مرآة النقد

الحبّ في زمن الخيبات قراءة في المجموعة القصصية “بين اليقظة و الحلم”

خديجة مسروق كاتبة جزائرية' بين اليقظة و الحلم ' مجموعة قصص قصيرة لسوزان خلقي ' دار الآن ناشرون و موزعون 2023' .تتمحورأحداث  أغلب هذه القصص حول موضوع واحد , هو علاقة المرأة بالرجل , ذات بعد عاطفي و إنساني .طبعتها اللغة الشاعرية السلسة . تناولت خلقي  مفهوم الحبّ كقيمة سامية تسيطر على حياة الأفراد , و تصحبهم مدى الحياة في تسع عشرة قصة . بين اليقظة و الحلم , سرد قصصي واقعي , أضفت عليه القاصة شيئا من خيالها لغاية جمالية .تصور عجز الإنسان في الزمن المعاصر عن التفاعل مع الحياة بشكل إيجابي , تغلب على نفسية أبطالها  حالة من  القلق و الاضطراب .وتحاول تجاوز واقعها المرهق , تحلق  مع الحلم بحثا عن السلام و الطمأنينة , ترسم بمخيلتها حياة تكون أجمل من حياتها في الواقع . ' الحبّ سبق المغفرة , و منذ أحببتك سامحتك عما مضى , و مما سيأتي , و غفرت لك سلفا كل شيء ' هكذا هي فلسفة خلقي في الحبّ ,  تدعو للتسامح و المغفرة في الحبّ . الحبّ الحقيقي لا يؤمن إلا بشيء واحد هو الصدق والتسامح و الإخلاص في المشاعر . نجد في قصة ' شرفة مطلة ' تتحدث القاصة عن المكابرة لتتجاوز إحساسها   بالوحدة , وتقدم نموذجا عن   الإنسان  المتصالح مع نفسه وواقعه , فيصنع...

تيار الوعي والسرد الروائي الحديث “طرقات بمزاج سيىء” لمصطفى النفيسي

منال رضوان كاتبة وناقدةيعرف تيار الوعي في الأدب: أنه ذلك الانسياب المتتابع والمتواصل للأفكار، كما يعبر عن سريانها باطنيا وذهنيا؛ حيث يصاحب ذلك العديد من التغييرات والتقلبات والتفاعلية، بالشكل المتواصل للأفكار داخل الذهن، وهو ما عبر عنه وليم جيمس(W.James) في تعريفه لذلك النمط السردي، المستند إلى السمت الانسيابي.ومع الإقرار بأن هذا النمط لا يعد شكلًا مستحدثًا للسرد الروائي، وإنما وفقه، قدمت بعض الروايات لعديد من الأدباء كأعمال لفيرجينيا وولف، والبير كامو وفيودور دوستوفيسكي وغيرهم؛ غير أنه يتميز بطبيعة خاصة، وكما أوجد "جيمس" ذلك المصطلح، فقد أوجد معه دلالته المهمة عندما أقر بأنه يمثل: ''جريان الذهن الذي يفترض فيه عدم الانتهاء والاستواء" حيث تكون الجمل مفككة وغير مترابطة؛ لتحدث أثرها في تفجير النص، ومن ثَم "مواجهة النص بالنص"والتساؤل عن التعارضات والتراتيبيات؛ ليتم استنباط التناقضات وعدم الترابط؛ إذ أنه يتخذ من التفكيكية أسلوبا يمكننا أن نتعرف إليه بوصفه " التيه الفعال والمنهجي" كما ذكر مؤسس النظرية في هوامش Marges ( دريدا ١٩٧٢ج).لذا فالقراءة التراتيبية لنصوص كتلك يصعب معها متابعة العمل إلا بشىء من التتبع الحصيف، وربما لا يصل القارىء إلى تكوين النص النهائي الخاص به عقب الانتهاء من العمل أو ما يعرف باللقاء فيما بين (النص المكتوب والنص المقروء)؛ حيث تندرج كل نقطة بالنص في أفق مرجعي أكثر تكثيفًا؛ فلا يستطيع...

«حدث في الآستانة»: تحولات تركيا من العثمانية إلى الجمهورية

هارون الصبيحي (كاتب أردني) عن "الآن ناشرون وموزعون" صدرت حديثاً مجموعة قصصية من الأدب التركي المترجم إلى اللغة العربية بعنوان «حدث في الآستانة» ترجمة الأردني أسيد الحوتري، المجموعة تتكون من إحدى عشرة قصة قصيرة لتسعة من الأدباء الأتراك المخضرمين الذين عاصروا الإمبراطورية العثمانية ونهايتها، ثم تأسيس الجمهورية التركية، هذه الباقة القصصية، تأخذ القارئ إلى أجواء عثمانية من التقبُّل والتّسامح قبل انقلاب جمعية الاتّحاد والترقي وحركة تركيا الفتاة، إضافة للثيمات الاجتماعية والفلسفية في بعض القصص. من الممكن وصف القصص التي جمعها الحوتري وتتحدث عن فترة زمنية مفصلية في كتاب واحد بالرواية الكولاجية (قص ولصق) وكذلك تعتبر رواية ما بعد حداثية بطلها الزمن المشترك في جميع القصص. من الإبداع الذي يبرز في عمل مترجم هذه المجموعة، تقديم نبذة عن حياة كل قاصّ قبل كل قصة، وكذلك تقديم مقطع قصير مشوّق من القصة، وقبل ذلك كله المقدمة التي كتبها الحوتري وسرد فيها ملامح عن الإمبراطورية العثمانية قبل وبعد الانقلاب العسكري من جمعية الاتّحاد والترقي وحركة تركيا الفتاة، وبعد ذلك الزج بها من قبل الباشوات الثلاثة في الحرب العالمية الأولى، سأتطرق في هذه المقالة إلى جميع القصص المترجمة محاولاً تحليلها أدبياً والتعبير عن رأيي الأدبي فيها بالمختصر المفيد. القصة الأولى: (بون بون) أحمد راسم (1864 – 1932) طفل أرمني مع والدته على ظهر عبّارة، نلاحظ في هذه القصة براعة...

“المهندس” لسامر المجالي

دانا جودةلأي مدى يشبه الإنسان مدينته! أو لأي مدى تشبه المدينة ساكنيها. لطالما كانت تلك العلاقة الشاعرية ما بين المبنى وعصره، وما بين الإنسان والمبنى من أعمق العلاقات التي تحتضن الهوية والتراث، وكم من السهل على الزمن الوشاية بشاعرية تلك العلاقة. قد يكون ذلك إحدى أسباب اهتمامي بتصوير تشققات المباني أو تشكلات الحجارة ونقوش الأبواب القديمة. فما أقوم به حقيقة هو التقاط بورتريه شخصي للزمن، للوقت الذي مرّ على القصص المحفورة في جوف جدار والمحشورة بين تشققاته.لكن المدينة تتغير، وتضعنا في اختبار دائم لمدى قدرتنا على فهم التغيرات التي تواجهها.كنت قبل وقت قريب، أمشي كعادتي كل مساء. أجد بالإضافة للمشي رياضة بصريّة وأنا أمرّ من أمام بيت مصمم بأسلوب إسباني، وآخر بجانبه عصري التصميم، ومقابله فيلا تغطي واجهاتها ألواح خشبية مصممة لتعطي طابع الحديث والريفي معًا. مشيت أكثر إلى أن وجدت نفسي بشارع تصطف فيه بنايات سكنيّة، ومع أن الشارع يبدو منفصلا عما قبله، حيث كنت، إلا أنه جزء لا يتجزأ من المنطقة. تطلّ من هذه البنايات شرفات دائرية، وأخرى مربعة وبجوارها أخرى زجاجيّة. تطل كل شرفة على الأخرى باقتحام صارخ لخصوصية الأخرى، وكأنها تباهي بنفسها ورحابتها الأخريات، حتى أن كل بناية لم تنتبه إلى أن جمالها قد بهت وقد اختلطت بجميلات أخريات، فخلق ذلك للرائي مشهدا مزدحما، مليئًا بتفاصيل متباينة بعيدة...

مجموعة قصصية.. “فالس الغراب” للقاص يوسف ضمرة

صدرت عن "الآن ناشرون وموزعون"-2020 – عمّان “رفع ستار الغراب” سليم النجّارتكاد الحياة تتلخّص في البحث عن الحبّ، والبحث عن الطمأنينة. والتخلّص من أرق أسئلة الوجود التي تطرد النوم من العين والروح. لعلّ الحياة بحث دائم عن الخلاص. عن الأمان قصص يوسف ضمرة لا تنتهي، وهي تتناسل ولا تتشابه، في مجموعته القصصية “فالس الغراب”، هي قصص لا تنتهي، ويمكن أنْ يحرِّر حكيُها شعبا بكامله. يوسف ضمرة يقصّ في صيغة سؤال: هل صحيح حقيقة من شبّ على شيء شاب عليه؟ أم أنّ الوسط يذيب عناصر الغريزة، ويغرس بذوره الخاصة؟ كما يطرح القاص فكرة الوسط، التي تجلّت في قصة “أغنية وضريح”، “جاؤوا، شيخ مغربي أخبرهم بعد أنْ حرث الأرض بعود في يده، أنّ جنيّة أحبّت الرجل، وسكنت داخله، ودُفنت. وأنّها تخرج ليلاً فتسمح الآية القرآنية وتكتب الأغنية. “والعمل؟” قال الناس. قال الشيخ: “احضروا القبر ودمّروا الضريح واحرقوا الجثّة لكي تحترق الجنيّة التي فيها”. فعلوا ذلك بالتفصيل وعادوا إلى منازلهم. لكنّهم في الليل استيقظوا على صوته الأجشّ يغنّي “يم العباية، حلوة عباتك” ص58″.يمكن القول إن ظرفية قراءة قصّة “أغنية وضريح” لها منهجيتها تمليها شروط موضوعية مرتبطة أساساً بنوعية القصّ وسياقتها، ما يضفي صفة الخصوصية على أي قراءة انطلاقاً من أهمية المضامين والأفكار التي يأتي بها القاص. وإذا كانت الكتابة بصفة عامّة تعتبر إبداعًا، فإنّ الشعور بقيمة هذا...

“كويت بغداد عمان” من سفر التكوين إلى سفر الخروج للروائي أسيد الحوتري

صفاء الحطاببدأت الرواية بإهداء له خصوصية ودلالة عميقة ترهص بما تختزنه من ذكريات الفلسطيني وأحلامه التي لم تتحقق، وكأنها انتقلت مباشرة من سفر التكوين والنشوء إلى سفر الخروج المستمر. "إلى ذلك الطفل الذي يحتضر في داخلي، والذي لا يزال يحيا على أرض الكويت" تبدأ الرواية بالمشهد الأول للشاب "سعيد البحتري" الذي يقف بملابس النوم حافيا بمواجهة دورية جيش، تأمره بالامتثال للأوامر تحت تهديد السلاح، وتجسد حيرته في اتخاذ قرار في لحظة مصيرية خاطفة من نوعية القرارات التي لا تمهل، ويصور لنا بمهارة وبلغة سهلة كيف أن الفلسطيني الذي عاش في الكويت واستقر فيها حاملا معه وطنه في قلبه، وجد نفسه وحاضره ومستقبله في لحظة تاريخية معقدة على مستوى السياسة والجغرافيا في دوامة الحدث وصدمة الواقع، وليس أمامه بعد تخطي مرحلة الإنكار إلا الاستسلام أو الهرب أو المواجهة. عاش الكثير من الفلسطينيين في الكويت بعد خروجهم القسري من بلادهم المحتلة حياة كريمة، ونشأ بينهم وبين المكان علاقة متينة من العطاء المتبادل، وبقيت فلسطين وحسرة الخروج منها حاضرة في قلوبهم، وفكرة العودة إليها يوما تداعب خيالاتهم، حتى جاء ذلك اليوم الأسود "غزو الجيش العراقي" للكويت، وتجددت فكرة الخروج القسري وكأنها قدر يلاحقهم، وتظهر هذه الانفعالات والمعاناة في قول الكاتب: "ذلك اليوم الذي قررنا فيه مغادرة الكويت، لم نسلم المفتاح للمؤجر، ولم نشحن أثاثنا، بل...

“مسكوتٌ عنهم” .. قصص عمّار الجنيدي “صمت الصدى”

سليم النجّار- إنّ القارئ لقصص عمّار الجنيدي، يلحظ أنّه حيال قاص متصوِّف يمتلك نظَّارة مدقِّقة ترصد الوجود من حوله، باحثة عن أسراره كي تكشف عوالم المصير الإنساني، وتحاول أنْ تستشرف مستقبله. يطالعنا الخطاب السَّردي القصصي لقصّ "مسكوتٌ عنهم" للجنيدي بعتبة نصية مألوفة لدى المتلقّي العربي، حيث يتناص عنوان المجموعة القصصية - بشكل مباشر مع قصصه، وهي مواصلة نصيّة تؤكّد انفتاح النصّ لعمّار على التراث الحكائي للمجتمع الأردني المتجذّر في الثقافة العربية الشفاهية. بعوالمه المختلفة، والذي يدفع بالمتلقّي إلى مغامرةِ تَكَشُّفٍ للعالم السَّردي المعاصر، في إطار تذكّري للمصدر لواقع الحال العربي، من خلال إقامة نوع من الموازنة بين النصين، يرصد المتلقّي من خلالها قدرة النصّ القصصي على التفاعل مع النصوص الحكائية الشفاهية، وكيفية توظيفه لعناصرها الشكلية والدلالية، لإثراء بنيته الحاضنة، للتعبير عن واقعه المجتمعي المعيش. على أنّ هذا التواصل النصي، الذي تجلّى في عتبة قصّة "أوغاد!" ما لبث أنْ تحوّل إلى مزاوجة فنية، تعتمد على الانتقاء والمغايرة: "- أهلا، صوتك حزين ومرتبك. - نعم أم جابر، فالمناظر البشعة التي شاهدتها قبل قليل قد حركت في نفسي الاشمئزاز والقرف، لقد قرّرت الإضراب عن أكل اللحم. - ماذا تريد أنْ تأكل إذن. - هل يوجد لدينا سمك؟! ص10 -11". يستلهم عمّار نصّ "رصاصة واحدة تكفي"، من خلال قدرته على انتقاء جملة من العناصر السردية، الاجتماعية، وبثّها في خطابه السًّردي،...

رواية “فاطمة” حكاية البارود والسنابل… استعادة الذاكرة وحراستها

صفاء الحطابكتب الدكتور محمد عبد الكريم الزيود روايته "فاطمة" عن المكان الذي عرفه بقلبه واختزن تفاصيله بعقله، فجاءت الرواية وكأنها مصباح يضيء على مناطق مظلمة من جغرافية الأردن "مدينة الزرقاء والقرى المحيطة" وفي فترة تاريخية محددة، بين منتصف الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، لتروي قصة البسطاء في مواجهة صعوبات الحياة وتعقيدات السياسة والجغرافية، بحبكة بطلتها فاطمة الفتاة اليتيمة التي تروي لنا حكايتها بكل تفاصيلها المحزنة والمفرحة منذ ولادتها حتى كهولتها، في فضاء مكاني يشاركها البطولة الدرامية بامتياز، فالقرى الواقعة حول سيل الزرقاء كانت حاضرة بأوديتها وكهوفها ومسالكها وطرقها وأراضيها وأشجارها، لينسج الكاتب تاريخ المكان والإنسان، ويروي لنا جزءا من حكايتنا نحن، عبر القصص المتقاطعة مع قصة فاطمة، التي تشكل الخط الناظم لكل الأحداث التي مرت بها عبر رحلة حياتها. قام الكاتب بدور حارس الذاكرة، والقيم على إحياء تراث أردني غير مادي مهم وعميق، يكاد يغيب عن وجدان الجيل الحالي من قيم وعادات وطقوس ومعتقدات وممارسات اجتماعية، مما يجعلها رواية مكانية اجتماعية، مقدمة بلغة عالية، يغلب عليها الوصف والصور الفنية، واستثارة خيال القارئ، ومشاركته الحدث، فقد جعلنا نمسح دمعة فاطمة عندما بكت أخاها "حميدان" العريس الذي مات في صباح يوم زفافه، وشاركنا أهل القرية في محاولة إطفاء النيران التي التهمت بيدر "حسين" خال فاطمة، ووقفنا مع "أم علي" على المطلاع...

“كلاب برية”.. الحفر في بنية مجتمع منخور

سلام إبراهيميقدم الروائي مشهداً كابوسياً في صفحتها الأولى، عن كلاب برية هاجمت قرية آمنة ونهشت إحداهم مثيرة الهلع بين سكانها المختبئين خلف أبواب بيوتهم، ليهدأ في الصفحة الثانية المسار السردي ليرسم تفاصيل حياة قرية، شخصياتها وحياتها الاجتماعية ليلقى الضوء على سلالة الشخصية المحورية "إبراهيم صالح الجندي" أصغر أخوته الذي انفرد عن بقيتهم المشتغلين بالزراعة فعمل في تشغيل ماكنات الري وتصليحها، تعصف الحرب بحياة سكانها الوادعة، وتجلب جثامين الشهداء من الجبهات وسط ذعر الشباب المنتظرين دعوات تجنيدهم، فيهرب البعض إلى الصحراء، ويقدم البعض على قطع أصابعهم للخلاص من السوق لدى حداد القرية، ووسط هذا الجو المضطرب يتم دعوة "إبراهيم" للخدمة، الذي تزوج قبل سنواتٍ قليلة ولدية ولد "عمر". يصور في مشاهد مؤثرة قلق الجندي المساق هواجسه، خوفه، وأخيلته المرعبة الراسمة في خلواته سيناريوهات مختلفة لمقتله، في خطوة جوهرية ومهمة من خطوات انتقاء الشخصية الروائية التراجيدية المتأرجحة بين الضعف والتوازن، حبها للحياة وخوفها من فقدها، إذ يقفل بابه غرفته عليه لينهار باكيا: "بعد فترة صمت فتح الباب وقد بدا منهاراً، وجهه أسود من الغم و عيناه تبكُّ دماً، صفعه أبوه على وجهه، أسقطه أرضاً، وصرخ في وجهه: - بتولول ليه يا ابن العرص؟؟ دي حرب بدافع عن تراب بلدك وعرضك، هو يا ابن الكلب لو أنت واللي زيك تخاذل ونام جنب مراته، مين يدافع؟"...

لمحة عن كتاب “كلاب برية”