مرآة النقد

“لعنة فردوس” لنور أرناؤوط.. رواية “وعي الانتماء”!

بديعة زيدانعبر شاهد قبر "إبراهيم الألباني" المولود في سورية، وما قبله من حكاية "فردوس" التي تصدّت بطريقتها للاحتلال الفرنسي لسورية، ولعنتها أو لعناتها، وما بعده من مآسي "سمير"، الراوي، في عمّان، وأسئلته التي لا تنتهي، سواء تلك التي يطلقها خارجه، أو يحبسها بينه وبينه، يقف القارئ أمام سردية حول هوية أسلاف صاحبتها المتفرقين في المنطقة، بعد نزوح عتيق جداً من ألبانيا لـ"الأرناؤوطيين".الحديث هنا عن رواية "لعنة فردوس" لنور أرناؤوط، الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في العاصمة الأردنية عمّان.ولعل ما أرادت أن تقوله الرواية، سبق وأن عبّرت عنه صاحبتها في إطار تقرير صحافي نشره موقع "رصيف 22" الإلكتروني، حين صرّحت بأن "دماؤنا أرناؤوطية، وانتماؤنا أردني"، مشددة على أن رحلتها في البحث عن ماضٍ يستند إلى حاضر لا يمكن إلغاؤه، رحلة يعوقها نسيان أفراد عائلتها الماضي يقابله انصهار كبير في مجتمع يعيشون فيه، وهو ما دفعها إلى إصدار روايتها الأولى "لعنة فردوس".تنطلق أحداث الرواية، حسب صاحبتها، من سؤال راودها منذ طفولتها ووصفته بـ"وعي الانتماء"، إذ كانت تواجه أسئلة كثيرة حول اسم عائلتها وغرابته، حتى أنها لم تستطع الإجابة حينذاك، مشددة على أنهم في الأردن مواطنون، لكن لم يتم إبراز هويتهم، وفي ألبانيا هويتهم معروفة بمجرد ذكر اسم العائلة، ما منحها الثقة بأن أصولها واضحة، ودفعها للعمل من أجل إبراز هويتها وثقافتها...

قراءة في  ثلاثية “البيرق” لشريفة التوبي

آية السيابي/ كاتبة وروائية عُمانية ثلاثية "البيرق" عمل أدبي عظيم. يجمع بين السرد التاريخي والدرامي، ويوثق تحولات هامة في عمان بطرح موضوعي وواقعي. استطاعت شريفة التوبي أن تقدم عملًا غنيًا بالتفاصيل والأبعاد السياسية والاجتماعية، مما يجعل الرواية مرجعًا أدبيًا مهمًا لفهم التحولات التي مرت بها عمان خلال مرحلة التخلص من حكم الامامة التقليدي إلى الحكم الحداثوي للسلطنة.تُعد رواية "ثلاثية البيرق" للكاتبة شريفة التوبي عملًا أدبيًا بارزًا يوثق مراحل حاسمة من تاريخ عمان الحديث. تتكون الثلاثية من ثلاثة أجزاء: "حارة الوادي"، "سراة الجبل"، و"هبوب الريح"، حيث تقدم الكاتبة رؤية شمولية حول التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال القرن العشرين. وتعتمد الرواية على أحداث تاريخية محورية، أبرزها حرب الجبل ضد الإنجليز، وسقوط الإمامة، والنزعة الشيوعية في ظفار.اعتمدت شريفة التوبي في ثلاثيتها على السرد التاريخي المتقاطع مع السرد الأدبي، ما يجعل الرواية تجمع بين التأريخ والتخييل الفني. واستخدمت الكاتبة الأسلوب السردي المشبع بالتفاصيل الواقعية، مع توظيف مكثف للوصف الدقيق للحياة الاجتماعية والبيئة. التي كانت لبنة أساسية في بناء الرواية بأجزائها الثلاث. فقد وصفت شريفة التوبي الأماكن بتفاصيل دقيقة، مما يخلق لدى القارئ شعورًا بالانغماس في العالم الذي تتشكل فيه الأحداث وتتواجد فيه الشخصيات كفيلم مصوّر. وقد استخدمت الكاتبة الزمن بذكاء عال. وحبكة رائعة فانسدلت الأحداث تباعا بترابط غير شاذ. ما أثار دهشتي...

عن رواية “الخروبة” للكاتب رشيد النجاب

المحامي حسن عباديالتقيت بالأديب رشيد النجّاب الذي أهداني نسخة من كتابه "الخَرُّوبة" (رواية قصيرة، 111 صفحة، صورة الغلاف: بطل الرواية رشيد النجّاب/جد المؤلف، تصميم الغلاف: م. سجود العناسوة، صادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن). الخَرّوب شجرة أصيلة ممتدّة الظلال ودائمة الخضرة، معمّرة، ومنها يُحضَّر رُبّ ودبس الخروب ويضاف للعصيدة؛ وجاء ذكر الخرُّوبة للمرّة الأولى في صفحة 21، وكانت معلم وإشارة، فلم تكن أسماء للطرقات، واعتاد الناس الإشارة لعلامة واضحة مميّزة تكون نقطة فارقة متعارفاً عليها، تماماً، بلا تشبيه، كالسيّارة الخربانة التي أشار لي شاعر صديق في إحدى مدن الضفّة الغربيّة واصفاً لي مكان سكناه. إنها خروبة قديمة قدم الزمان/ "خرُّوبة النحلة" القديمة التي "استقرَّت بين أغصانها نحلة وجعلت لها فيها مقرًّا" وصارت معلماً مشهوراً ممّا أغاظ الاحتلال واغتالها (ص 56)، تماماً كما اغتال السجّان ريحانة صديقي الأسير محمد مرداوي في سجن النقب الصحراوي، ووردة صديقي المرحوم زهير لبادة الحمراء التي صادرها السجّان وأعدمها. باتت الخروبة مقرّاً ومقاماً، منها تم اقتياد رشيد للجنديّة، "وحتّى الذين علموا بوفاة عبد الرحمن، جاءوا إلى القرية مُعزّين باتت الخرّوبة وجهتهم"، صارت صومعة الوالدة ومعبدها وموئلها اليومي، المرصد وخروبة الانتظار، وتعدّ نفسها لمراسم الاستقبال الموعودة في ظلّها. جاء في الإهداء: "إلى أرواح عانقت الطبيعة الجميلة في جيبيا… جدتي وجدّي...أمي وأبي"، ولفتت انتباهي "جيبْيا" (بلدة آبائه وأجداده، قرية...

الهوية السائلة في رواية “كايميرا 19” للروائية الأردنية سميحة خريس

زينب السعودفي كتابه (الحداثة السائلة) يرى زيغمونت باومان أن ما يجتاح العالم اليوم هو نتيجة حداثية وأن التغيير عربة جرّت عجلاتها بلا هوادة وصبغت الحياة بأصباغ جديدة، وقد أطلق (باومان) على حالة انعدام الثبات وتزعزع اليقين التي اجتاحت مفاصل الحياة البشرية بالحداثة السائلة. وإذا كانت الحداثة كمفهوم ظهر بعد سلسلة من الظروف الاجتماعية والسياسية في أوروبا تحديدا ثم ما لبث أن انتشر لتتم محاولة تعميمه على جميع المجالات الحياتية. فإن الأدب هو الأكثر تأثرا بالأفكار الجديدة والأسرع امتصاصا لها. والخطورة تكمن أن يكون سيلان المفاهيم الحداثية قد امتد ليطال أنسنة البشر، تلك الشعورية الفاصلة للإنسان عن بقية الكائنات حيث يجتمع العقل والقلب معا في ذات واحدة تصارع السوء المحدق به، تصرعه حينا ويتغلب عليها حينا آخر. ولكنها تظل في صراع أبدي مع كل شيء رديء حتى يتفوق أحدهما وهنا يكمن الاختبار الحقيقي. في روايتها (كايميرا 19) تصدمنا الروائية الأردنية سميحة خريس منذ أولى عتبات روايتها "الغلاف" أننا امام كائن هجين له رأس اسد وجسد ماعز وذيل كالأفعى، هذا الكائن الذي ارتسم على لوحة غلاف الرواية استعارته الكاتبة من أسطورة يونانية قديمة تتحدث عن (كايميرا) المخلوق الذي لا ينسب لعالم الإنسان ولا عالم الحيوان والوحوش، بل هو خليط بين الأنسنة والتوحش والغرابة ولهذا كانت أسطورة كايميرا ترمز إلى الوهم والسراب والأحلام...

“لن أواري سوأتي”: مجموعة قصصية لـ “آية السيّابية”، إليك قراءة فيها

مكتب أثير في تونس محمد الهادي الجزيري   التركيز على شيء ما، خاصة في الأدب يؤدي العكس، ثمّ إنّ كلّ شيء يُقال، إذا بحثنا جيدا عن المفردات، وهذا ما حدّثتُ نفسي به وأنا أنهي القصة الأولى من هذه المجموعة التي تحمل عنوان “عشّة أبي” ، فلا توجد مواضيع منبوذة ومتروكة، فكلّ أفعال الحياة متاحة للنقد والتمحيص والمراجعة، من قِبل الخيّرين المؤمنين بالإنسان الحرّ، وهذا ما لاحظته في حواري الفائت مع آية السيّابي بمناسبة تتويجها بالمركز الأوّل في مسابقة الإبداع الثقافي للمرأة الخليجية، فهي شابة ذكية وشجاعة وموهوبة، وتكتب بكلّها على عكس العديد من المتطفلات على الأدب، ولكن، أحسّ أحيانا أنّ في عقلها جلاّدا لابدّ من إدانته على كلّ ما اقترفه في المرأة من دونيّة وظلم فادح، علما أنّ الجريمة تقاسمه المرأة نصيبا منه، وذاك حديث يطول…في قصة بعنوان “لطخة” تتبع الساردة امرأة أندونيسية في رحلتها من مكان إقامتها إلى مقرّ عملها الجديد، وهي رحلة شاقة وطويلة، تحدّث فيها المرأة / الخادمة نفسها وطفليها الذيْن خلّفتهما عند أمّها، وتنتهي بها الرحلة في بيت المؤجر وربّة البيت والأسرة التي ستعمل عندها، خلاصة القول أشارت آية السيّابي إلى الظروف الصعبة التي تشتغل فيها الخادمات الأجنبيات والفرز المدروس من قِبل أرباب البيوت، فعلى سبيل المثال ثمّة حادثة ساقتها القاصة في علاقة “لينا” اسم الخادمة وبقية العائلة: التركيز...

آية السيابي: «لن أواري سوأتي» وفازت بالجائزة!

عهود عبد الكريم القرشيإنه لأمرٌ جيد، أن تقرأ كتابا ويعجبكَ بكل ما فيه، ولكن أن ينال ذلك الكتاب ضوء انتشار، وجمال ظهور، وجائزة وتقدير، فهذا أمرٌ يُصيب القارئ -المنحاز نحو الجمال- في مقتل حب. ولقد أكرمتني الحظوظ وعشت فرحة نجاح الكاتبة العمانية آية السيابي. وأعني بذلك حصول مجموعتها القصصية الأولى والتي حملت عنوان «لن أوراي سوأتي»، على جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية في دورتها الخامسة 2023.ولكن ما الذي كتبته آية السيابي وجعلني لقصصها من القارئين، ولأسلوبها من المُعجبين، وما الجائزة التي حصلت عليها من المُهنئين؟حين تُقرر المرأة أن تخبر العالم وتصرخ: «لن أواري سوأتي» فالوجع أعلى من الصمت، وأكبر من المداراة. ولقد حملت آية السيابي على عاتقها الكتابة عن المرأة، دون إطلاق الأحكام المعلبة، أو التنازع حول الحقوق الموزعة، ودون تحيز وتقرير مصير، أو إشاعة لومٍ وتقريع. عبرت بحرارة وألم عما أدمى قلوب النساء، أخذت مشرط الكلمات، وقطعت دابر الوجع ثم أخرجت على الورق رصاصة الألم.لقد نسجت آية السيابي من القصص رداءًا يواري سوأة الأوجاع، وصرخت في وجه من عاثوا في القلوب طعناً وإيلاماً: لن أوراي سوأتي. لا على سبيل التحدي، بل على نهج الوضوح!أن تكتب المرأة عن المرأة، يعني أن تعيش  ألف حياة أخرى، لأن قلب المرأة، في كل بيئة، وبأي لغة، وتحت أي ظرف، قلب يسع سماء...

قيمة الانتماء في مجموعة “بنكهة البرزخ” للشاعر يونس البوسعيدي

فاطمة حيدر العطاالله -شاعرة وروائية سورية-يُعدُّ الانتماء حالة وجودية عميقة ترتبط بهويته وثقافته وتاريخه. الشاعر يعيش الانتماء كجزء أساسي من تكوينه الإبداعي، حيث يصبح هذا الانتماء مصدر إلهامه وقوة تعبيره. الانتماء أيضًا يخلق لدى الشاعر مسؤولية تجاه مجتمعه، فهو لا يكتب لنفسه فقط، بل يصبح صوتًا يعبر عن آمال وآلام الجماعة التي ينتمي إليها. من خلال شعره، يمكن أن يعبر عن قضايا وطنه، يدافع عن قيمه، أو حتى ينتقد ما يراه معيقًا لتقدمه. هو الجسر الذي يربطه بماضيه وحاضره، وهو البوصلة التي توجه إبداعه نحو المستقبل. يُعدُّ الشاعر صاحب قضية، كما يُعدُّ الثائر بطبيعة الحال؛ فهو يعكس حال وواقع مجتمعه وأمته وظواهر هذا المجتمع وما فيه وما يعاني، وهو بصورة تامّة يرسم بوعيه الجمالي صورة واضحة المعاني الجمال، ويكون ذلك عفواً؛ أي من خلال إيمانه بقضيته التي يتحدث عنها، ولا يلبث الشاعر إلا أن يتبنى من ضمن هذه القيم الجمالية قيمةَ الانتماء؛ فهو لا يغفل عن هذه القيمة لما لها من أثر جمالي يصنع كينونته الشعرية وتفاعله الإنساني مع مجتمعه ووطنه؛ فهو عندما يخلّد هذا الانتماء –ونعني الانتماء الوطني – يعكس صورة جمالية لذاته بوعي مختلف عن القيم الأخرى، ولعلَّ هذه القيمة من أهمّ القيم لما تعنيه في فكر الشاعر وهويته ويمه الأخرى؛ فالشاعر عندما يبرز انتماءه لوطنه، فهو...

إلى شغف رسائلُ كُتِبَتْ بماءِ الوعيِ وحِبرِ الخبرة

د. مي بكليزيرسائلُ كُتِبَتْ بماءِ الوعيِ وحِبرِ الخبرةِ، نُقِشَتْ على أوراقِ الحياةِ ودفاترِ العمرِ، تجربةٌ غنيّةٌ وارفةُ الظِّلالِ ألقتْ بكلِّ طاقتها على شغف، الصبيّةِ الطفلةِ ذاتِ السنةِ والنصفِ. استباحتْ أمُّها عالمَها البريءَ لتُزيِّنَهُ بجمالِ الحكايةِ ولطائفِ النُّصحِ وبريقِ الحبِّ الذي يَدُجُّ قلبَ أمٍّ حَظِيَتْ بمولودتِها لأوَّلِ مرةٍ، فكان أخواها قد وَسَما لأمهما لقبَ «أمّ»، لكنَّه لا يرتقي لما تُسْمِيهِ شغفُ الابنةُ من لقبٍ، ففيها حياةٌ حينَ تَلْفِظُ «ماما»، ليستْ كأيِّ حياةٍ، (فليس الذكرُ كالأنثى).تمتزجُ الحِكمةُ الوازنة والعاطفةُ الرَّائقةُ والعقلُ الرَّاجحُ والخبرةُ الناضجةُ بكلِّ حرفٍ بعثَتْهُ مي في رسائلِها، لمن أسمتْها «شغف» الابنةِ، ولمن أسمتْهُنَّ نساءَ وبناتِ غزَّةَ، ولمن أسمتْهُنَّ أيضًا حَبَّاتِ المطرِ. فكلُّ أنثى تُهدى لها هذه القِطافُ المرويّةُ بمبادئِ الخُلُقِ، المسيَّجةِ بالدِّينِ، المكتملةِ أركانُها بالصَّحيحِ من العاداتِ والتقاليدِ.تخاطبُها بـ «يا ابنتي» حينًا، وحينًا آخرَ بـ «يا صغيرتي»، وبعضَ الوقتِ بـ «غاليتِي، حبيبتي»، كلُّها مناداةٌ محبَّبَةٌ للنَّفسِ، مُذْهِبَةٌ للوَجَسِ، وتوقِّعُ بـ «والدتُكِ» نهايةَ كلِّ رسالةٍ، أو «أمُّكِ»، أو قُلْ «أمُّكِ المحبَّةُ».دَفْقٌ من حبٍّ وحنانٍ، ترانيمُ رعايةٍ واعتناءٌ باذخٌ بأخلاقِ مَن وُلِدَتْ تَوًّا، تتعهَّدُها أمُّها للنَّجاةِ والنَّجاحِ، وتَحُضُّها على الاعتزازِ بذاتِها والافتخارِ بها. سَيْلٌ من عُنفُوانٍ، وأهازيجُ من فرحٍ سخيَّةٍ، تَحفُّ بها كلماتُها، المُتَوَّجةُ على رأسِ شغفَ البنتِ، كملِكةٍ في هذا الزَّمانِ.في لغةٍ متمكِّنةٍ رقراقةٍ سلسةٍ، لا يَعوزُها التَّكلُّفُ والتَّصنُّعُ،...

تولستوي يحترق: من ينجو… الحكاية أم الإنسان؟

محمد فتحي علي / مصرفي عالمٍ تلتهمه الحروب، لا يبقى شيء على حاله. المدن تتحول إلى رماد، والذاكرة تصبح هشّة كزجاج متشقق، والقصص التي كان من المفترض أن تُروى تُدفن تحت الأنقاض. لكن وسط هذا الركام، تنبت الحكايات مثل نبات بري يتحدى الخراب. بعضها يختبئ بين السطور، وبعضها الآخر يصرخ في وجه النسيان، يرفض الموت مهما كانت ألسنة اللهب. من بين هذه الحكايات، تبرز رواية "الحرب التي أحرقت تولستوي" للكاتبة الأردنية زينب السعود، لتكون شهادة أدبية على هشاشة الإنسان أمام وحشية الحرب، وعلى قوة الكلمة رغم كل شيء. زينب السعود ليست مجرد كاتبة عابرة في المشهد الأدبي العربي، بل صوت يحمل حساسية مدهشة تجاه التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق بين الحكاية والخبر. بأسلوبها السلس والعميق، تأخذ القارئ في رحلة تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، لتغوص في عمق التجربة الإنسانية حيث الألم والخسارة ومحاولات النجاة المحفوفة بالأسئلة. إنها كاتبة تعرف كيف تُشعل شرارة الحكاية من تفاصيل عابرة: كوب شاي بارد على طاولة مهجورة، كتاب نصف محترق، نظرة وداع لم تكتمل. في "الحرب التي أحرقت تولستوي"، رواية صدرت عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن عام 2023، لا تسرد السعود قصة حرب بحد ذاتها، بل تحكي عن الحرب التي تحترق في صدور أبطالها، عن الخسائر التي لا تظهر في نشرات الأخبار: خسارة لغة، حلم، حب...

قراءة في مجموعة “الموت يدخّن أيضاً” لماري جليل

علي شمس الدينتُدخِلنا الشاعرة ماري جليل في إصدارها "الموت يدخّن أيضا" عام 2024 عن " الآن ناشرون وموزّعون" في عمليّة تعقّب للموت وهو يتناسل في القصائد كخلاصة شقّت طريقها لتصير مكوّنا أصيلا في نسيج المجاز. فالموت بالنسبة لجليل هو حضورٌ ضمرت سطوتة الميتافيزيقيّة ولذا فالنصّ يتألّف عبر سياقات دراميّة تتأجّج في تشكيلات رمزيّة لآثار الموت وسيلانه في الزمن.فالّلغة هنا تُحرّكها بساطة لا توغل كثيرا في حبكِ وهج الموت وسؤاله الكبير المربك ولا تنبري لرفعه إلى مستوى التجريد الخالص ولا للرقص حول ناره والتعبّد في حضرته. اللغة في القصائد تتخثّر كموجات بوحٍ مغناطيسية متتالية تصنع كلاما شخصيّا، اشبه بمونولوغ داخلي،لا ينفك يستذكر تحسّس الجسم وتطلّبه كملاذ أخير مواز لزيارات الموت وعوالمه.فجليل تصوغ القصائد في خضمّ مصارحة كبرى تبطّن النصّ وتحرّره من لاجدوى التراجيديا وعقم التفجّع. وفي هذا تتشكل ملاحظة باهظة في مكاشفات تتصاعد تباعا في النصّ تؤشّر إلى مأزق لا يصرفه طقس ولا حداد، ولا حتى ارتفاع إلى التسامي ولا نزول إلى عتمة الغياب، بل تتمدد في طيّاته رغبة تتأجج في صدمات خفيفة ترسل ارتداداتها في القصائد فهذا "موت أكثر من عاديّ". فقصائد جليل تعمل في المساحة بين عاديّة الموت وبين حدوثه.وجسارة هذا الشعر تعتمل في بساطة اللّغة ووضوح منطلق الكلام الذي تحاول فيه الشاعرة على مدار النصّ تلافي الجنون...