رواية «أمي كولجهان» لغة سلسة وحنين لأيام القرية «قرية الحويرة»

رواية «أمي كولجهان» لغة سلسة وحنين لأيام القرية «قرية الحويرة»


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    الوطن”

    برزت في الفترة الأخيرة، روايات متميزة لكاتبات عمانيات، ومن بين هذه الروايات، رواية (أمي كولجهان.. حكايات الظل والحرور) للكاتبة غنية الشبيبي، والصادرة عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع الآن ناشرون وموزعون في الأردن.
    تنطلق الرواية من خلال مكان أو قرية تسمى الحويرة وهو تصغير لما يعرف بالحارة. والمكان بالتحديد يقع في ولاية المصنعة. والرواية كما يبدو أرادتها الكاتبة كتوثيق لقرية الحويرة من خلال طبيعة الحياة القروية والاجتماعية وتناقضاتها، وللرواية شخوص: كولجهان وهي الشخصية المحورية، وسالم وجميلة وشمسة ورضية والمعلم سليمان، والقاضي سيف بن منصور وهو من جبال الحجر، والنوخذه هلال وابنه مبارك، وشمسة، وكل هذه الشخوص تعطي صورة نموذجية لما تقوم به من الأعمال المرتبطة بطبيعة عمل أهل القرية (الحويرة) وما تشتهر به من محاصيل زراعية، وغيرها. وقد تميزت شخصية كولجهان في الرواية بتلك الشخصية الغريبة في القرية، بملابسها ولغتها الجوادرية.
    والملاحظ، أن شخصيات الرواية تظهر وتختفي، الأمر الذي يعطي بعدا آخر في مدى قدرة الكاتبة على الإمساك بحبكة الرواية وجعلها مترابطة في تحريك الشخوص، حسب أدوارها وطبيعة عملها في القرية. وبلغة سلسة وهو ما يعرف باتباعها أسلوب التداعي الحر.
    ويمكن الملاحظة أيضا إعطاء الكاتبة للرواية بعدا ثقافيا من خلال تطعيم الرواية بالاشارة إلى أهم المؤلفات العمانية المعروفة كتحفة الأعيان للسالمي وغيرها من الكتب المعروفة والمهمة في الثقافة العمانية. وهو بحد ذاته يعطي التنوع للرواية فنيا وابداعيا ومعرفيا.
    ولأن الرواية تعطي صورة كاملة عن القرية التي تدعى الحويرة. فأنه يمكن الإشارة ولو بصورة مقتضبة، عن طبيعة أدوار شخوص الرواية. فمن بين ذلك نجد، زواج الأب من شمسة. بعد وفاة زوجته رضية، وفي عام ١٩٥٠م، حل ما يعرف بمرض الجدري عن طريق المسافرين إلى جوادر ومكران. ويتم علاج من أصيبوا من المرض بنقلهم إلى مطرح، وعلاجهم من قبل الدكتور طومس الطبيب الأميركي المعروف لدى غالبية العمانيين. يتم عزل المرضى في خيمة بالقرية تدعى (بالدكي) وممن اصبن بالمرض كولجهان ورضية، وبمجرد اصابتهن بالجدري فارقن الحياة. وهن صغيرات السن. وتظهر شمسة كامرأة نشطة، ولكنها لا تنجب، حيث تقوم بعمل رقائق الخبز من خلال موقد من الحجارة وحطب الأراك وبعض حطب الغاف. ثم تنشد:
    عندي حبيب حلو
    عندي حبيب مر
    واحد سبح بي بحر
    واحد سبح بي بر.
    في المقابل نجد هناك أيضا جوخة ترعى أيتام، جاءت مع زوجها واطفالها من الرستاق، هربا من ظلم أخوة زوجها وجبروتهم وصراعهم على ورث ابيهم. يتميز سكان قرية الحويرة بأن اغلبهم يعملون في المزارع وليس لهم علاقة بالبحر. في المقابل نجد أن هناك ثمة علاقة تربط أهالي الحويرة ببعض البلدان العمانية ومن بينها صور، حيث نجد احد تجار صور ويدعى النوخذة هلال يخطب لابنه مبارك كولجهان بعدما كبرت، وكولجهان كما اشرنا سابقا هي الشخصية المحورية في الرواية وهي من أصول جوادرية، بعد زواج كولجهان من النوخذه مبارك بن هلال، يتم تغيير اسمها إلى موزة وتنتقل للعيش في صور، لكن عائشة لا تحب كولجهان أو موزة وتعمل لها مكائد عكس عمتها سليمة التي تكن لها المحبة. ولكون كولجهان تزوجت في صور فأصبحت تلبس الملابس الصورية وتختلط معهم. لكن لم يمضي وقت على زواجها من مبارك، حتى قرر مبارك السفر في سفينة أم الخير للتجارة إلى بعض الدول كالهند وغيرها وترك زوجته كولجهان وهي حامل. حيث تركها تواجه مصيرها في بيت أهله. إلا أن كولجهان بسبب عدم استطاعتها العيش في بيت زوجها مبارك. قررت العودة إلى قريتها الحويرة. وعند رجوعها أول من صادفت الشايب مسلم، وسألته ان كان في استطاعته ان يوصلها إلى الشارع. سألها في البداية الشايب مسلم من أنت يا بنت؟ انت من زوجوك في صور؟، قالت نعم ياعمي انا من تزوجت في صور. لكن بعد وصولها بيت أهلها زعلوا عليها بسبب تركها بيت زوجها بدون علمه. فقرروا بعد أن طلقها زوجها مبارك تزويجها من شخص آخر مخافة الفضيحة. وكولجهان تعاني من مرض في الرحم، وتخضع لعدة علاجات منها تلك المعتقدات ما يعرف بالزار، ويمكن القول، أن الرواية تتنوع مناخاتها، حيث لا تتخذ مسارا خطيا واحدا وإنما تنتقل عبر مناخات وكل ما هو موجود في الخمسينيات والستينيات تثيرة الرواية، كعمل اهل القرية والفقر وذهاب البعض منهم للعمل بدول الخليج. وعدم وجود المدارس وتنتقل الرواية حتى بداية النهضة في عام ١٩٧٠م، وعودة العمانيين من الخارج. ولكن في نهاية الرواية يبقى لغز مرض كولجهان هو المسيطر.
    ويمكن القول كانت الكاتبة موفقة في الإمساك بتلابيب العمل الروائي والابتعاد عن الوقوع فيما يعرف بالكتابة الإنشائية. وقدرتها أيضا على الغوص في الجوانب النفسية لشخوص الرواية مما يؤكد على الثقافة الحقيقية التي تتمتع بها الكاتبة، في العمل الروائي، ولذلك تبقى رواية كولجهان، من الروايات العمانية الجميلة التي تحفز لقراءتها خصوصا الجيل الذي لم يتعرف على حقبة الخمسينيات والستينيات التي مرت بالمجتمع العماني حتى بداية النهضة الحديثة في ١٩٧٠م.