“بابنوس”.. سميحة خريس تنسج ملاحم الحب والمقاومة في أرض الجراح
تبدأ رواية "بابنوس" للروائية الأردنية سميحة خريس، والمهداة لروح الطيب صالح، بحكمة عميقة تؤكد على مبدأ الحرية وتساوي الجميع المشتركون في كون واحد، إنسانا ونباتا وشجرا وحجراً.. فجميعهم يعيشون ضمن دائر الحياة الواسعة ويدورون في فلكها. وهذه الحكمة هي التي افتتحت بها "الرسّالة" أو"الحكامة" أو الجدة "حبوبة" السرد لتؤكد: "مثلما شجرة الأبنوسة قوية مخاتلة، أبوها اللقاح؛ يسري دم أمها الشمس الحارة الساطعة في عروقها الخشبية. تنمو على ما نريق من ماء محبتنا فوق التراب، تزهو بأنفاسنا، وتزهر باللمس، تعطي والفأس تضرب جذعها، فإذا ماتت؛ بيعت منحوتة عبقرية للخواجات. حينها أيضاً لا بد لها من أب وأم جديدين؛ نحات وإزميل".وتتجلى "الحكّامة" كشخصية أسطورية، فهي شاعرة ومعلمة وقاضية وضاربة للطبل والدف ومغنية ولها القدرة على إعلان الحرب أو إحلال السلم، كما أنها حفظت تاريخ المنطقة وعايشت الجزء الأكبر منه، وشهدت كيف تشكل وطنها الصغير من بضع بيوت استقرت الجموع فيه.. إنها رمز معادل للوطن نفسه، ولتاريخه، وحياة ساكنيه: "سمعت صوت المكان الهادئ الفارغ، رجعاً مرتداً يهتز على مهل مثْل صدى حانٍ، همس لي الهواء أن هنا لي وطن. اتسعت الخَرْبَقَة وصارت حياً حقيقياً لقبيلة شكلناها بتكاثرنا عبر سنوات لا أستطيع عدها، فنساؤنا ولودات، ثم بمجيء آخرين، عمرنا وطناً، وطن على قدر جماعتنا الصغيرة، استبدلنا بقعة صغيرة منسية بالأرض الرحيبة، في ما...