مرآة النقد

“اللّون العاشق” لأحمد شبلول.. ثنائيّة الفنّ والحياة

"اللّون العاشق" لأحمد شبلول.. ثنائيّة الفنّ والحياة محمد عطية محمود (كاتب وناقد مصري) في رواية "اللون العاشق" لأحمد فضل شبلول، يعكسُ السَّرد الحالة الاجتماعيّة والفكريّة المُتناقضة والمُغايرة للحالة الفنيّة الدالّة على ثراء اجتماعي ورفاهيّة تبدو للعين لتجسِّد طبقة أمام طبقة، كما يعكس حركة الزَّمن وأثره في العادات والتقاليد المتمثلة في زِيّ امرأة هذا الزَّمن، وما تخفيه زينتها من مسكوت عنه في وعي الشخصيّة الشعبيّة التي تتلاقى مع شخصيّة صانع الفن في مناخ غير مناخها، وهو من عبقريّة اللوحة الفنيّة ذاتها التي تجمع بين سموّ الفنّ، وتواضُع الطبقة الاجتماعيّة، ومدى إبراز الجمال فيها، وهي الحيلة التي تتلمَّسها الرِّواية كي تصنع المُفارقة الحياتيّة من خلال تلك الشبكة من العلاقات المتوالية أو المتوالدة، التي تدخل في حيِّز التخييل والواقع معًا ليصنعا سبيلًا للسَّرد."أريدُ أنْ أجمع في تلك اللّوحة كل مدارس الفن المصري من فرعوني وقبطي وإسلامي وحديث، أريد أن تكون الخطوط والألوان ليّنة وراقصة ووامضة مثل جسد بنت بحري، وأن يصبح رداؤها جزءًا من شخصيّتها، وكاشفًا لجمالها المختلف عن الجمال الأوروبي التقليدي".ربَّما كانت تلك فلسفة اللوحة الفنية التي تشبَّع بها وجدان الفنان محمود سعيد وهو يرسم في مخيّلته مشروع هذه القطعة الفنيّة المنشودة، بما لها من عمق ثقافي وميثولوجي ضارب في عمق الفن والتاريخ معًا، على أمل تحقيق هاجس التجاوز الفني الذي ربّما راود كل...

“دورا سلوان وادي السير وبالعكس”.. ألاجئٌ أنتَ أم نازح؟

رقية العلمي ما تاريخ القضية الفلسطينية ومسيرات شعبها إلا حروب وهجرة ، على الرغْم من ذلك ما زال الانتماء لفلسطين متجذر داخل الوجدان الفلسطيني ولم يخبُو رجاء العودة طوال ستة وسبعون سنة عمر النكبة. تتشابه السير الذاتية والمذكرات للأجئ الفلسطيني محورها نكبة 1948 وما تعرضت له العائلات من مآسي الهجرة وتبعاتها، في واقع وجد فيه الفلسطيني نفسه يعيش حياة ما خطط لها، مما عكس تلقائيًا على تذكرات اللاجئين وسير الكُتاب المدونة، معظمها يحاكي وجع الانخلاع من الأرض والسكن في مخيمات اللجوء وخوض غصبا تجربتها القاسية؛ كل ذلك كان ركيزة للأجىء السير قدمًا نحو النجاح حالة لم يغيرها لا وقت ولا زمان. السير الذاتية في مقدمة كتابها “لملمة أوراق تبعثرت” للكاتبة سلوى الجراح المولودة في حيفا عام 1946 تقول: [سأكتب عن نفسي، عن سلوى جراح، حياتها وتجاربها، نجاحاتها وخيبات أملها في رحلة امتدت من فلسطين التي ولدت فيها، ونشأت على حبها، إلى العراق]. لاجئ ونازح في آن معًا بعد قرابة عقدين من الاحتلال لفلسطين بعد تأقلم اللاجئ على الواقع الجديد، داهمته حرب ثانية، حرب حزيران 1967؛ ستسُتحل باقي فلسطين: [صار العالم يسمينا نازحين] مريد البرغوثي رأيت رام الله. فصار هناك شريحتين في المجتمع الفلسطيني اللاجئين والنازحين: الأول نتاج النكبة بينما الثاني نتاج النكسة. كذا ما عرف به نفسه الكاتب عادل بصبوص في سيرته الذاتية “دورا سلوان وادي السير وبالعكس” دار...

“أنايوسف يا أبي”.. قراءة مشهدية للواقع …بحثا عن جيل ضاعت هويته

رشيد عبد الرحمن النجاب من أين أبدأ ؟ ....سؤال راودني كثيرا وأنا أهم بكتابة هذه السطور عن رواية "أنا يوسف يا أبي" للكاتب د.باسم الزعبي وهي روايته الأخيرة الصادرة عام 2024 عن دار "الآن ناشرون وموزعون" والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال لم تكن من السهولة بمكان، حتى قبل  الوصول للسرد والشروع باستطلاع تفاصيل هذه الرواية.لذلك فقد كتبت، و مسحت، ثم أعدت الكتابة مرارا وتكرارا قبل أن تبدأ معالم هذا المقال بالظهور. ذلك أن "النصوص الموازية" ، تتميز بالنسبة  لهذا العمل بالفرادة في ترابطها في ما بينها من ناحية، وصلتها مجتمعة ومنفردة بالسياق العام للسرد من ناحية أخرى، وللتوضيح؛ فلا بد من الإشارة إلى علاقة هذا العمل بقصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش بعنوان "أحد عشر كوكبا" والتي يتردد فيها قول "أنا يوسف يا أبي" أكثر من مرة. وسبق أن أثار هذا النص جدلا واسعا لعلاقته بالقرآن الكريم. هذه الصلات والمعاني إذن مرتبطة ارتباطا وثيقا بعنوان الرواية "أنا يوسف يا أبي" ، بينما يشير اللون الأبيض الذي اختاره الكاتب للغلاف إلى البراءة ونقاء السريرة وهي الصفات التي ارتبطت بالنبي يوسف عليه السلام. ثم الصورة للرجل بالقميص الذي يشكل اللون الأحمر جزءا أساسيا من مكوناته وما لهذا اللون من قصة معروفة تتضمن تهمة ألصقها إخوان يوسف بالذئب. أما علاقة الرجل بالطفل في صلة...

“أدب الحرب إبداعًا ونقدًا”

مغامرة الكتابة عن الراهن في رواية «الحرب التي أحرقت تولستوي»موسى إبراهيم أبو رياش الحرب ظالمة، لا أخلاقية، لا إنسانية، تستهدف أمان الناس ومصالحهم وحياتهم. معظم الحروب نشبت لأسباب تافهة تعبيرًا عن عجز القادة عن الحوار والتفاهم وتعظيم المشتركات، والتقليل من شأن الخلافات. والحرب عمياء لا تفرق بين عسكري أو مدني، كبير أو صغير، رجل أو امرأة، فالكل مستهدف دون تمييز. كانت الحرب في الماضي أقل وحشية؛ يلتقي الجيشان، ويتقاتلان، وتنتهي الحرب في الميدان، وقليلًا ما يتبعها أذى للسكان، ويبدو أنه كلما ازداد الإنسان حضارة ازداد حقارة وقذارة!! في رواية «الحرب التي أحرقت تولستوي» لزينب السعود، الصادرة في عمّان عن الآن ناشرون، في 240 صفحة، ثمة محاور كثيرة يمكن الحديث عنها، وستتناول هذه المقالة مغامرة الكتابة عن الأحداث الراهنة، والكتابة عن الآخر، ورمزية استحضار تولستوي، ومقارنة بين عمل المراسل التلفزيوني وعمل الكاتبة في هذه الرواية. مغامرة الكتابة عن الأحداث الراهنة: تشكل الكتابة عن الأحداث الراهنة بما فيها الراهن المعيش أو الحروب والقلاقل والعواصف السياسية والأوبئة والكوارث الطبيعية وغيرها مغامرة كبيرة؛ لأنّ الراهن متحرك، متغير، متقلب، متجدد، وهذا يضع الكاتب في أتون مغامرة قد تودي بكتابته إن لم يحسن الاقتناص والتوظيف والبناء الفني. الحدث الراهن تحت الضوء، وربما يعرف المتابع العادي أكثر من الكاتب، وتتكفل التغطيات الإعلامية والصحفية بالتفاصيل التي لا تترك شيئًا للكاتب. ولكن المبدع لا...

رواية “الخروبة” باكورة الانتاج الأدبي لرشيد النجاب: مشاهدها مستمدة من السيرة الذاتية للجد رشيد

إلياس نصراللهعن دار "الآن ناشرون وموزعون" صدرت في العاصمة الأردنية عمان رواية بعنوان "الخروبة" لمؤلفها رشيد عبدالرحمن النجاب المنتمي لعائلة النجاب الفلسطينية المعروفة من قرية جيبيا القريبة من مدينة بير زيت في الضفة الغربية، والمقيم حالياً في العاصمة الأردنية عمّان، وهو أحد المساهمين في الكتابة لجريدة "الاتحاد". لظروف خاصة، لم أقرأ منذ مدة أي عمل روائي عربي أو أجنبي وأقتصرت قراءاتي على الأبحاث التاريخية والسياسية التي استحوذت على معظم وقتي. فجاءت "الخروبة" لتحيي في نفسي من جديد حب الأعمال الروائية، علاوة على أن خلفية مؤلفها المعروفة لي وتوقعت أن أجد فيها ما يسرّ، وهوما حصل بالفعل ودفعني للكتابة عنها. تميزت "الخروبة" بأسلوب سلس وجذاب يساعد القارئ على التركيز في القراءة والاستمتاع بالنص، مما جعلني أنهي قراءتها بسرعة. فالمؤلف ركز على تصوير الأجواء العائلية والاجتماعية التي نتجت عن عملية تجنيد السلطات العثمانية لرشيد النجاب، جد المؤلف، إبان الحرب العالمية الأولى، علاوة على وصف رحلة التجنيد وما صادفه الجندي رشيد خلالها وحتى نهاية الرحلة وعودته سالماً إلى مقر إقامته مع عائلته في جيبيا. فعلى الأغلب أنه كتب الرواية وفاء لذكرى جده رشيد ووالده عبدالرحمن وعمه سليمان وأفراد عائلتهم، مما يدفع القارئ إلى الاعتقاد بأن "الخروبة" هي شبه سيرة ذاتية لعائلة النجاب خلال القرن العشرين صيغت بأسلوب روائي. ففي تعريفه للرواية الوارد على الغلاف الخلفي...

نظرات في ديوان أراني أعيد لخيولي بياضها لرامي الجنيدي

علي القيسي«أراني أعيد لخيولي بياضها»، عنوان ديوان شعر نثري للأديب رامي الجنيدي، صدر حديثا عن (الآن ناشرون وموزعون). عتبة العنوان جملة فعلية تتضمن العمل أو الشروع بالعمل والحركة لفعل شيء وهو الفاعل المتكلم يرى نفسه أن يقوم بعمل يخصه، وهو محاولة العبث باللون لتلك الخيول التي ذهب لونها الحقيقي الأصلي، وهذه رمزية وتورية أيضا، تكمن في فكر الشاعر وضميره في المعنى المقصود. فالديوان يعج بالرمزية والإشارات ذات المعنى، فثمة الخيول، والذئاب، والجنرال والماء والصلصال، فالشاعر رامي يختبئ وراء هذه النصوص من خلال الرمزية والتشابيه والمجازات، التي يحفل بها هذا الإصدار. وفي القصيدة الأولى من الديوان (وتمرض الذئاب): «ذئبُ خجول/ يرسم على جسد طريدته الخرساء/ حلم الذئاب/ يقبّل دمعة الغروب». في هذا الجمل النثرية الغامضة بالنسبة للمتلقي، يقف القارئ مشدوها، يحاول كشف الحقيقة والوصول إلى فك تلك الشيفرة. ماذا يقصد الشاعر بالذئب الخجول، والرسم على جسد طريدته الخرساء، هنا المعنى يُفسر بالنسبة للمتلقي تفسيرات كثيرة وهذا يحرك الفكر النقدي والمخيال الإبداعي للبحث والتخيل للوصول إلى ما في قلب الشاعر، ولكن يبقى ذلك محاولات لسبر أغوار عميقة قد لا تكون مهمة عند الشاعر، ولكنها تثير التساؤلات لدى المتلقي. القصائد مفعمة بالألفاظ والمفردات التي نراها تتكرر مثل المرايا، الذئاب، الجنرال، وهذا للتأكيد على تعلق الشاعر رامي بالمعنى الذي يشغل باله ويحرك ذهنه ووجدانه، يقول: «أيها الذئب القابع بين...

جعفر حسّان… السياسة أم الاقتصاد في الأردن؟

لو كنتَ مراقباً وصحافياً فضولياً، لرغبت في أن تكون في عمّان، في هذه الأيام، بعد الانتخابات النيابية أخيراً، ورحيل واحدة من أطول الحكومات عمراً، وأقلّها شعبية، حكومة بشر الخصاونة، ليكلّف العاهل الأردني مدير مكتبه الخمسيني، جعفر حسّان، تشكيل الحكومة. أمّا أن تكون في عمّان، فلنمائم الصالونات السياسية لذّة قلّما تشهدها في الشكل ذاته في عواصم عربية أخرى. والصالونات تلك ملتقيات سياسية موازية للعمل السياسي الرسمي في البرلمان أو الحكومة، وتضجّ اليوم بالحديث عن التشكيل الحكومي، وعن وسامة القادم الجديد إلى مقرّ رئاسة الوزراء في الدوار الرابع (في جبل عمّان)، والأصوات المعارضة، والمتحفّظة أيضاً، وعن كثيرين ممّن يدّعون معرفة الكواليس، وممّن يحذّرون من المستقبل... إلخ، لكن لرئيس الوزراء الجديد تصوّرات وشخصية سياسية مختلفة إلى حدّ ما، قد تلعب دوراً في تغييرٍ ما في قواعد اللعبة السياسة في الأردن، أو أنّه يعجز عن تجاوز تلك القواعد، فيمر كما مرّ كثيرون قبله، وهذا ما يستحقّ بعض التحليل. وجعفر حسّان من مواليد جنوب عمّان، خريبة السوق، ويُكرر محبّوه، وبعض أقاربه، أنّه أصبح أوّل رئيس للوزراء من جنوب المدينة، وفي هذا دلالات مهمّة لمدينة تقسّم نفسها دوماً على أساس طبقي بين الغرب والشرق، والشمال والجنوب، لكنّ جعفر لا يمكن أن يوصف بأنّه من هناك طبقياً، بتعليم عالٍ من أعرق الجامعات الغربية بين فرنسا والولايات المتّحدة،...

“ديوان الصبابة” لابن أبي حَجَلة التّلمسانيّ: النصُّ والمخطوطاتُ والأرشيفُ عامر سلمان أبومحارب (أكاديميّ وناقد أردنيّ)

(1)شکّلت ثيمة الحب موضوعة مركزيّة لعددٍ من الأعمال الكلاسيكيّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة في العصور الوسيطة، ولا شكّ أنّ ديوان الصبابة) لشهاب الدّين أحمد بن أبي حَجَلة التّلمسانيّ (ت.٧٧٦ هـ) يمثّل أحد أبرز الأعمال في إطار هذه البابة، وذلك إلى جانب كتاب (الزهرة) لابن داود (ت.٢٩٧هـ)، و(اعتلال القلوب) للخرائطيّ (ت.٣٢٧ه)، و(طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف) لابن حزم الظاهريّ (ت.٤٥٦ه) (ينظر: ديوان الصبابة لابن أبي حَجَلة التلمسانيّ (ت.٧٧٦ هـ)، تحقيق: خالد الجبر وأحمد الشيخ، الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2024م).ولا نُدحة من القول: إنّ هذا الكتاب يتّخذ أهمّيته من سياق اللحظة الحضاريّة التي وضعَه مؤلفها في إطارها، فالسياق الثقافيّ والمعرفيّ للعصر المملوكيّ سياقٌ مختلفٌ عن العصور السابقة واللاحقة، حيث وسم دومًا بأنه عصر انحطاط وسقوط ثقافيّ كبير، بيد أنّ الباحثين تنبّهوا إلى أنّ هذا العصر يمثّل مكنزًا للآداب، ولعلّ أبرزهم هو محسن جاسم الموسوي، الذي اعتبر أنّ آداب العصر الوسيط كوّنت جمهورية من الآداب (ينظر: جمهوريّة الآداب في العصر الإسلاميّ الوسيط: البنية العربيّة للمعرفة لمحسن جاسم الموسويّ، ترجمة: حبيبة حسن، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت، 2020م)، وذلك قياسًا إلى المصطلح الشهير (الجمهوريّة العالميّة للآداب) (The World Republic of Letters) الذي طرحته المفكّرة الفرنسيّة باسكال كازانوفا ((Pascale Casanova.

“تحت سماءٍ واحدة”: رمزية الحب علاء زريفة

يحاكي الشاعر الأردني نضال برقان المرأةَ- الحياة، والمرأةَ- الوجود، والمرأةَ- الأنا في خطاب شعري تمتزج فيه الذات بفائض الكون المتبقِّي من الأسئلة الوجودية التي يحاول سبر أجوبتها ولو "ندمًا". ففي مجموعته الشعرية "تحت سماء واحدة"، الصادرة عن دار (الآن ناشرون وموزِّعون) في عمَّان 2022، تنهض لغة برقان بأعباء السؤال المُتداخل بوجوه الطبيعة تحليقًا "سماءٍ واحدة"، تلمُّ مفردات الحبِّ بطبيعته الإنسانية الأشمل محاولًا أن يحدِّق بـ"حقيقيتها" بعين قلبه أولًا. يستخدم برقان قصيدة النثر ليعبِّر عن ذاته وكأنَّه يقف وحيدًا، مستعيرًا صراخ الشاعر الفرنسي شارل بودلير في كتابه (طحال باريس): "من منَّا، في لحظات طموحه، لم يحلم بمعجزة النثر الشعري، الموسيقي، بلا إيقاع ولا قافية، مرن وقوي بما فيه الكفاية ليتكيَّف مع نبضات الروح الغنائية، وتموُّجات الخيال، سخرية من الوعي؟"."أمٌّ كونية واحدة""أعرف أنَّكِ في مكانٍ ما هناك تُغنِّين للأمل وتُحيكين ملابسَ جديدةً للحقيقة وتزرعين النجوم في حوض نعناع". اللغة الشفَّافة الممزوجة بتفاصيل الطبيعة المرئيَّة التي تتجلَّى في عنوان القصائد كـ"تعشيب في حديقة البهجة، رصاصةٌ ذهبية من السماء، احتفال من أجل حصان النشيد، وسواها"، وصورة الكون الواسع المُتجسِّد في "حبيبةٍ مُخاطَبة"، يبعث من خلالها برقان قصائده- رسائله المسكونة بالهواجس والارتياب، بالرغبة والنكران، بالحقيقة البسيطة المجرَّدة وأشباهها. لغةٌ في منتهى الشعرية تؤسِّسها الذاتية مفرطة الحساسية، يتنقَّل صوت الشاعر فيها بين النداء المرتعش والابتهال، الصراخ الجريء الباحث...

د. خالد الجبر … جهود مثمرة في تحقيق كتب التراث مجدي بكري – عمان عالم الثقافة

لا ينكرُ أهمّيّة التُّراث الثّقافيّ للأمّة إلّا شخصٌ جاهلٌ أو عدميٌّ أو عدوّ لنفسه، وقد يكون التُّراث العربيّ المخطوطُ من أغنى التُّراثات العالميّة؛ إذ تُقدَّر أعدادُ المخطوطات العربيّة في العالم بعشرات الآلاف إن لم تكن بمئات الآلاف، وهذا جزءٌ يسيرٌ ممّا تبقّى للبشريَّة من إسهماتِ العرب والمسلمين ضمن الحضارة العربيّة الإسلاميّة؛ فقد عُرفت في التَّاريخ حملاتُ إبادة للمكتبتات كما مارسها المغول في بغداد، ومارسها الإسبان في الأندلس، ومارسها الصليبيّون في القدس، ومارسها العرب أنفسُهم في صِداماتهم الفكريّة والفقهيّة والسّياسيّة. الأكاديمي خالد عبد الرؤوف الجبر أستاذٌ ضليع باللغة العربيّة، وباحثٌ وناقدٌ مُجِّد، وشاعرٌ مرهف، ومُثقَّفٌ واسع الاطِّلاع، وبعد تركه التَّدريس الجامعيّ، راح يُكرِّس جهداً مُميَّزاً في تحقيق كتب التُّراث ليُساهمَ إلى جانب العديد من المحقِّقين المخلِصين في إعادة إحياء تراثنا الثَّقافيّ وتقديمه للعالم والأجيال. خلال عام واحد تمكَّن الجبر من إصدار ثلاثة كتبٍ عن “الآن ناشرون وموزعون” ضمن هذا المشروع، أولها “المُنتخَب من ديوان برهان الدّين القيراطيِّ” (726-781هـ/1326-1379م)، انتخبه الشّيخُ الفاضلُ يحيى بن فهد القاسميُّ المكّيُّ؛ وبُرهان الدّين القِيراطيّ أحدُ مشاهير عصر المماليك الثّاني في الأدب، شعره ونثره، وله ديوان ضخم، وهو من شعراء المديح النّبويّ، غير أنّ العناية به وبأدبه قليلة، لهذا فات محقّقي الأدب العناية بديوانه ومختارات أشعاره؛ ويبدو أنّ السّبب في إهماله أنّ الرّجل لم يكن من أهل الدّولة...