“المهندس” لسامر المجالي
دانا جودةلأي مدى يشبه الإنسان مدينته! أو لأي مدى تشبه المدينة ساكنيها. لطالما كانت تلك العلاقة الشاعرية ما بين المبنى وعصره، وما بين الإنسان والمبنى من أعمق العلاقات التي تحتضن الهوية والتراث، وكم من السهل على الزمن الوشاية بشاعرية تلك العلاقة. قد يكون ذلك إحدى أسباب اهتمامي بتصوير تشققات المباني أو تشكلات الحجارة ونقوش الأبواب القديمة. فما أقوم به حقيقة هو التقاط بورتريه شخصي للزمن، للوقت الذي مرّ على القصص المحفورة في جوف جدار والمحشورة بين تشققاته.لكن المدينة تتغير، وتضعنا في اختبار دائم لمدى قدرتنا على فهم التغيرات التي تواجهها.كنت قبل وقت قريب، أمشي كعادتي كل مساء. أجد بالإضافة للمشي رياضة بصريّة وأنا أمرّ من أمام بيت مصمم بأسلوب إسباني، وآخر بجانبه عصري التصميم، ومقابله فيلا تغطي واجهاتها ألواح خشبية مصممة لتعطي طابع الحديث والريفي معًا. مشيت أكثر إلى أن وجدت نفسي بشارع تصطف فيه بنايات سكنيّة، ومع أن الشارع يبدو منفصلا عما قبله، حيث كنت، إلا أنه جزء لا يتجزأ من المنطقة. تطلّ من هذه البنايات شرفات دائرية، وأخرى مربعة وبجوارها أخرى زجاجيّة. تطل كل شرفة على الأخرى باقتحام صارخ لخصوصية الأخرى، وكأنها تباهي بنفسها ورحابتها الأخريات، حتى أن كل بناية لم تنتبه إلى أن جمالها قد بهت وقد اختلطت بجميلات أخريات، فخلق ذلك للرائي مشهدا مزدحما، مليئًا بتفاصيل متباينة بعيدة...