيّة...

“الفنُّ والتأويلُ”… دراساتٌ نقديّةٌ في الفنِّ التشكيليِّ العُماني

يتأمل كتاب "الفن والتأويل/ دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني" المُنجَز الفني العُماني، الحديث والمعاصر، وفق مناهج ومداخل تهدف إلى فحص ظواهرِه في تناميها التاريخي، وفي علاقتها بالجاري على ساحة الفن العالمي.ويشكّل الكتاب، الذي أصدرته "مؤسسة بيت الزبير"، في العاصمة العُمانيّة مسقط، عن "الآن ناشرون وموزعون"، إضافة جديدة في قائمة الدراسات النقدية الفنية، إذ يضمّ الكتاب مجموعة من الدراسات الفنية لمجموعة من الباحثين المعتبَرين في تاريخ الفن والنقد الفني.وجاء الكتاب، الذي راجعته وحررته الأستاذة الدكتورة، فخرية اليحيائية، في ثلاثة فصول، الأول حمل عنوان "النحت العُماني والمغربي/ مقاربة جمالية في المشابهة والاختلاف"، وقد كتبه الباحث والناقد المغربي إبراهيم الحيسن، لافتًا خلالها النظر إلى انكباب جلّ النحاتين، التجربة النحتية العُمانية والمغربية، على تنويع الخامات والسنائد من خشب ورخام وحديد والنهل تجريديّاً وتعبيريّاً من التراث المحلي المتجسِّد في اللغة التشكيلية المستعملة في التجسيم والتوليف، إلى جانب تحوير الأشكال العضوية والنماذج الآدمية والحيوانية واختزالها لتصير مبسطة.مع ملاحظة أخرى أشار إليها الباحث الحيسن، تكمن في إصرار بعض النحاتين من البلدين على التجديد وتجاوز النماذج النحتية التقليدية عبر توظيف التقنيات الجديدة والمبتكرة في النحت المعاصر.ليخلص الباحث تاليا إلى ملاحظة وتوصية يكاد يتفق عليها جلُّ النحاتين العُمانيين والمغاربة تتمثل في الحاجة إلى المزيد العناية والرعاية، سواء من خلال تشجيع الصناعات الفخارية (الخزف الوظيفي)، أو من خلال...

“مناديل لأجنحة الفراشة”… دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني

في سعيها لِسَبْرِ أغوار الفن التشكيلي العُماني، وتطلّعًا إلى وضع هذا الفنّ في المكانة التي تليق به ضمن خارطة الفن العربي، ونقله عبر مناطق تلقٍّ جديدة، من خلال إعادة قراءته بعيون عربية من جهة، ومن خلال مقارنة التجربة الفنية العُمانية بمثيلتَيها العربية والعالمية، أصدرت "مؤسسة بيت الزبير" كتاب "مناديل لأجنحة الفراشة/ دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني".ويستنطق الكتابُ اللوحةَ واللّونَ، وقد جاء حصادًا لندوة حملت عنوان "النبش في مخيلة اللون"، في العاصمة العُمانية مسقط، بمشاركة عدد من نقّاد الفن في العالم العربي، قدموا قراءات نقدية لما اختزلته مخيّلة الفنان العُماني وما حاول التعبيرَ عنه بفرشاته وأدواته، وقد صدر حديثًا عن "لآن ناشرون وموزعون"، في عمّان، وقد زيّنت غلافه لوحة "المدينة" للفنان الراحل موسى عمر (سلطنة عُمان)، فيما صممه الفنان بسام حمدان، وراجعت دراساته وحررتها الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية.أولى دراسات الكتاب كانت بقلم طلال معلا، وهو فنان وباحث في الجماليات المعاصرة، بعنوان "المحترف العُماني.. الذاكرة، والانعتاق منها"، رائيًا خلالها أن الفن المعاصر بشكله المتجدد إذا كان يسعى "للانعتاق من الذاكرة فإن استخدامه لهذه الذاكرة هو جزء من السعي للتحرر منها، واستبدالها بمجموعة من الرموز التي تعين على توليد الأفكار، في عالم تزداد الحاجة فيه إلى الفنون باعتبارها ملازمة في تحققها لوجود الإنسان، ولكونها جزءا من الممارسات الفنية الحية لعلاقات مضطربة...

“وعودُ اليمامةِ لجسدٍ معطوبٍ” لأحمد الرمضاني.. نصوص عن المرض والبعث

يتأمل الأديب العماني أحمد الرمضاني في كتابه "وعودُ اليمامةِ لجسدٍ معطوبٍ" أحوال الإنسان، وتقلبات الدهر على مدار العمر، وكيف يكون الإنسان في لحظة بعيدًا كل البعد عن أمر معين، وفجأة تتقلب الظروف والأحداث فيجري اليوم ما كان مستبعدًا غدًا!يضم الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن عددًا من النصوص المنفصلة المتصلة. ويبدأ الرمضاني نصوصه بين الرجاء والتوسل والتساؤل، فيبدأ جملته الشعرية الأولى آمرًا ذلك الشخص القابع داخل رأسه قائلًا: "دع البابَ مواربًا، لا تغلقه ولا تفتحه، أحلامٌ بريَّة في الخارجِ تحلم بالترويضِ والدفءِ، هواجسُ دفينةٌ في الداخلِ ترنو إلى الفضاءاتِ الشاسعة. ما الحياة سوى ركامٍ على العتبة، والموت ريح مباغتة؟".وفي مقطعٍ يبدأه بـ"بكاء أزرق" يقول محاولًا دفع الكآبة بعيدًا، مستعينًا بالأصدقاء الحقيقيين ليظل صامدًا أمام وطأة الحياة؛ يقول الرمضاني: "هكذا علَّقَ الشاعر الذي يحاول دحر الكآبة بما تبقَّى من أدبٍ وطبيعةٍ وقليل من أصدقاءَ بقوا صامدين، بكاءٌ أزرق يغسل القلب المعلَّق الهائم بين رؤوسِ جبالٍ ونخيلٍ، بين هديل يمامات ونقيق ضفادع لا يقطعها سوى صوت حنجرة المؤذِّن أو مشهد شهبٍ تذوي في سماء مطفأَة كإغفاءة الوليد".ويرصد الرمضاني حال أولئك الذين ينعمون بسكون الليل قائلًا: "مساجد الفلاحين قلوبهم المنسية مضاءةً، دليلًا للنسائم الهائمة على وجوه النخل، للذين ضلَّ النوم طريقَه إليهم. الصلوات ما زالت تتسامى والمصحف المشعُّ على...

كتاب عن الشيخ الشَّلي عبدالله بن سالم آل حموده.. سيرته ودوره السياسي والاجتماعي في عُمان

يؤرخ الباحث أحمد بن خميس بن محمد السنيدي (أبوعبدالله)، في كتابه "الشيخ الشَّلي عبدالله بن سالم بن محمد آل حموده.. سيرته ودوره السياسي والاجتماعي في عُمان"،  لفترة زمنية مهمة من تاريخ عمان، من خلال تتبُّع سيرة الشيخ عبدالله بن سالم آل حمودة التي امتدت نحو قرن من الزمان (1819-1913م).يضم الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 128 صفحة من القطع المتوسط، ستة فصول ومقدمة وخاتمة حول حياة الشيخ ونشأته وزوجاته وذريته ونسبه وألقابه، وكذلك سمات الشيخ وظهوره في المشهد السياسي ودوره ومواقفه من الأحداث والقضايا المهمة في عصره.ووفقا للمؤلف، تكمُن أهمية هذا الكتاب في أنَّه "أوَّل عَمَلٍ يَسْعى إلى كتابة ونشر سيرة الشيخ عبدالله بن سالم آل حموده بشكلٍ أوسع مِن خلال تتبع وجمع ما دَوَّنَتْه الوثائق والكُتُب التاريخية العُمانية، والعربية، والأجنبية عَن هذه الشخصية الجريئة الفَذَّة".كما تتجلّى أهمية هذا الكتاب في السَّعي إلى تسليط الضوء على شخصية المُتَرْجَم لَه، والكشف عن سيرة حياته المليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية في الفترة الزمنية (1281-1331هـ/ 1865- 1913م)، وهي فَتْرَةٌ "تُعَدّ مِن أهَمّ الفترات في التاريخ العُماني في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين".ويعرف المؤلف في بداية الفصل الأول بالاسم الكامل للشيخ، ألا وهو "عبد الله بن سالم بن محمد بن علي بن محمد بن حمود بن سلطان العلوي التمامي".ويتابع: "عُرِف...

“العنبرُ الخامسُ”.. سردٌ جريءٌ يتأمّل الحياةَ في سجنِ النّساء

تواصلُ القاصّةُ والروائيّةُ العُمانية آية السيابي سبرَها لأغوار الذات الإنسانيّة بجرأة، متسلّحة بقلبٍ شجاعٍ، ورأي حرّ، وإيمانٍ عميق بجدوى الكتابة وضرورتها، طارقةً أبوابًا لطالما تجنبَ طرْقها المبدعون والمبدعات في عالمنا العربي، من خلال روايتها الجديدة "العنبرُ الخامسُ/ الحياة في سجن النّساء".في الرواية الجديدة، وقد صدرت حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، بالأردن (2025)، في 264 صفحة من القطع المتوسط، تواصل السيابي انحيازها للّغة المكثّفة، التي تعرفُ طريقها إلى المعنى بيسرٍ وسرعةٍ، فيجد القارئ نفسه في خضمّ الحدث من دون مقدمات.وقبلَ الولوجِ في عوالم الرواية تعلنُ السيابي انحيازها للأنوثة، عبر رسالة تمهيدية بوصفها عتبة للرواية، تحت عنوان "رجاء!"، قائلة فيها:أوصيكِ بنفسكِ خيراً!فكلُّ دمعٍ لا يقطِف منكِ أسوأ ما فيكِ، لا يُعوّل عليه!وكلُّ نحيبٍ لا يُقرّبكِ من أناكِ، لا يُعوّل عليه!".الغلاف الأخير للرواية تضمن ثلاث فقرات قصيرات، ذات دلالات عميقة فيما يتعلق بالرواية ومحمولها السردي والوجداني، وكلّ عبارة منها كانت تأتي في مستهلّ جزء من الرواية، لتكون بمثابة تمهيد أو عتبة له، وقد جاءت على النحو الآتي:"موقف واحد فقط، يجعل الحياة بعده تتخذ وجهة يستحيل معها أن تعاود سيرتها الأولى"."سُرّبت هذه الأوراق من غسق زوايا سجن عربي مجهول، تعلن عن سجينات منسيّات، سقطت منهنّ أرديتهنّ لسبب لا نعلمه، تحاصرهن جهالة الليل، وتأسرهن ضغينة النهار"."الحياة في السجن هي فضاء في العدم، في اللاحياة،...

صدور “تاريخ زنجبار المصور” لرياض البوسعيدي بترجمة محمد الحارثي

يستعرض كتاب "تاريخ زنجبار المصور" من تأليف رياض بن عبد الله بن سعيد البوسعيدي وترجمة محمد بن عبد الله بن حمد الحارثي، تاريخ زنجبار في الفترة 1800-1964، والتي كانت حتى وضعها تحت الحماية البريطانية في سنة 1890م تابعة لـعُمان.صدر الكتاب مؤخراً عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 168 صفحة من القطع الكبير، بنسخة ملونة، مثل نظيرتها الإنجليزية، ويضم 36 فصلًا، ومقدمة للمترجم، ومقدمة وخاتمة للمؤلف، وعددًا من الصفحات التي أضافها المترجم.يقول محمد الحارثي مترجم الكتاب في مقدمته عن مؤلف الكتاب: "وُلد مؤلف الكتاب في زنجبار في سنة 1942م، ونشأ وأكمل تعليمه فيها، وترعرع في قصر (بيت الحكومة) في عهد السلطان خليفة بن حارب، الذي تزوج عمته السيدة نونوه بنت أحمد، وقضى الكثير من الوقت مع أجداده، واكتسب الكثير من المعلومات عن مختلف جوانب تاريخ زنجبار، وفي خمسينيات القرن العشرين كان محظوظًا بقضاء وقت قيِّم مع السلطان خليفة، عندما كان السلطان يُقيم في قصر كيبويني، واستمع إلى الروايات العديدة التي كان يرويها السلطان".ويعرِّف المترجم بالكتاب قائلًا: "يتناول الكتاب بشكل موجز الفترة التي كانت فيها زنجبار محطة مهمة للتجار العرب، خاصة العمانيين، ودور الجزيرة في التجارة البحرية عبر المحيط الهندي، وكيف أصبحت زنجبار مركزًا رئيسيًّا للتجارة؟".ويضيف: "يستعرض الكتاب الفترة التي انتقل فيها السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار من مسقط...

إصدارات مؤسسة بيت الزبير لعام 2025.. تحليقٌ في فضاءات عربيّة وعالميّة واحتفاءٌ بالثقافة العُمانيّة

تحليقٌ في فضاءات الفكرِ والمعرفة، وسياحةٌ ثقافيةٌ تتيحُ إطلالةً واسعةً على مفاصل مهمّة من الواقع الثقافي، العالمي والعربي من جانبٍ، والعُماني من جانبٍ آخر. هذا ما تكشف عنه إصدارات مؤسسة بيت الزبير لعام 2025 التي صدرت حديثاً ضمن مشروع التعاون المشترك مع "الآن ناشرون وموزعون" الأردنيّة.تتنوّع الحقولُ المعرفيّة التي تجترحُها الإصدارات التي ستُطلق خلال معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، بما يستجيب لاهتمامات القارئ العربيّ، على اختلافها، إذ تتيحُ العناوين العشرة تواصلاً مختلفاً ومغايراً مع الثقافة العالمية، ومنها ما يثيرُ أسئلةَ الثقافة العربيّة، على صعيديْ النقدِ والفلسفةِ، ومنها ما يتأمّل، بكثيرٍ من العمقِ، جوانب مفصليةً من الثقافةِ في سلطنة عُمان.إذ يبحث كتابُ "النقد الثقافي" في مسائل النقد الثقافيّ وإشكالياته النظريّة والتجريبيّة، من خلال دراسات علميّة لنخبة من الباحثين والمفكرين والنقاد العرب، انطلاقاً من كون مجال النقد الثقافيّ ما زال مجالاً حييّاً في الثقافة العربيّة، ويحتاج إلى مزيد من ضبط المفاهيم والرؤى والأدوات، وما زال يحتاج إلى اختبارات وتطبيقات ليتسنّى له أن يحتلّ منزلة من النقد الأدبيّ وأن تتوضّح رؤيته ذات المرجعيّات المتعدّدة لعلّ الفلسفة وعلوم الإنسان هي رأسها.يتأمّل د.عبداللّه الغذّامي (السعودية) في ورقته بهذا الكتاب مشهدَ النقد الثقافي والنقد الأدبيّ والدراسات الثقافيّة، ويقدّم د. إدريس الخضراوي (المغرب) عرضاً نظريّاً لدراسات ما بعد الكولونيالية، واقفاً على الأفق النظري لهذه الدراسات وأثره...

“أغنية القيصر الأخيرة” لسعد السامرائي.. مغامرة سرديّة فريدة في فضاء الخيال العلمي

إن الحديثَ عن أدب الخيال العلمي في الأدب العربيّ قلّما يحظى بما يستحقّه من التحليل والتمحيص، وغالبًا ما يُحاط بنظرةِ ريبةٍ أو استغراب. غير أن مطالعة مجموعة "أغنية القيصر الأخيرة" للكاتب والقاصّ العراقي سعد السامرائي (الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2025)، تدفع القارئ إلى إعادة النظر في هذا الجنس الأدبي، بل وإلى التسليم بأنّ أدب الخيال العلمي يمكن أن يكون مرآةً صافيةً تنعكس فيها هموم البشر الحقيقيّة، ولا سيّما في عالمنا العربيّ المزدحم بصراعات الهويّة والذاكرة والمستقبل. وقد يلمس القارئ في هذه المجموعة مزيجًا دقيقًا بين الهمّ الإنساني والمعالجة التقنية، بين نزوع الروح وتوثّب العقل نحو رحابةٍ جديدةٍ لا تكتفي بمجرد تقليد أمجاد الماضي أو الارتهان لسلطة الحاضر. ولعلّ أول ما يلفتُ النظر في هذه المجموعة هو عنوانها: "أغنية القيصر الأخيرة"، بما ينطوي عليه من إشارة إلى فنّ الموسيقى، وما تمثّله من قيمةٍ جماليةٍ بالغة الرهافة، وكونها، في الوقت نفسه، عنصرًا قد يُهدّد سلطةً أو يُحرّك ثورةً أو يُغرق الأرواح. فإن كان "القيصر" هنا يشير إلى كاظم الساهر، فهو يمكن أن يكون رمزًا للقوة، أو رأسًا للأمر والنهي. لذا، تذكّرنا أغنيته الأخيرة بمصيرٍ معتم تؤول إليه محاولة السيطرة على نبض الفنّ، الذي لا يكفّ عن التمرّد والانفلات. تأتي القصة التي تحمل هذا الاسم مشحونةً بشحناتٍ رمزيّة، تؤسّس لعالمٍ مستقبليٍّ يخشى الموسيقى ويلاحقها، حتى...

“بين بوابات القدس” لصبحي فحماوي.. قصص تجسّد معاناة الفلسطينيين

يواصلُ الكاتب الأردني صبحي فحماوي انحيازه لفلسطين بوصفها قضيّة وطنية وقومية، من خلال مجموعته القصصيّة الجديدة "بين بوابات القدس"، التي ارتأى إهداءها إلى غزّة، "التي فجّرتَ دُمّلاً بحجمِ دولةٍ أسيرةٍ، فسال منه فيضٌ كبيرٌ من الصَّدِيدِ، ألهب حوله سطح الكرة الأرضية، فأعاد لها بعض صحتها". وتقدم المجموعة صورة بانورامية للحياة الاجتماعية للناس خلال العدوان الصهيوني على غزّة، وعمّا يفعله بالناس بشكلٍ مباشرٍ، بل، بما فيها من تفاصيل، غير أن العدوان الصهيوني يجعلها حياة معجونة بالمعاناة والألم والفقد، وهكذا يطلقُ فحماوي صرخته ضدّ هذا العدوان الشّرس بشكلٍ فني، وضدّ ممارساته الهمجيّة في حقّ الناس، بعيدًا عن الخطابيّة المباشرة. صدرت المجموعة مؤخراً عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت بعيدة عن التكلّف، لصالح قربها من اليومي والمعيش، كما تمّ توظيف الكثير من الكلمات والعبارات الدارجة على ألسنة العامة في قصص المجموعة، في حين كانت الأمثال الشعبية حاضرة بقوّة بين ثنايا المجموعة. أولى قصص المجموعة جاءت بعنوان "التوأمان"، في إحدى وعشرين صفحة، وتتحدّث عن "منير جبران"، أحد سكان مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزّة، ومعاناته في مختلف تفاصيل الحياة اليوميّة، أسوة بسكّان القطاع جميعهم، "بسبب الحصار المفروض على القطاع من جميع الجهات؛ الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، والمختوم بقُبّة سماوية تُغطي قِدْرَ القطاع الذي داخلهُ يغلي". وكان "منير" قد رُزق بمولودين توأمين: ذكر وأنثى، بعد سبع...