“أطياف أحلام” لميمونة البلوشية.. يوميات طفلة تعبر إلى مرحلة النضوج

“أطياف أحلام” لميمونة البلوشية.. يوميات طفلة تعبر إلى مرحلة النضوج


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “وكالة الأنباء العمانية”

    يشتمل كتاب “أطياف أحلام” للكاتبة العُمانية ميمونة البلوشية، على يوميات ترصد حياة فتاة في مرحلة الصبا تعيش مجموعة من التحولات النفسية والجسدية وهي تعبر إلى عمر النضوج، وتحلل اليوميات العلاقات التي تربط الفتاة بمحيطها العائلي والاجتماعي وفق وجهة نظرها الخاصة ورؤيتها الذاتية للأمور، بلغة تنسجم مع وعيها ونمط شخصيتها.
    وتحاول “مها” في الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، أن تتعامل بإيجابية مع الظروف الحياتية التي تتعرض لها، عبر ما تتسم به شخصيتها من عفوية وصدق، وقد نقلت لنا الكاتبة ذلك من خلال قدرتها على الاقتراب من وعي الطفولة والتعبير عنه بصور جميلة ومشوقة وأحداث تمس هذا العالم الصغير المركب، والأهم من ذلك أن البلوشية كانت تركز في كل مفصل من مفاصل اليوميات على الإيجابية في التفكير ورؤية الجانب المليء من الكأس.
    وتكشف اليوميات عن حياة طفلة هي الصغرى بين أخواتها، ويبدو أن فارق السن بينها وبينهن، وكذلك بينها وبين والديها، يسبب لها الإحساس الدائم بأن ثمة فجوة في هذه العلاقة العائلية، بخاصة مع أمها: “بعد أن لبستْ والدتي حزام الأمان التفتت ناحيتي، وقبل أن تتفوه بحرف قلتُ لها عاقدة حواجبي: أرجوك لا تتحدثي معي، كيلا أصرخ في وجهك وتغضبين، دعينا نصل لمبتغانا بسلام. رغم ذلك انفعلت أمي كثيرًا، وبدأت تصرخ وتعاتبني؛ لأني لا أحترمها على حد قولها، وأتنمر عليها. هل يعقل أن يكون هذا تنمرًا؟ لست في مزاج لهذه الأسطوانة، ورغم تنبيهي لها إلا أنها لم تكن تفهمني أو تشعر بي، لا أريد أن أخوض في نقاش معها؛ كيلا يشتدّ غضبي، ثم تبدأ هي بالموال الذي اعتادت عليه، إن تحدثتُ غضبَتْ، وإن سكتُّ غضبَتْ، هل يعقل أن تكون كل الأمهات كأمي؟”.
    كما تظهر في اليوميات علاقة “مها” مع والدها، وإن بدت أقل حضورًا ربما لأن الأب يعمل ويقضي معظم نهاره خارج البيت. وإلى جانب ذلك تشير البطلة إلى الفجوة الناتجة عن فارق العمر بينها وبين أخواتها، من خلال العلاقة المركبة بينها وبين أختها الثالثة عائشة، التي كانت تناديها “عواشة”: “عواشة في الصف الحادي عشـر، تغار مني كثيرًا؛ لأني أخذت مكانها في الدلع، بيني وبينها خمس سنوات”.
    تسرد اليوميات سلوكيات “مها” في البيت والمدرسة مع التركيز على أنها كانت تتعلم في كل موقف من المواقف المزعجة التي تخوضها كيف تنضج وتفهم الحياة، ومثال ذلك حين تعرضت لموقف سيء بالمدرسة بسبب كذب صديقتها وادعائها أنها أحضرت الهاتف للمدرسة بطلب منها، وكذلك حين رسبت “مها” بالامتحان لأن المعلمة لم تسمح لها بالذهاب إلى الحمّام.
    وهناك مواقف في اليوميات تكشف عن نضج “مها” عاطفيًّا، كما حدث لها مع ابن أختها الصغير، إذ تصف أحاسيس الأمومة الرقيقة التي شعرت بها تجاهه. والأمر نفسه حين عاملتها المعلمة بلطف، فأخذت وعدًا على نفسها على أن تكون مميزة من أجل إرضائها: “منذ دخولها الفصل وهي تنظر إليّ وتبتسم… قررت الانتباه جيدًا في حصّتها، كي أثبت لها أنّي متميزة أكثر من مارية، وبالفعل بدأتْ تنتبه لي، وتجعلني أشارك، استشاطت مارية غضبًا، شعرتُ بالنصر والفخر حينها، فورًا بعد الحصة جاءتني مارية متعجبة، كيف أصبحتِ متميزة فجأة؟ بهدوء الثقة والاعتزاز بالذات: أنا دائمًا متميزة، لكن المعلمة لم تكن تراني، واليوم بدأت تنتبه لي، ومن اليوم سأصبح أكثر تميّزًا”.
    وتختتم البلوشية يوميات “مها” برسالة عميقة، تلقي الضوء على الكيفية التي تجعل الإنسان قادرًا على استثمار تجاربه والمواقف التي يتعرض لها ليطور نفسه ويكون أكثر نضجًا وتفهمًا وتميزًا: “اليوم نضجتُ وكبرت، وأصبحت أكثر وعيًا وتفهّمًا لعائلتي، اليوم أنا قريبة منهم كثيرًا جدًا. ما زلت أشعر بقلق بسيط بسبب ما سيحدث لي من تغيرات، لكن لا بأس، المهم أنّ الموضوع ليس سيئًا كما كنت أظن، بل أنا متلهِّفة لقادم الأيام”.
    وقد وُزعت اليوميات ضمن عناوين فرعية من دون تواريخ، لكن التتابع الزمني ظل متماسكًا ومتمحورًا حول فكرة واحدة ومحددة، هي التحول من مرحلة الطفولة إلى النضج، والتغيرات التي تصاحب ذلك وتسهم فيه الأسرة والمدرسة والمجتمع، فإن تضافرت جهود هذه الأطراف معًا يمكن أن تكون هذه التغيرات إيجابية وأن تخطو بالطفل نحو عالم صحي وسلوك قويم.