مرآة النقد

“لن أواري سوأتي”: مجموعة قصصية لـ “آية السيّابية”، إليك قراءة فيها

مكتب أثير في تونس محمد الهادي الجزيري   التركيز على شيء ما، خاصة في الأدب يؤدي العكس، ثمّ إنّ كلّ شيء يُقال، إذا بحثنا جيدا عن المفردات، وهذا ما حدّثتُ نفسي به وأنا أنهي القصة الأولى من هذه المجموعة التي تحمل عنوان “عشّة أبي” ، فلا توجد مواضيع منبوذة ومتروكة، فكلّ أفعال الحياة متاحة للنقد والتمحيص والمراجعة، من قِبل الخيّرين المؤمنين بالإنسان الحرّ، وهذا ما لاحظته في حواري الفائت مع آية السيّابي بمناسبة تتويجها بالمركز الأوّل في مسابقة الإبداع الثقافي للمرأة الخليجية، فهي شابة ذكية وشجاعة وموهوبة، وتكتب بكلّها على عكس العديد من المتطفلات على الأدب، ولكن، أحسّ أحيانا أنّ في عقلها جلاّدا لابدّ من إدانته على كلّ ما اقترفه في المرأة من دونيّة وظلم فادح، علما أنّ الجريمة تقاسمه المرأة نصيبا منه، وذاك حديث يطول…في قصة بعنوان “لطخة” تتبع الساردة امرأة أندونيسية في رحلتها من مكان إقامتها إلى مقرّ عملها الجديد، وهي رحلة شاقة وطويلة، تحدّث فيها المرأة / الخادمة نفسها وطفليها الذيْن خلّفتهما عند أمّها، وتنتهي بها الرحلة في بيت المؤجر وربّة البيت والأسرة التي ستعمل عندها، خلاصة القول أشارت آية السيّابي إلى الظروف الصعبة التي تشتغل فيها الخادمات الأجنبيات والفرز المدروس من قِبل أرباب البيوت، فعلى سبيل المثال ثمّة حادثة ساقتها القاصة في علاقة “لينا” اسم الخادمة وبقية العائلة: التركيز...

آية السيابي: «لن أواري سوأتي» وفازت بالجائزة!

عهود عبد الكريم القرشيإنه لأمرٌ جيد، أن تقرأ كتابا ويعجبكَ بكل ما فيه، ولكن أن ينال ذلك الكتاب ضوء انتشار، وجمال ظهور، وجائزة وتقدير، فهذا أمرٌ يُصيب القارئ -المنحاز نحو الجمال- في مقتل حب. ولقد أكرمتني الحظوظ وعشت فرحة نجاح الكاتبة العمانية آية السيابي. وأعني بذلك حصول مجموعتها القصصية الأولى والتي حملت عنوان «لن أوراي سوأتي»، على جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية في دورتها الخامسة 2023.ولكن ما الذي كتبته آية السيابي وجعلني لقصصها من القارئين، ولأسلوبها من المُعجبين، وما الجائزة التي حصلت عليها من المُهنئين؟حين تُقرر المرأة أن تخبر العالم وتصرخ: «لن أواري سوأتي» فالوجع أعلى من الصمت، وأكبر من المداراة. ولقد حملت آية السيابي على عاتقها الكتابة عن المرأة، دون إطلاق الأحكام المعلبة، أو التنازع حول الحقوق الموزعة، ودون تحيز وتقرير مصير، أو إشاعة لومٍ وتقريع. عبرت بحرارة وألم عما أدمى قلوب النساء، أخذت مشرط الكلمات، وقطعت دابر الوجع ثم أخرجت على الورق رصاصة الألم.لقد نسجت آية السيابي من القصص رداءًا يواري سوأة الأوجاع، وصرخت في وجه من عاثوا في القلوب طعناً وإيلاماً: لن أوراي سوأتي. لا على سبيل التحدي، بل على نهج الوضوح!أن تكتب المرأة عن المرأة، يعني أن تعيش  ألف حياة أخرى، لأن قلب المرأة، في كل بيئة، وبأي لغة، وتحت أي ظرف، قلب يسع سماء...

قيمة الانتماء في مجموعة “بنكهة البرزخ” للشاعر يونس البوسعيدي

فاطمة حيدر العطاالله -شاعرة وروائية سورية-يُعدُّ الانتماء حالة وجودية عميقة ترتبط بهويته وثقافته وتاريخه. الشاعر يعيش الانتماء كجزء أساسي من تكوينه الإبداعي، حيث يصبح هذا الانتماء مصدر إلهامه وقوة تعبيره. الانتماء أيضًا يخلق لدى الشاعر مسؤولية تجاه مجتمعه، فهو لا يكتب لنفسه فقط، بل يصبح صوتًا يعبر عن آمال وآلام الجماعة التي ينتمي إليها. من خلال شعره، يمكن أن يعبر عن قضايا وطنه، يدافع عن قيمه، أو حتى ينتقد ما يراه معيقًا لتقدمه. هو الجسر الذي يربطه بماضيه وحاضره، وهو البوصلة التي توجه إبداعه نحو المستقبل. يُعدُّ الشاعر صاحب قضية، كما يُعدُّ الثائر بطبيعة الحال؛ فهو يعكس حال وواقع مجتمعه وأمته وظواهر هذا المجتمع وما فيه وما يعاني، وهو بصورة تامّة يرسم بوعيه الجمالي صورة واضحة المعاني الجمال، ويكون ذلك عفواً؛ أي من خلال إيمانه بقضيته التي يتحدث عنها، ولا يلبث الشاعر إلا أن يتبنى من ضمن هذه القيم الجمالية قيمةَ الانتماء؛ فهو لا يغفل عن هذه القيمة لما لها من أثر جمالي يصنع كينونته الشعرية وتفاعله الإنساني مع مجتمعه ووطنه؛ فهو عندما يخلّد هذا الانتماء –ونعني الانتماء الوطني – يعكس صورة جمالية لذاته بوعي مختلف عن القيم الأخرى، ولعلَّ هذه القيمة من أهمّ القيم لما تعنيه في فكر الشاعر وهويته ويمه الأخرى؛ فالشاعر عندما يبرز انتماءه لوطنه، فهو...

إلى شغف رسائلُ كُتِبَتْ بماءِ الوعيِ وحِبرِ الخبرة

د. مي بكليزيرسائلُ كُتِبَتْ بماءِ الوعيِ وحِبرِ الخبرةِ، نُقِشَتْ على أوراقِ الحياةِ ودفاترِ العمرِ، تجربةٌ غنيّةٌ وارفةُ الظِّلالِ ألقتْ بكلِّ طاقتها على شغف، الصبيّةِ الطفلةِ ذاتِ السنةِ والنصفِ. استباحتْ أمُّها عالمَها البريءَ لتُزيِّنَهُ بجمالِ الحكايةِ ولطائفِ النُّصحِ وبريقِ الحبِّ الذي يَدُجُّ قلبَ أمٍّ حَظِيَتْ بمولودتِها لأوَّلِ مرةٍ، فكان أخواها قد وَسَما لأمهما لقبَ «أمّ»، لكنَّه لا يرتقي لما تُسْمِيهِ شغفُ الابنةُ من لقبٍ، ففيها حياةٌ حينَ تَلْفِظُ «ماما»، ليستْ كأيِّ حياةٍ، (فليس الذكرُ كالأنثى).تمتزجُ الحِكمةُ الوازنة والعاطفةُ الرَّائقةُ والعقلُ الرَّاجحُ والخبرةُ الناضجةُ بكلِّ حرفٍ بعثَتْهُ مي في رسائلِها، لمن أسمتْها «شغف» الابنةِ، ولمن أسمتْهُنَّ نساءَ وبناتِ غزَّةَ، ولمن أسمتْهُنَّ أيضًا حَبَّاتِ المطرِ. فكلُّ أنثى تُهدى لها هذه القِطافُ المرويّةُ بمبادئِ الخُلُقِ، المسيَّجةِ بالدِّينِ، المكتملةِ أركانُها بالصَّحيحِ من العاداتِ والتقاليدِ.تخاطبُها بـ «يا ابنتي» حينًا، وحينًا آخرَ بـ «يا صغيرتي»، وبعضَ الوقتِ بـ «غاليتِي، حبيبتي»، كلُّها مناداةٌ محبَّبَةٌ للنَّفسِ، مُذْهِبَةٌ للوَجَسِ، وتوقِّعُ بـ «والدتُكِ» نهايةَ كلِّ رسالةٍ، أو «أمُّكِ»، أو قُلْ «أمُّكِ المحبَّةُ».دَفْقٌ من حبٍّ وحنانٍ، ترانيمُ رعايةٍ واعتناءٌ باذخٌ بأخلاقِ مَن وُلِدَتْ تَوًّا، تتعهَّدُها أمُّها للنَّجاةِ والنَّجاحِ، وتَحُضُّها على الاعتزازِ بذاتِها والافتخارِ بها. سَيْلٌ من عُنفُوانٍ، وأهازيجُ من فرحٍ سخيَّةٍ، تَحفُّ بها كلماتُها، المُتَوَّجةُ على رأسِ شغفَ البنتِ، كملِكةٍ في هذا الزَّمانِ.في لغةٍ متمكِّنةٍ رقراقةٍ سلسةٍ، لا يَعوزُها التَّكلُّفُ والتَّصنُّعُ،...

تولستوي يحترق: من ينجو… الحكاية أم الإنسان؟

محمد فتحي علي / مصرفي عالمٍ تلتهمه الحروب، لا يبقى شيء على حاله. المدن تتحول إلى رماد، والذاكرة تصبح هشّة كزجاج متشقق، والقصص التي كان من المفترض أن تُروى تُدفن تحت الأنقاض. لكن وسط هذا الركام، تنبت الحكايات مثل نبات بري يتحدى الخراب. بعضها يختبئ بين السطور، وبعضها الآخر يصرخ في وجه النسيان، يرفض الموت مهما كانت ألسنة اللهب. من بين هذه الحكايات، تبرز رواية "الحرب التي أحرقت تولستوي" للكاتبة الأردنية زينب السعود، لتكون شهادة أدبية على هشاشة الإنسان أمام وحشية الحرب، وعلى قوة الكلمة رغم كل شيء. زينب السعود ليست مجرد كاتبة عابرة في المشهد الأدبي العربي، بل صوت يحمل حساسية مدهشة تجاه التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق بين الحكاية والخبر. بأسلوبها السلس والعميق، تأخذ القارئ في رحلة تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، لتغوص في عمق التجربة الإنسانية حيث الألم والخسارة ومحاولات النجاة المحفوفة بالأسئلة. إنها كاتبة تعرف كيف تُشعل شرارة الحكاية من تفاصيل عابرة: كوب شاي بارد على طاولة مهجورة، كتاب نصف محترق، نظرة وداع لم تكتمل. في "الحرب التي أحرقت تولستوي"، رواية صدرت عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن عام 2023، لا تسرد السعود قصة حرب بحد ذاتها، بل تحكي عن الحرب التي تحترق في صدور أبطالها، عن الخسائر التي لا تظهر في نشرات الأخبار: خسارة لغة، حلم، حب...

قراءة في مجموعة “الموت يدخّن أيضاً” لماري جليل

علي شمس الدينتُدخِلنا الشاعرة ماري جليل في إصدارها "الموت يدخّن أيضا" عام 2024 عن " الآن ناشرون وموزّعون" في عمليّة تعقّب للموت وهو يتناسل في القصائد كخلاصة شقّت طريقها لتصير مكوّنا أصيلا في نسيج المجاز. فالموت بالنسبة لجليل هو حضورٌ ضمرت سطوتة الميتافيزيقيّة ولذا فالنصّ يتألّف عبر سياقات دراميّة تتأجّج في تشكيلات رمزيّة لآثار الموت وسيلانه في الزمن.فالّلغة هنا تُحرّكها بساطة لا توغل كثيرا في حبكِ وهج الموت وسؤاله الكبير المربك ولا تنبري لرفعه إلى مستوى التجريد الخالص ولا للرقص حول ناره والتعبّد في حضرته. اللغة في القصائد تتخثّر كموجات بوحٍ مغناطيسية متتالية تصنع كلاما شخصيّا، اشبه بمونولوغ داخلي،لا ينفك يستذكر تحسّس الجسم وتطلّبه كملاذ أخير مواز لزيارات الموت وعوالمه.فجليل تصوغ القصائد في خضمّ مصارحة كبرى تبطّن النصّ وتحرّره من لاجدوى التراجيديا وعقم التفجّع. وفي هذا تتشكل ملاحظة باهظة في مكاشفات تتصاعد تباعا في النصّ تؤشّر إلى مأزق لا يصرفه طقس ولا حداد، ولا حتى ارتفاع إلى التسامي ولا نزول إلى عتمة الغياب، بل تتمدد في طيّاته رغبة تتأجج في صدمات خفيفة ترسل ارتداداتها في القصائد فهذا "موت أكثر من عاديّ". فقصائد جليل تعمل في المساحة بين عاديّة الموت وبين حدوثه.وجسارة هذا الشعر تعتمل في بساطة اللّغة ووضوح منطلق الكلام الذي تحاول فيه الشاعرة على مدار النصّ تلافي الجنون...

الناقد الكويتي د. براك القعيط يكتب عن رواية “الحرب التي أحرقت تولستوي” للكاتبة زينب السعود

د. براك القعيط(ناقد كويتي) رواية (الحرب التي أحرقت تلستوي) للكاتبة زينب السعود، صدرت هذه الرواية عام 2023 عن (الآن ناشرون وموزعون) وتقع في 235 ورقة من القطع المتوسط.تقدم الرواية معالجة إنسانية عميقة لحالة الحرب وتأثيرها، مع استخدام تقنيات سردية متناغمة تبرز مهارة زينب السعود في استحضار التوترات النفسية والاجتماعية.إنها عمل أدبي معاصر يعيد للأدب العربي دوره في مواجهة القضايا العالمية بمنظور إنساني فريد،ولا بد أن أشير إلى أن الكاتبة بذلت جهدا رائعا في رسم واقعية النص فقد ذكرت المناطق والطرق والمطاعم والوجبات الأوكرانية والكثير من الحياة الأوكرانية بأسمائها وصفاتها الحقيقية وهذا يدل على أنها اهتمت بهذا الأمر جيدا. نبذة عن الرواية:تتناول الرواية تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على مجموعة من الطلاب العرب الذين يدرسون الطب في أوكرانيا، وتسلط الضوء على معاناتهم ومحاولاتهم للنجاة في ظل الصراع الدائر، كما تستعرض الرواية تجربة مراسل صحفي حربي يدعى يوسف، وتبرز التحديات التي يواجهها بين واجبه المهني وحياته الشخصية، وتأثير عمله على أسرته وحياتهم الخاصة.العنوان ودلالته:العنوان (الحرب التي أحرقت تولستوي) يحمل دلالة رمزية، حيث يشير إلى التناقض بين تلستوي الأديب الروسي العظيم الذي ناهض الحرب في روايته (الحرب والسلام)، وبين الحرب الحديثة التي تشنها بلاده مما يخلق مفارقة تاريخية وأدبية.وسنتكلم لاحقا على اختيار الرواية التي مثلت تلستوي في هذا العنوان والعمل.وها هنا ملاحظة نقدية لافتة...

غسان عبد الخالق في كتابه “البلاغة السياسية من منظور حضاري”

محمد سلّام جميعانالباحثون والدارسون كُلٌّ له منهجُهُ وأُسلوبُه في النَّظر إلى النُّصوص والمرويّات، فمنهم من يَتوسَّلُ للسُّلطان، فيكتبُ بِلُغةٍ رسميَّةٍ تجري في موكِبه، وتُشايعُ مذهبَه وتُداهِنُ جمهورَه، فترفع من يركبُ في مركبه، وتخفضُ من يناوئُ إشارة إصبعه. ومنهم مَن يحتكم إلى العقلِ فَيُعمِلُ النَّظر في الموروثِ والحديثِ من أخبار التاريخ والأدبِ والفنّ، ولا يتوارى خلفَ مقولات السَّلف الصالح أو الطالح من رواة الأخبار في الشعر والنثر، ويُحرِّرُ عقله ووجدانه من تدليس حمّادٍ الراوية وهمبكات خلف الأحمر وأضرابه من شعوبيي الرأي والمذهب، ويَضربُ في مناكب النصوص استقراءً وتحليلاً ومُساءلةً لشروطها الموضوعية، حتى يتبيَّن له الخيط الأبيض من الخيطِ الأسود من القولِ والقائل.عَنَّتْ على البالِ هذه الفكرة وأنا أقول كلمتي فيما أهدانيه الأديب العزيز د. غسان عبد الخالق من صحائف عقله وقلمه. وكُلَّما نظرتُ في كتاب منها ازدادت قناعتي أنه باحثٌ يغوصُ في قاعِ النَّص أو الظاهرة الأدبية والتاريخية، ولا يستخدمُ صِنّارة غيره في التقاط أسماكِ الفكرة، بل حرّر عقله من كلِّ أقوالِ من يكتبون ويتكلّمون، واختطّ لنفسه منهجاً يقومُ على وضعِ الحصانِ أمام العرَبَة، ولهذا لم يتعرَّجْ ولم يتموّج وهو يسير على جادّة الطريق.إنَّ ثقافتنا العربية وتاريخنا تمتدُّ زماناً ومكاناً، وتمتلك عوامل انبعاثها التجدُّدِي الصَّحيح، وتحتاجُ منّا إلى مَن ينتشلُها مِن كمونِ الفعلِ إلى حيِّز التَّحقُّق، ويُمَوضِعُها في الوجدان العربيِّ...

هل من السهل أن تقف على تفاصيل الذي مضى برواية؟

صافي إسماعيل صافي هل من السهل أن تقف على تفاصيل الذي مضى برواية؟ لا طبعا، فرشيد تناول حكاية جده رشيد في أواخر العهد العثماني، حين كان التجنيد إجباريا، حين كان الناس يحفرون الصخر من أجل لقمة عيشهم، حين كانت القرية صغيرة، والناس يعرفون بعضهم تماما، حين كانت العائلة صغيرة مهما كبرت. رشيد الجد وحيد أبويه، ورغم ذلك يطلبونه للتجنيد، ويتجاوزون القانون، بأمر السلطان العالي. رشيد يرفض أن يكون فراري، ويختبئ في الجبال والأودية، فيواجه الطلب بشجاعة، ويتكل على الله وعلى نفسه الأبية، ويواجه دموع أمه وأخواته ونظرات أبيه بحزم وبثقة. رحلة طويلة من المشي، وركوب عربات تجرها الخيول، وقطار متهالك، من جيبيا إلى القرى المجاورة إلى بيرزيت إلى القدس إلى يافا إلى الشام. يواجه رشيد كل ذلك بصبر، وهو الشغوف للتعرف على كل منطقة يمر منها، فكل لها ذكرياتها المحكية والدينية والتاريخية. يواجه حر الصيف ولسعات الناموس والعطش والجوع والغربة، فيقيم علاقات مع الذين حوله، يكسر من خلالها وحدته وتعبه والانغماس في ردود فعله أهله وقلقهم. حتى في أصعب الظروف، يعمل رشيد لأن يكون متفوقا، فيصبح مدربا، ويختاره القائد في مهمة سرية، لكن رشيد النبيه، ينتبه لأغراض أخرى في نفس القادة، ويخرج منها بأمان. تمر الشهور، فيتم اختياره في مهمة في القدس، وهناك تنتهي الحرب بهزيمة الدولة العثمانية، فيعود إلى أهله. أسئلة كثيره تدور في البال، بعيدا...

«بندورة الحيَّة» و«رباعيات الفردوس» لمخلد بركات

مهدي نصيرامتزاج الأساطير وتداخل وتحوُّل شخصياتها في تمثلاتها الواقعية«بندورة الحية» للروائي والقاص مخلد بركات هي روايةٌ قصيرةٌ (نوفيلا) رعوية فلاحية صدرت عام 2010 عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، وتُطلُّ هذه الرواية عبر نوافذ المعلم الشامي لطفي على حزن القرى والفلاحين وعذاباتهم وحكاياتهم المعجونة بالخوف والأمل والترقب والحذر، يقوم هيكل النوفيلا على الأستاذ الشامي لطفي وتلاميذه والذي يفتح لهم نوافذ على تاريخهم وحكاياتهم وجذورها وأصولها مجسِّداً ذلك الصراع التاريخي بين الخير والشر عبر حكاية حمدان الحمد وزوجته هلالة وابنته الأسطورية صبحا التي اختفت في حقول القمح وذابت لتُشكِّل أسطورةً وحكايةً يحتاجها الناس في بؤسهم اليومي الذي يبحثون به عن خلاص، وعبر فلاح الحمدان الحمد أيضاً الذي ولد كبشارةٍ لحمدان وهلالة وهما في ارذل العمر، وفي هذه يتناص ويوظف مخلد بركات قصة سيدنا إبراهيم الخليل وسارة في مغازي ومرامي روايته، فلاح المتفوق والمنعزل في عليته يبحث عن معادلةٍ رياضيةٍ تُعيد إليه أخته صبحا التي اختفت في حقول القمحِ كأنها صورةٌ من صورِ عناة الكنعانية مع قلب الأسطورة لتكون عناة هي التي تختفي وبعل (فلاح) هو الذي يبحث عنها، يرافق ذلك حديث القرى وأمثالها ولغتها وتراويدها وأمثالها وتراتيلها وفُحشها وعرافيها ودجاليها عبر شخصية سلامة العراف الشرير وابنه نعمان الأعمى الذي يقود بسكليت ويُطلُّ من نافذة الأستاذ لطفي ليتهكم عليه وعلى تلاميذه،...